هذا كلّه فيما إذا كان التردّد بعد بلوغ المسافة ولو ملفّقة ، وأمّا لو تردّد قبل أن يبلغها فقد ذكر في المتن أنّ حكمه التمام حين التردّد ، لرجوعه إلى التردّد في المسافرة وعدمها .
أقول : يتصوّر هذا على وجوه ، لا يبعد أن تكون عبارة المتن ناظرة إلى الأوّل منها :
أحدها : أن يتردّد بعدما قطع مقداراً من الطريق في البقاء أو الذهاب أو العود إلى محلّه ، كما لو خرج من النجف قاصداً الحلّة وعندما بلغ الكوفة تردّد في البقاء فيها أو الاسترسال في سفره أو الرجوع إلى وطنه . ولا ينبغي التأمل في الحكم بالتمام من لدن عروض التردّد ، إذ المعـتبر في القصر الاستمرار في القصد والبقاء على نيّة السفر إلى نهاية المسافة ، الذي لا يجتمع مع فرض التردّد المزبور كما هو ظاهر .
ثانيها : أن يكون جازماً بالسفر وعازماً عليه ، فلا يحتمل العود إلى محلّه غير أ نّه متردّد فعلاً في البقاء والخروج ، لحاجة دعته إلى التوقّف وقتاً ما من معالجة أو ملاقاة صديق ونحو ذلك ، ولا يدري أمد التوقّف وأ نّه يوم أو يومان أو أكثر ، ولعلّه يطول ثلاثين يوماً ، فيحتمل بقاء الثلاثين من أوّل الأمر وحين عروض الترديد .
ــ[341]ــ
وهنا أيضاً لا ينبغي التأمل في الحكم بالتمام ، فانّ بقاء الثلاثين قاطع لحكم السفر، فاحتماله احتمال لوجود القاطع، وهو مناف للعزم الفعلي على السفر الشرعي الموجب للقصر . فمرجع الترديد المزبور إلى الترديد في السفر ، الموجب لزوال القصد وعدم التصميم فعلاً على الاستدامة في السفر الذي جعله الشارع موضوعاً للقصر، فانّه عبارة عمّا كان فارغاً عن القاطع، والمفروض احتمال وجود القاطع .
ثالثها : أن يتردّد في الذهاب أو البقاء بقصد إقامة العشرة ، وحكمه كسابقه في لزوم التمام ، لاشتراكهما في احتمال وجود القاطع ، الموجب للتردّد في السفر غاية الأمر أنّ القاطع هناك نفس البقاء ثلاثين يوماً متردّداً ، وهنا قصد بقاء العشرة ونيّة الإقامة .
ولا يبعد أن تكون عبارة المتن شاملة لجميع هذه الصور الثلاث ، لاشتراكها في صدق التردّد في المسافرة وعدمها ، وإن كان شمولها للاُولى أظهر كما لا يخفى .
رابعها : أن يتردّد في الذهاب أو البقاء يوماً أو يومين أو أكثر دون العشرة بحيث لم يحتمل من نفسه قصد إقامة العشرة فاتفق بقاؤها ، أو أ نّه لم يزل على هذه الحالة إلى أن مضى ثلاثون يوماً .
والظاهر أنّ عبارة المتن غير ناظرة إلى هذه الصورة . وعلى أيّ حال فلا وجه للحكم بالتمام خلال هذه المدّة ، لعدم كون مثل هذا التردّد منافياً لقصد السفر بوجه بعد عدم اقترانه باحتمال القاطع ، ومعلوم أنّ مجرّد بقاء العشرة من غير قصد لا يستوجب القطع والرجوع إلى التمام .
نعم ، رواية حنّان عن أبيه عن أبي جعفر (عليه السلام) ربما تدلّ عليه ، قال : «إذا دخلت البلدة فقلت اليوم أخرج أو غداً أخرج فاستتممت عشراً فأتمّ» (1)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 502 / أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 14 .
|