تذكرّ الناسي للسفر أو لحكمه في أثناء الصلاة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3684


ــ[378]ــ

   [ 2351 ] مسألة 7 : إذا تذكّر الناسي للسفر أو لحكمه في أثناء الصلاة (1) فإن كان قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة أتمّ الصلاة قصراً واجتزأ بها

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قادحية الزيادة لحكمنا بصحّة التمام المأتي به في موضع القصر بمقتضى القاعدة من غير حاجـة إلى ورود دليل خاص ، إذ هو مشـتمل على القصر وزيادة والمفروض عدم الدليل على قدح الزيادة ، غير أنّ أدلّة القدح تمنعنا عن الحكم بالصحّة .

   فاذا ورد دليل تضمّن الحكم بالصـحّة في مورد ـ كالجهل ـ فهو بحسـب النتيجة مخصّص لدليل القدح ، وليس مفاده إلاّ العفو والاغتفار عن تلك الزيادة المأتي بها حال الجهل ، لا التبدّل في الحكم الواقعي وانقلابه من القصر إلى التمام ليكون مخصّصاً لعمومات القصر ، فانّ دليل الصحّة لا يستلزم ذلك بوجه حسبما عرفت . إذن لا موجب لرفع اليد عن إطلاقات التقصير لكلّ مسافر .

   وعليه فالفائت عن الجاهل إنّما هو القصر ، فيجب القضـاء قصراً بمقتضى قوله (عليه السلام) : اقض ما فات كما فات، دون التمام بزعم أ نّه لو صلّى في الوقت كانت تامة فكذا القضاء بمقتضى المماثلة، فانّ صحّة التمام آنذاك ، الراجع إلى عدم قدح الزيادة ـ كما مرّ ـ منوط بوقوعه حال الجهل، فهو حكم خاصّ بالجاهل، وقد فرضنا ارتفاع جهله بعد الوقت، فانقلب الموضوع إلى العالم، فكيف يصحّ منه التمام.

   ومثله الكلام في الناسي للسفر أو لحكمه ، فيجري فيه ما مرّ بعينه .

   (1) التذكّر المذكور قد يكون في مورد لا يمكنه العود إلى القصر ، لفوات محلّ العدول بالدخول في ركوع الركعة الثالثة ، وقد يكون قبل ذلك .

   فعلى الأوّل حيث لا سبيل للعلاج فلا مناص من الاستئناف قصراً .

ــ[379]ــ

ولا يضرّ كونه ناوياً من الأوّل للتمام ، لأ نّه من باب الداعي والاشتباه في المصداق لا التقـييد ، فيكفي قصد الصلاة والقربة بها ، وإن تذكّر بعد ذلك بطلت ووجب عليه الإعادة مع سعة الوقت ولو بإدراك ركعة من الوقت بل وكذا لو تذكّر بعد الصلاة تماماً وقد بقي من الوقت مقدار ركعة ، فانّه يجب عليه إعادتها قصراً . وكذا الحال في الجاهل بأنّ مقصده مسافة إذا شرع في الصلاة بنيّة التمام ثمّ علم بذلك ، أو الجاهل بخصوصيات الحكم إذا نوى التمام ثمّ علم في الأثناء أنّ حكمه القصر ، بل الظاهر أنّ حكم من كان وظيفته التمام إذا شرع في الصلاة بنيّة القصر جهلاً ثمّ تذكّر في الأثناء العدول إلى التمام، ولا يضرّه أ نّه نوى من الأوّل ركعتين مع أنّ الواجب عليه أربع ركعات لما ذكر من كفاية قصد الصـلاة متقرّباً وإن تخيّل أنّ الواجب هو القصر ، لأ نّه من باب الاشتباه في التطبيق والمصداق لا التقييد ، فالمقيم الجـاهل بأنّ وظيفته التمام إذا قصد القصـر ثمّ علم في الأثناء يعدل إلى التمام ويجـتزئ به ، لكن الأحوط الإتمام والإعادة ، بل الأحوط في الفرض الأوّل أيضاً الإعادة قصراً بعد الإتمام قصرا .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وعلى الثاني يرجـع إلى القصر بعد هدم القـيام لو كان في الركعة الثالثة وسجود السهو حينئذ لو قلنا بوجوبه للقـيام الزائد . ولا تضرّه نيّة التمـام من الأوّل ، فانّه من باب تخلّف الداعي والخطأ في التطبيق كما نبّه عليه في المتن ، إذ ليس القصر والتمام ماهيتين مختلفتين وحقيقتين متباينتين كالظهر والعصر والأداء والقضاء ليحتاج كلّ منهما إلى تعلّق القصد إليه بالخصـوص ولا يجوز العدول من أحدهما إلى الآخر ما لم يدلّ عليه نصّ خاص ، بل هما حقيقة واحدة ، وإنّما الاختلاف في عدد الركعات ، كسائر الخصوصيات والكيفيات التي تختلف فيها

ــ[380]ــ

الأفراد مثل الجماعة والفرادى وصلاة الرجل والمرأة وغير ذلك .

   فصلاة الظهر مثلاً طبيعة واحدة وقد نواها المكلّف ، غاية الأمر كان يعتقد أ نّها ذات أربع ركعات فنواها تامّة ، فانكشف في الأثناء أ نّها ذات ركعتين وليس هذا إلاّ من باب الاشتباه في المصداق ، وليس من التقييد في شيء .

   فلو فرضنا شخصاً حديث العهد بالإسلام ائتم بإمام في صلاة المغرب زاعماً أ نّها أربع ركعات ، أو في صلاة الفجر معتقداً أ نّها ثلاث ركعات ، فلما سلّم الإمام على الثالثة أو على الركعتين سلّم بتبعه ، أفهل يحتمل بطلان صلاته لعدم كونه ناوياً للثلاث أو الثنتين من أوّل الأمر ؟

   وعلى الجملة : لا يعتبر في صحّة الصلاة إلاّ الإتيان بذات المأمور به ، وأن يكون بداعي التقرّب ، وقد حصل كلا الركنين حسب الفرض، فلا موجب للبطلان. ولا يعتبر العلم بأعداد الركعات ، كما لا يعتبر العلم بسائر الخصوصيات .

   وهذه مسألة سيّالة تجري في كلّ من اعتقد جزئية شيء أو عدم جزئيته وقد انكشف الحال قبل تجاوز المحل، كمن اعتقد عدم وجوب التشهّد ، أو وجوب القراءة مرّتين ونحو ذلك ، ومنه المقام ، فانّه يحكم بالصحّة ، لأنّ العـبرة بقصد الماهية ، والخصوصيات لا دخل لها بعد ما عرفت من تقوّم الامتثال بالركنين المزبورين ، فمتى تذكّر وكان محلّ العدول باقياً جاز العدول بمقتضى القاعدة .

   نعم ، ذكر المحقّق في الشرائع فرعاً ، وهو أ نّه لو قصّر المسافر اتفاقاً ، بأن كان ناوياً للتمام جهلاً بالحكم ثمّ غفل وسلّم على الركعتين يحكم ببطلان صلاته (1) . وهذا  كما ترى لا يستقيم ، بناءً على ما قدّمناه من أنّ القصر والتمام طبيعة واحدة والاختلاف من باب تخلّف الداعي والاشتباه في التطبيق غير القادح في الصحّة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الشرائع 1 : 161 .

 
 

ــ[381]ــ

   فكلامه (قدس سره) مبنيّ إمّا على دعوى الانقلاب وأنّ المسافر الجاهل مكلّف واقعاً بالتمام ، والقصر في موضع التمام لا يجزي كما مرّ ، أو على اختلاف ماهية القصر والتمام وقد قصد المصلّي ماهية ووقعت في الخارج ماهية اُخرى ولأجله لا يجزي .

   وكلتا الدعويين ساقطتان كما علم ممّا مرّ، فانّ الانقلاب خلاف ظواهر الأدلّة بل غايته اغتفـار الزيادة لو حصلت (1) . واختلاف الماهيـتين ممنـوع ، بل هما طبيعة واحدة ، فلا تضرّه نيّة الخلاف ما لم يكن على سبيل التشريع .

   وكيف ما كان ، فلا نعرف وجهاً لحكمه (قدس سره) بالبطلان في هذا الفرع بل الأقوى الصحّة . وسيجيء لذلك مزيد توضيح في المسألة الآتية إن شاء الله تعالى .

   ثمّ إنّك عرفت أنّ التذكّر إن كان بعد الدخول في ركوع الركعة الثالثة بحيث فات محلّ العدول بطلت ، ولا بدّ من الإعـادة قصراً ، كما هو الحال فيما لو كان التذكّر بعد الفراغ من الصلاة ، وهذا فيما إذا كان الوقت وافياً للإعادة ولو بادراك ركعة منه فلا إشكال .

   وأمّا إذا ضاق الوقت حتّى عن إدراك الركعة فقد يتخيّل أ نّه يتم صلاته ولا يرفع اليد عنها ، إذ لو رفع اليد لزمه القضاء ، وقد نطقت الروايات بسقوطه عن الناسي والجاهل . فلا مناص من إتمام ما بيده والاكتفاء به .

   ويندفع بأنّ الروايات الناطقة بسقوط القضاء موضوعها من أتمّ في موضع القصر سهواً أو جهلاً ، بحيث تتّصف تلك الزيادة بكونها زيادة سهوية أو زيادة جهلية ، وأ نّها حينئذ مغتفرة بمقتضى تلك النصوص كما تقدّم (2) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما اتّضح ممّا تقدّم في ص 377 .

(2) في المسألة [ 2347 ] .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net