ــ[398]ــ
منها : صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج قال: «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن التمام بمكّة والمدينة ، فقال : أتمّ وإن لم تصلّ فيهما إلاّ صلاة واحدة» (1) .
وصحيحة مسمع بن عبدالملك : «إذا دخلت مكّة فأتمّ يوم تدخل» (2) . ولا يمنع اشـتمال الطريق على ابن أبي جيد الذي لم يوثق صريحاً في كتب الرجال فانّه من مشايخ النجاشي ، وكلّهم ثقات حسب ما التزم به من عدم روايته بلا واسطة إلاّ عن الثقة (3) .
وصحيحة (4) عثمان بن عيسى قال : «سألت أبا الحسـن (عليه السلام) عن إتمام الصلاة والصيام في الحرمين ، فقال : أتمّها ولو صلاة واحدة» (5) ونحوها غيرها .
ولعلّ إعراضه (عليه السلام) في الجواب عن حكم الصوم من أجل عدم ثبوت التخيير فيه واختصاصه بالصلاة .
وكيف ما كان ، فهذه النصوص لا تجتمع مع التخيير بالمعنى المزبور .
وبازاء نصوص التخيير روايات دلّت بظاهرها على تعيّن الإتمام .
منها : صحيحة حماد بن عيسى عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «أ نّه قال : من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن : حرم الله ، وحرم رسوله ، وحرم أمير المؤمنين (عليه السلام) وحرم الحسين بن علي (عليه السلام) » (6) ، والمراد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 525 / أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 5 .
(2) الوسائل 8 : 526 / أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 7 .
(3) رجال النجاشي : 85 / 207 ، 396 / 1059 .
(4) [ الظاهر كونها موثقة، لعدم ثبوت رجوعه عن الوقف كما صرّح في المعجم 12 : 132 / 7623 ] .
(5) الوسائل 8 : 529 / أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 17 .
(6) الوسائل 8 : 524 / أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 1 .
ــ[399]ــ
بحرم أمير المؤمنين (عليه السلام) الكوفة أو مسجدها كما في النصوص الاُخر على ما ستعرف .
وصحيحة مسمع عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال : «كان أبي يرى لهذين الحرمين ما لا يراه لغيرهما ويقول : إنّ الإتمام فيهما من الأمر المذخور» (1) .
ولا يخفى أ نّا لو كنّا نحن وهاتين الروايتين المعتبرتين لأمكن أن يقال : إنّه لا دلالة لهما على الوجوب ، بل غايته أنّ الإتمام من الأمر المخزون المذخور ، وأمّا أ نّه واجب أو مستحبّ فلا دلالة عليه بوجه .
ولكن هناك روايات تضمّنت الأمر بالتمام ، الظاهر في الوجوب ، مثل صحيحة ابن الحجاج ونحوها المتقدّمة آنفاً ، الآمرة بالتمام ولو صلاة واحدة .
إلاّ أنّ الجمع العرفي بينها وبين نصوص التخيير يقتضي الحمل على الاستحباب ، فيرفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب بصراحة الآخر في جواز الترك إلى البدل .
على أنّ الاستحباب مستفاد من نفس الروايات كقوله (عليه السلام) في صحيحة علي بن يقطين المتقدّمة : «أتم ، وليس بواجب إلاّ أنّي اُحبّ لك ما اُحبّ لنفسي» (2) .
ونحوها صحيحة علي بن مهزيار قال : «كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام): إنّ الرواية قد اختلفت عن آبائك في الإتمام والتقصير للصلاة في الحرمين فمنها أن يؤمر بتتميم الصلاة ، ومنها أن يؤمر بقصر الصلاة ، بأن يتم الصلاة ولو صلاة واحدة ، ومنها أن يقصّر ما لم ينو عشرة أيام ، ولم أزل على الإتمام فيها إلى أن صدرنا في حجّنا في عامنا هذا ، فانّ فقهاء أصحابنا أشاروا إليّ بالتقصير
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 524 / أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 2 .
(2) الوسائل 8 : 529 / أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 19 .
ــ[400]ــ
إذا كنت لا أنوي مقام عشرة أيام ، فصرت إلى التقصير ، وقد ضقت بذلك حتّى أعرف رأيك ، فكتب إليّ (عليه السلام) بخطِّه : قد علمت يرحمك الله فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما ، فانا اُحبّ لك إذا دخلتهما أن لا تقصّر ، وتكثر فيهما من الصلاة ، فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهة : إنّي كتبت إليك بكذا وأجبتني بكذا ، فقال : نعم ، فقلت : أيّ شيء تعني بالحرمين ؟ فقال : مكّة والمدينة» (1).
قوله : «ومنها أن يؤمر بقصر الصلاة ... » إلخ ، الظاهر أنّ النسخة مغلوطة والصحيح : أن يؤمر باتمام الصلاة ولو صلاة واحدة (2) .
فيريد ابن مهزيار أنّ الروايات الواردة عنهم (عليهم السلام) على ثلاثة أقسام: الأمر بالتمام ، والأمر بالتمام ولو صلاة واحدة ، والأمر بالقصر . وكيف ما كان ، فهي كالصريح في استحباب التمام ، فلا منافاة بينها وبين نصوص التخيير بوجه .
إنّما الكلام في الجمع بينها ـ أي نصوص التخيير ـ وبين الطائفة الثالثة، أعني الروايات الدالّة على القصر ، وهي عدّة من الأخبار .
فمنها : صحيحة أبي ولاّد المتقدّمة، وقد عرفت حملها على ما لا ينافي التخيير فان تمّ ـ كما هو الحقّ ـ وإلاّ فحالها حال سائر ما دلّ على القصر .
ومنها : صحيحة معاوية بن عمار قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل قدم مكّة فأقام على إحرامه ، قال : فليقصّر الصلاة ما دام محرماً» (3) . وقد حملها الشيخ على الجواز (4) ، وهو بعيد كما لا يخفى .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 525 / أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 4 .
(2) [ الموجود في التهذيب 5 : 428 / 1487 ، والاستبصار 2 : 333 / 1183 هكذا : «فمنها أن يأمر بتتميم الصلاة ولو صلاة واحدة ، ومنها أن يأمر بقصر الصلاة ما لم ينو مقام عشرة أيام ... » ] .
(3) الوسائل 8 : 525 / أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 3 .
(4) التهذيب 5 : 474 ذيل ح 1668 .
ــ[401]ــ
والظاهر لزوم ردّ علمها إلى أهله، لأنّ التفصيل في الإتمام والتقصير بين الإحرام والإحلال ممّا لم يقل به أحد، ولعلّ الأمر بالقصر ما دام محرماً لما فيه من نوع مشابهة للعامّة القائلين بالقصر مطلقاً(1)، فيكون محمولاً على التقيّة . وكيف ما كان ، فلا يمكن أن يعارض بها سائر الأخبار بعد القطع بعدم الفرق في التمام والقصر بين الإحرام وغيره .
ومنها : صحيحة ابن بزيع قال : «سألت الرضا (عليه السلام) عن الصلاة بمكّة والمدينة تقصير أو تمام ؟ فقال : قصّر ما لم تعزم على مقام عشرة أيام» (2) وهي صريحة في الأمر بالقصر من دون قصد الإقامة . وقد رواها الصدوق في الفقيه (3) والعيون (4) ، ولعلّه استند إليها في الحكم بالتقصير .
وهذه الصحيحة وما يلحق بها هي العمدة في المقام ، فتكون معارضة لنصوص التخيير . ويستفاد من جملة من الأخبار (5) كما تقدّم بعضها أنّ جماعة من كبار الأصحاب مثل محمد بن أبي عمير وصفوان كانوا يقصّرون ، ولذا أشاروا إلى ابن مهزيار بالتقصير ، وهو أيضاً معارض لنصوص التخيير ، هذا .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 471 ، حلية العلماء 2 : 224 .
(2) الوسائل 8 : 533 / أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 32 .
(3) الفقيه 1 : 283 / 1285 .
(4) عيون أخبار الرضا 2 : 18 / 44 .
(5) منها ما في الوسائل 8 : 535 / أبواب صلاة المسافر ب 26 ح 2 .
|