ــ[410]ــ
أمّا الكوفة : فالروايات الواردة فيها مختلفة :
فمنها: ما تضمّن التعبير بحرم أمير المؤمنين(عليه السلام) وهي صحيحة حماد بن عيسى المتقدّمة(1).
ولكنّها مجملة لم يعلم المراد من الحرم ، وأ نّه مطلق البلد أم خصوص المسجد وإن كان قد يستشعر الأوّل بمقتضى مناسبة الحكم والموضوع ، حيث إنّ مكّة والمدينة المذكورين في الصحيحة بتمامهما حرم الله ورسوله كما عرفت ، والمناسب لذلك أن يكون حرم أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضاً كذلك .
ولكنّه مجرّد إشـعار ، وهو غير الدلالة . ومن المعـلوم أنّ المخصّص إذا كان مجملاً دائراً بين الأقلّ والأكثر لا بدّ فيه من الاقتصار على المقدار المتيقّن ، وهو في المقام خصوص المسجد ، فيرجع فيما عداه إلى عمومات القصر .
ومنها : ما علّق الحكم فيه على نفس البلد أعني الكوفة ، وهي رواية زياد القندي قال «قال أبو الحسن (عليه السلام) : يا زياد اُحبّ لك ما اُحبّ لنفسي وأكره لك ما أكره لنفسي ، أتمّ الصلاة في الحرمين ، وبالكوفة ، وعند قبر الحسين (عليه السلام) » (2) .
رواها الشيخ (قدس سره) بسندين (3) ، كلاهما ضعيف ، ولا أقلّ من جهة وقوع جعفر بن محمد بن مالك فيهما ، فقد قيل إنّه كذّاب ، بل اجتمعت فيه عيوب الضعاف ، ولذا تعجّب النجاشي قائلاً : لا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيه الثقة أبو علي بن همام وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب الزراري (4) . وأمّا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 524 / أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 1 ، وقد تقدّمت في ص 398 .
(2) الوسائل 8 : 527 / أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 13 .
(3) التهذيب 5 : 430 / 1495 ، 1499 .
(4) رجال النجاشي : 122 / 313 ، معجم رجال الحديث 5 : 87 / 2288 .
ــ[411]ــ
محمد بن حمدان فهو وإن كان مجهولاً لكنّه مذكور في أسناد كامل الزيارات ،
ثمّ إنّ الشيخ روى ثانيهما باسناده عن محمد بن أحمد بن داود ، والظاهر أ نّه هو القمي الثقة ، إلاّ أنّ في الوسائل : محمد بن أحمد بن داود القندي ، ولا شكّ أ نّه غلط ، وليست في التهذيب ولا في الاستبصار (1) كلمة ( القندي ) .
ومنها : ما علّق الحكم فيه على المسجد ، وهي عدّة روايات كلّها ضعاف وهي الروايات الثلاث المتقدّمة(2) في الحرمين أعني رواية عبدالحميد ، وحذيفة وأبي بصير ، أضف إليها رواية رابعة وهي مرسـلة الصدوق (3) وخامسة وهي مرسلة حماد بن عيسى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن : بمكّة ، والمدينة ، ومسجد الكوفة، والحائر»(4).
هذه مجموع الروايات الواردة في الباب ، وقد عرفت أنّ كلّها ضعاف ما عدا الصحيحة التي ذكرناها أوّلاً المشتملة على التعبير بالحرم . غير أ نّه من جهة الإجمال لا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقّن ، وهو المسجد كما مرّ . إذن يشكل إسراء الحكم لمطلق البلد .
ومع ذلك كلّه لا يبعد إلحاق الكوفة بالحرمين في ثبوت التخيير لمطلق البلد كما ذكره في المتن، وذلك لصحيحتين تضمّنتا أنّ حرم أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الكوفة ، فتكونان مفسّرتين للصحيحة المتقدّمة ورافعتين لإجمالها :
إحداهما : صحيحة حسّان بن مهران أخي صفوان، الذي وثّقه النجاشي صريحاً
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) [ لم نعثر على هذا السند في الاستبصار ] .
(2) في ص 407 ـ 409 .
(3) الوسائل 8 : 531 / أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 26 ، الفقيه 1 : 283 / 1284 .
(4) الوسائل 8 : 532 / أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 29 .
ــ[412]ــ
بل قال : هو أوجه من أخيه (1) . والسند إلى حسّان أيضاً صحيح ، قال : «سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : مكّة حرم الله والمدينة حرم رسول الله ، والكوفة حرمي ، لا يريدها جبّار بحادثة إلاّ قصمه الله» (2) .
ومن المعلوم جدّاً أ نّها وردت في مقام الشرح والتفسير ، يعني كما أنّ حرم الله مكّة ، وحرم رسوله المدينة فكذلك حرمي الكوفة . وعليه فاذا كان حكم ثابتاً لحرمه (عليه السلام) وهو جواز الإتمام بمقتضى الصحيحة المتقدّمة فهو ثابت للكوفة ، لأ نّها حرمه (عليه السلام) بمقتضى هذه الصحيحة .
ثانيتهما : صحيحة خالد القلانسي المروية بطريق الكليني ومزار ابن قولويه ـ وكلاهما صحيح، مع اختلاف في الجملة في متنهما ـ عن الصادق (عليه السلام) قال : «مكّة حرم الله وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب (عليه السلام) ... ـ إلى أن قال : ـ والكوفة حرم الله وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب» إلخ(3) .
وهي صحيحة السند كما عرفت وإن رميت بالضعف ، فانّ طريقي الصدوق(4) والشيخ(5) وإن اشتملا على نضر بن شعيب ولم يوثّق، إلاّ أنّ طريق الكليني ومزار ابن قولويه خال عن ذلك ، نعم فيهما محمد بن الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه عن جدّه، ولم يوثّق لا هو ولا أبوه، ولكنّهما موجودان في أسناد كامل الزيارات.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال النجاشي : 147 / 381 .
(2) الوسائل 14 : 360 / أبواب المزار ب 16 ح 1 .
(3) الوسائل 5 : 256 / أبواب أحكام المساجد ب 44 ح 13 ، الكافي 4 : 586 / 1 ، كامل الزيارات : 29 / 8 .
(4) الفقيه 4 (المشيخة) : 35 .
(5) الفهرست : 66 / 256 [ ولكن الشيخ رواها في التهذيب 6 : 31 / 58 بسند آخر غير مشتمل على النضر بن شعيب ، بل نفس سند المزار ] .
|