ــ[413]ــ
وأمّا الطعن في السند بجهالة (خلاّد) على ما هو الموجود في الكافي بمختلف طبعاته ، ففيه أ نّه لاينبغي التأمّل في كونه محرّف (خالد) كما في الوسائل والتهذيب والكامل ، إذ لم تثبت للأوّل ولا رواية واحدة . ودعوى تردّده ـ أي خالد ـ بين ابن ماد الثقة وابن زياد المجهول ، يردّها الانصراف إلى الأوّل الذي هو أعرف وأشهر كما لا يخفى .
وعلى الجملة : فالرواية من حيث السند تامّة، كما أ نّها ظاهرة الدلالة، لكونها في مقام الشرح والتفسير كما مرّ ، لا مجرّد التطبيق كما قيل .
وعليه فلا يبعد أن يقال : إنّ التخيير ثابت في تمام الكوفة ، لأ نّه ثابت للحرم وحرم أمير المؤمنين هو الكوفة بتمامها بمقتضى هاتين الصحيحتين .
وأمّا النجف الأشرف فهو ظهر الكوفة وليس منها، وإن احتمل بعض الفقهاء شمول الحكم لحرم أمير المؤمنين (عليه السلام) .
وأمّا حرم الحسين (عليه السلام): فالروايات الواردة فيه على طوائف وعناوين ثلاثة :
أحدها : ما تضمّن عنوان حرم الحسين (عليه السلام) كصحيحة حمّاد بن عيسى المتقدّمة (1) ، ونحوها غيرها . ولكنّ السند غير نقي ، كروايات عبدالحميد وحذيفة، وأبي بصير المتقدّمات(2) ، وقد عرفت أ نّها بين ضعيف ومرسل، والعمدة ما عرفت .
ثانيها : ما كان بعنوان عند قبر الحسين (عليه السلام) وهي كلّها ضعيفة .
منها : رواية أبي شبل قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أزور الحسين
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 524 / أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 1 ، وقد تقدّمت في ص 398 .
(2) في ص 407 ـ 409 .
ــ[414]ــ
(عليه السلام) قال : نعم ، زر الطيب وأتمّ الصلاة عنده ، قلت : بعض أصحابنا يرى التقصير ، قال : إنّما يفعل ذلك الضعفة» (1) .
والمراد إمّا ضعف الإيمان أو ضعف البدن عن الإتيان بالتمام كالعجزة والشيبة . وكيف ما كان ، فهي ضعيفة السند بسهل بن زياد .
ومنها : روايتا زياد القندي وإبراهيم بن أبي البلاد (2) ، وقد مرّ ضعفهما .
ومنها : رواية عمرو بن مرزوق قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصلاة في الحرمين وعند قبر الحسين ، قال : أتمّ الصلاة فيهنّ» (3) .
وهذه الرواية وإن كان بعض رواتها مجهولاً إلاّ أ نّه مذكور في كامل الزيارات فيمكن القول بصحّتها. إلاّ أ نّها لاتدلّ على الاختصاص، لوقوع التقييد بـ «وعند قبر الحسين» في كلام السائل ، فكأنّ السؤال عن خصوص ذلك . فلا تدلّ على عدم شمول الحكم لتمام البلد ، لعدم كونها متعرّضة لذلك كما هو ظاهر .
ثالثها : ما ورد بعنوان الحائر، وهو روايتان، كلتاهما ضعيفة بالإرسال إحداهما مرسلة الصدوق والاُخرى مرسلة حماد بن عيسى المتقدّمتان (4) .
فاتّضح أنّ الرواية المعتبرة منحصرة في عنوان حرم الحسين (عليه السلام) وحيث إنّ لفظ الحرم ليس له وضع شرعي ولا متشرّعي ، بل هو مأخوذ من الحريم بمعنى الاحترام ، فالمراد به في المقام يتردّد بين اُمور :
أحدها : أن يراد به كربلاء بتمامها ، كما كان كذلك في حرم الله وحرم رسوله
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 527 / أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 12 .
(2) المتقدِّمتين في ص 410 ، 409 .
(3) الوسائل 8 : 532 / أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 30 .
(4) في ص 411 [ لم يتقدّم متن مرسلة الصدوق ، إلاّ أ نّه قريب جداً من متن الثانية ] .
ــ[415]ــ
وحرم أمير المؤمنين (عليه السلام) على ما عرفت ، فانّ قدسية الحسين العظيمة وشرافته تقتضي ذلك كما لا يخفى .
ثانيها : أن يكون أخص من ذلك ، وهو الصحن الشريف وما يحتوي عليه كما ذهب إليه جماعة ، منهم العلاّمة المجلسي (قدس سره) (1) باعتبار أنّ من يرد الصحن الشريف حتّى من أهالي كربلاء يرى أنّ لهذا المكان المقدّس احتراماً خاصاً لا يشـاركه خارج الصحن ، ولأجله لا يرتكب بعض الأفعال التي لا تناسب المقام من ضحك كثير أو لعب ونحو ذلك .
ثالثها : أن يكون أضيق من ذلك أيضاً ، بأن يراد به الرواق وما حواه من الحرم الشريف ، فانّ الاحترام هناك آكد ومناط التجليل أزيد ، ولذا لا يرتكب فيه ما قد يرتكب في الصحن الشريف .
رابعها : أن يراد به الأضيق من الكلّ ، وهو ما دار عليه سور الحرم ، والمعبّر عنه باسم الحرم في عصرنا الحاضر ، فانّ هذا المكان الشريف هو الفرد البارز وأظهر المصاديق ممّا يطلق عليه لفظ الحرم . فهو القدر المتيقّن ممّا يراد من هذا اللفظ عند الإطلاق .
فإذا دار الأمر بين هذه المحتملات فمقتضى الصناعة الاقتصار على المقدار المتيقّن لدى تردّد المخصّص المجمل بين الأقلّ والأكثر ، وهو المعنى الأخير والرجوع فيما عداه إلى عمومات القصر التي هي المرجع ما لم يثبت التخصيص بدليل قاطع .
وأمّا احتمال الاختصاص بما حول الضريح المقدس ملاصقاً معه أو في حكم الملاصق تحت القبة السـامية فهذا لا دليل عليه بعد كون المتيـقّن من الحرم أوسع من ذلك حسبما عرفت .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البحار 86 : 89 [ وفيه : انّه مجموع الصحن القديم لا ما تجدّد منه في الدولة الصفوية ].
|