ــ[1]ــ
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمـين وصلّى الله على سـيِّدنا ونبيِّنا محمّد وآله الطيِّبين الطّاهرين ، واللّعن الدائم على أعدائهم أجمعين .
وبعد ، فيقول العبد الأثيم المفتقر إلى عفو ربّه الكريم مرتضى بن علي محمّد ابن إبراهيم البروجردي النجفي عامله الله بلطفه الخفي : هذا ما تيسر لي ضبطه من مباحث الصوم شرحاً على العروة الوثقى للسيّد الطباطبائي اليزدي (طاب ثراه) ، وهي نتيجة ما تلقّيته من الأبحـاث القيِّمة والدروس الراقية التي ألقاها سماحة سيّدنا الأستاذ العلاّمة ، علم العلم وبدر سمائه ، قبلة المشتغلين وخاتمة المجتهدين ، المحقّق المدقّق ، زعيم الحوزة العلميّة ، ومرجع الاُمّة ، الذي ألقت إليه الرئاسة الدينيّة أزمّتها ، آية الله العظمى حضرة المولى الحاج السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي متّع الله المسلمين بطول بقائه الشريف .
وقد بذلتُ أقصى وسعي في الاحتفاظ برموز الدرس ودقائقه، وكلّ ما أفاده في مجلس البحث وخارجه ، تذكرةً لنفسي وتبصرةً لغيري .
وأسأله تعالى أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم ، وأن ينفعني به وإخواني من روّاد العلم والفضيلة ، وأن ينظروا إليه بعين الرضا والقبول ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
ــ[2]ــ
كتاب الصّوم
ــ[3]ــ
بسم الله الرّحمن الرّحيم
كتاب الصوم
وهو الإمساك عمّا يأتي من المفطرات بقصد القربة (1) .
وينقسم إلى : الواجب والمندوب والحرام والمكروه بمعنى : قلّة الثواب .
والواجب منه ثمانية : صوم شهر رمضان، وصوم القضاء ، وصوم الكفّارة على كثرتها ، وصـوم بدل الهدي في الحجّ ، وصوم النذر والعهد واليمـين ، وصوم الإجارة ونحوها كالشروط في ضمن العقد، وصوم الثالث من أيام الاعتكاف ، وصوم الولد الأكبر عن أحد أبويه ((1)) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لاريب في وجوب الصوم في الشريعة المقدّسة كتاباً وسنّةً، بل وضرورة ، بل قد عُدَّ في بعض الأخبار من مباني الإسلام(2) .
كما لا ريب في أنّ المطلوب فيه هو الاجتناب عن أُمور معينّة يأتي تفصيلها قد اُشير إلى بعضها في قوله تعالى : (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى ) إلخ(3) ، فالمطلوب هنا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) على تفصيل يأتي في محلّه [ في المسألة 2540 ] .
(2) الوسائل 1 : 13 / أبواب مقدّمة العبادات ب 1 .
(3) البقرة 2 : 187 .
ــ[4]ــ
ووجوبه في شهر رمضان من ضروريّات الدين (1) ، ومنكره مرتدٌّ يجب قتله .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمرٌ عدمي وهو الترك ، كما هو الحال في تروك الإحرام ، ومع وضوح ذلك فلا يهمّنا تحقـيق مفهوم الصوم اللغوي أو الشرعي وأ نّه الكفّ أو الإمساك أو التوطين ونحو ذلك ممّا قيل ، فإنّ البحث عنه قليل الجدوى ، وإنّما المهمّ بيان تلك المفطرات التي يجب الاجتناب عنها ، وستعرف الحال فيها إن شاء الله تعالى .
نعم ، ينبغي التعرّض لبيان الفرق بين العبادات الوجوديّة والعدميّة فيما هو متعلّق القصد والإرادة ، حيث إنّهما يمتازان عن الآخر في كيفية النيّة .
فإنّ الواجب إذا كان فعلا من الأفعال لا بدّ في تحقّق الامتثال من تعلّق القصد وصدوره عن إرادة واختيار ، وهذا بخلاف الترك ، فإنّه يكفي فيه مجرّد عدم الارتكاب وإن لم يستند إلى الاختيار لنوم أو غفلة ، أو كان ذلك من جهة العجز وعدم القدرة لحبس أو مرض ، كمن به داء لا يتمكّن معه من الجماع من عنن ونحوه ، أو كان طعامٌ لا يمكن الوصول إليه عادةً كالمختصّ بالملك ، أو ما هو في أقصى البلاد ، أو كان ممّا لا يقبله الطبع ويشمئز منه ولو كان مباحاً ، ففي جميع ذلك يكفي في تحقّق النيّة مجرّد العزم على الترك على تقدير تماميّة مقدّمات الفعل وتحقّق مبادئ وجوده من القدرة والالتفات والرغبة ، فيعزم على أ نّه لو تمّ ذلك كلّه لأمسك عن الفعل على سبيل القضيّة الشرطيّة ، إذ لو اعتبر فيها كون جميع التروك مستنداً إلى القصد الفعلي ـ كما في العبادات الوجوديّة ـ لزم بطلان الصوم في الموارد المزبورة ، مع أنّ صحّتها كادت تكون ضروريّة .
(1) كما نـصّ عليه جمعٌ من الأصحاب . وعليه ، فمنكره منكرٌ للضروريّ فيجري عليه حكمه .
|