ــ[54]ــ
وأمّا في المندوب (1) ، فيمتد إلى أن يبقى من الغروب زمان يمكن تجديدها فيه على الأقوى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وربّما تعارَض أيضاً بمرسلة البزنطي المصرّحة بجواز التجديد عصراً (1) ، وهي وإن كانت واضحة الدلالة ـ ولا يُعبأ بما نقله صاحب الوسائل عن بعضهم من الحمل على من نوى صوماً مطلقاً فصرفه إلى القضاء عند العصر ، لبعده جدّاً كما لا يخفى ـ إلاّ أنّ ضعفها من جهة الارسال يمنع عن صلاحيّة الاستدلال .
وما يقال من عدم الضير فيه بعد أن كان المرسِل هو البزنطي الذي لا يروي ولا يرسل هو وأضرابه إلاّ عن الثقة ، كما ذكر الشيخ في العدّة (2) .
مدفوعٌ بما تقدم مراراً من أنّ هذه الدعوى وإن صدرت عن الشيخ إلاّ أ نّه لا أساس لها من الصحة ، كيف ؟! وقد عدل هو (قدس سره) عنها في كتاب التهذيب(3) ، فكأن ذاك اجتهادٌ منه (قدس سره) في وقته ، فلا يمكن الركون إليه بعد عرائه عن الدليل .
فتحصّل : أنّ ما ذكره المشهور من التفصيل بين الزوال وما بعده هو الصحيح، استناداً إلى صحيحة هشام السليمة عمّا يصلح للمعارضة حسبما عرفت .
(1) المسألة الرابعة : في صوم التطوّع ، وقد ذكر غير واحد من الفقهاء : أنّ وقت النيّة يمتدّ فيه إلى أن يبقى إلى الغروب زمانٌ يمكن تجديدها فيه .
ولكن نُسِب إلى جماعة ـ بل نُسِب إلى المشهور ـ : أنّ حال المندوب حال
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 12 / أبواب وجوب الصوم ب 2 ح 9 .
(2) العدّة 1 : 154 .
(3) لاحظ المختلف 3 : 239 .
ــ[55]ــ
الفريضة من التحديد إلى الزوال ، غايته أ نّه يثاب بمقدار إمساكه .
ويدلّ على القول الأوّل صحيحة هشام بن سالم المتقدّمة(1) الحاكية لفعل أمير المؤمنين (عليه السلام) من أ نّه كان يدخل إلى أهله فإن وجد شيئاً وإلاّ صام ، حيث عرفت أنّ التعبير بـ : «كان» ظاهرٌ في الاستمرار ، ولا شكّ أنّ الإتيان إلى البيت غالباً إنّما هو بعد الزوال لأجل تناول الغذاء ، فتدلّ على جواز تجديد النيّة بعد الزوال .
ويدلّ عليه أيضاً صريحاً موثّقة أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصائم المتطوّع تعرض له الحاجة «قال : هو بالخيار ما بينه وبين العصر ، وإن مكث حتّى العصر ثمّ بدا له أن يصوم وإن لم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء»(2) .
فهذه الموثّقـة صريحة الدلالة على امـتداد الوقت إلى الغـروب ، كما كانت الصحيحة المتقدّمة ظاهرة فيها .
إلاّ أنّهما معارضتان بروايتين دلّتا على اختصاص الوقت بما قبل الزوال، ولعلّ المشهور اعتمدوا عليهما .
إحداهما : ما رواه الشيخ بإسناده عن ابن بكير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سُئل عن رجل طلعت عليه الشمس وهو جنب ، ثمّ أراد الصيام بعدما اغتسل ومضى ما مضى من النهار «قال : يصوم إن شاء ، وهو بالخـيار نصف النهار»(3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 12 / أبواب وجوب الصوم ب 2 ح 7 .
(2) الوسائل 10 : 14 / أبواب وجوب الصوم ب 3 ح 1 .
(3) الوسائل 10 : 68 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 20 ح 3 ، التهذيب 4 : 322 / 989 .
ــ[56]ــ
دلّت بمفهـوم الغايـة ـ الذي هو أوضح المفاهيم ـ على ارتفاع الحكم بعد الزوال ، ولكنّها ضعيفة السند بأبي عبد الله الرازي الجاموراني ، الذي ضعّفه ابن الوليد(1) والشيخ الصدوق(2) وغيرهما ، واستثنوا من روايات يونس ما يرويه عنه ، فهي غير قابلة للاستناد .
ثانيهما : موثّقة ابن بكير : عن الرجل يجنب ثمّ ينام حتّى يصبح ، أيصوم ذلك اليوم تطوّعاً ؟ «فقال : أليس هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار ؟!»(3) .
وهذه الرواية المعتبرة لم يتعرّض لها الهمـداني ولا غيره ، بل اقتصروا على الرواية الاُولى الضعيفة مع أنّها أولى بالتعرّض .
وكيفما كان ، فقد دلّت على المفروغيّة عن التحديد بنصف النهار بحيث كأنّه من المسلّمات ، فتكون معارَضة بالمعتبرتين الدالّتين على امتداد الوقت العصر .
والذي ينبغي أن يقال : إنّ هذه الموثّقة غايتها الظهور في عدم الجواز ، إذ الإمام (عليه السلام) بنفسه لم يذكر أمد الخيار ابتداءً ، بل أوكله إلى ما يعلمه السائل وجعله مفروغاً عنه بقوله (عليه السلام) : «أليس» الخ ، فهي ظاهرة في تحديد النيّة للصوم بجميع مراتبه بنصف النهار ولا تزيد على الظهور في التحديد المزبور .
ولكن موثقّة أبي بصير صريحة في جواز التجديد بعد العصر ، فطبعاً ترفع اليد عن ظهور تلك الرواية ، وتحمل على ارادة تحديد نية الصوم بمرتبته العليا .
ومحصّل المراد : أنّ تجديد النيّة بعد الزوال لايبلغ في الفضل مرتبته قبل الزوال، فإنّ الثاني بمنزلة النيّة من الفجر ويُحتسَب له تمام اليوم ، بخلاف الأول ، فإنّه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (2) لاحظ رجال النجاشي : 348 / 939 ، الفهرست : 144 / 622 .
(3) الوسائل 10 : 68 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 20 ح 2 .
|