ــ[74]ــ
[ 2376 ] مسألة 17 : صوم يوم الشك يُتصوّر على وجوه (1) :
الأوّل : أن يصوم على أ نّه من شعبان ، وهذا لا إشكال فيه ، سواء نواه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيجوز ، ومن رمضان فلا يجوز ، فهي عديدة عمدتها موثّقة سماعة ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل صام يوماً ولا يدري أمن شهر رمضان هو أو من غيره ؟ ـ إلى أن قال (عليه السلام) ـ : «إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان ، ولا يصومه من شهر رمضان»(1) .
وهي ـ كما ترى ـ واضحة الدلالة على أنّ متعلّق الأمر شيء ومتعلّق النهي شي آخر ، وبما أنّها جامعة بين الأمرين ، فبها يجمع بين الطائفتين المتخاصمتين ويرتفع التعارض من البين .
هذا ، ولو فرضنا عدم وجود شيء من هذه الروايات لحكمنا أيضاً بالبطلان لو صام يوم الشكّ بعنوان رمضان وإن صادفه ، لأنّه مع الالتفات تشريع محرّم ، نظراً إلى أنّ مقتضى الاسـتصحاب عدم حدوث رمضان ، فكيف يصوم بهذا العنوان ؟!
نعم ، لا يثبت به البطلان في فرض الغفلة، أو اعتقاد جواز الصوم بهذا العنوان ، لعدم التشريع حينئذ ، وأمّا مع الالتفات فباطل ولا حاجة إلى النصّ .
(1) ذكر (قدس سره) أنّ فيه وجوهاً أربعة ـ تقدّم الكلام حول الوجهين الأولين الذين يجمعهما الجزم بالعنوان من شعبان أو رمضان مسقصى(2) ، فلا نعيد .
وأمّا الوجهان الآخران المشتملان على نوع من الترديد، فقد فصّل (قدس سره)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 21 / أبواب وجوب الصوم ب 5 ح 4 .
(2) في ص 65 ـ 73 .
ــ[75]ــ
ندباً ، أو بنيّة ما عليه من القضاء أو النذر أو نحو ذلك . ولو انكشف بعد ذلك أ نّه كان من رمضان أجزأ عنه وحسب كذلك .
الثاني : أن يصومه بنيّة أ نّه من رمضان ، والأقوى بطلانه وإن صادف الواقع .
الثالث : أن يصومه على أ نّه إن كان من شعبان كان ندباً أو قضاءً ـ مثلا ـ وإن كان من رمضان كان واجباً ، والأقوى بطلانه أيضاً .
الرابع : أن يصومه بنيّة القربة المطلقة بقصد ما في الذمة ، وكان في ذهنه أ نّه إمّا من رمضان أو غيره ، بأن يكون الترديد في المنوي لا في نيّته ، فالأقوى صحّته وإن كان الأحوط خلافه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بينهما من حيث الصحّة والفساد ، فذكر (قدس سره) : أ نّه إن صام على أ نّه إن كان من رمضان كان واجباً ، وإن كان من شعبان كان ندباً أو قضاءً ، بطل ، لكونه من الترديد في النيّة .
وأمّا إن قصد صوم هذا اليوم بقصد ما في الذمّة ـ أي بقصد الأمر الفعلي المتوجّه إليه على ما هو عليه ، إذ الصوم في هذا اليوم مأمور به جزماً ، لعدم كونه من الأيام المحرّمة كيوم العيد ونحوه ، وإن لم يعلم خصوصيّة ذلك الأمر من الوجوب أو الندب ، فيقصد الأمر الفعلي بقصد القربة المطلقة ـ فقد حكم (قدس سره) بالصحّة حينئذ ، لكونه من الترديد في المنوي ، لا في النيّة ، كما في الصورة السابقة .
أقول : يقع الكلام أوّلا في بيان الفرق بين الصورتين وصحّة التفكيك بينهما موضوعاً ، واُخرى في صحّة التفصيل حكماً ، فهنا جهتان :
ــ[76]ــ
أمّا الجهة الاُولى : فمبنى الصورة الاُولى على الامتثال الاحتمالي ، بمعنى أنّ الباعث له على الصـيام إنّما هو احتمال رمضان ، وأمّا الطرف الآخر ـ أعني : الصوم الندبي من شعبان ـ فلا يهتمّ به ، بل قد يعلم ببطلانه ، لعدم كونه مأموراً به في حقّه ، كما لو كان عبداً أو زوجة أو ولداً قد منعه المولى أو الزوج أو الوالد عن الصوم الندبي ، بناءً على الافتقار إلى الإذن منهم ، فيصوم يوم الشكّ برجاء أ نّه من رمضان لا على سبيل البتّ والجزم ليكون من التشريع ، فيتعلّق القصد بعنوان رمضـان ، لكن لا بنيّة جزميّة ، بل ترديديّة احتماليّـة وأ نّه إن كان من رمضان فهو ، وإلاّ فليكن تطوّعاً أو قضاءً ـ مثلا ـ أو لا هذا ولا ذاك ، بل باطلا كما في صورة الحاجـة إلى الإذن على ما سمعت ، فلا يدعـوه إلى الصيام إلاّ مجرّد احتمال رمضان .
وأمّا الصورة الثانية : فليس فيها رجـاءٌ أبداً ، بل هو قاصد للأمر الفعلي الجزمي الجامع بين الوجوب والاستحباب ، للقطع بتعلّق الأمر بالصوم في هذا اليوم ، غاية الأمر أنّ الخصوصيّة مجهولة ، وصفة المنوي مردّدة بين الوجوب والاستحباب ، لتردّدها بين رمضان وشعبان ، فتلغى تلك الخصوصية في مقام تعلّق القصد ، ولم يقصد رمضان لا جزماً ولا احتمالا ، بل يقصد طبيعي الصوم بداعي طبيعي الأمر ، وهذا هو الذي سـمّاه بالترديد في المنوي دون النيّة عكس الصورة السابقة .
وأمّا الجهة الثانية : فالظاهر صحّة ما ذكره (قدس سره) من التفصيل بين الصورتين : بالبطلان في الاُولى ، والصحّة في الثانية .
أمّا الأول : فلأنّ الامتثال الاحـتمالي والعبادة الرجائيّة وإن كانت محكومة بالصحّة ـ كما في سائر موارد الرجاء والاحتياط ـ إلاّ أنّها محكومة بالفساد في خصوص المقام ، نظراً إلى أنّ المسـتفاد من اطلاق الروايات الواردة في المقام
ــ[77]ــ
بطلان الصوم في يوم الشكّ بعنوان رمضان ولو كان ذلك على سبيل الاحتمال والرجاء ، بل لا يبعد أن يقال : إنّ الروايات ناظرة إلى نفس هذه الصورة ، إذ من البعيد الاهتمام فيها بأمر إمّا لا يقع خارجاً ، أو نادر الوقوع جدّاً ، وهو الصوم في يوم الشكّ بعنوان رمضان بنيّة جزميّة تشريعيّة ، أفهل يظنّ صدور ذلك من رواة هذه الأحاديث ، نظراء محمّد بن مسلم ، وهشام بن سالم ، وأضرابهم من الأكابر ، كي يهتمّ ذلك الاهتمام البليغ بردعهم ومنعهم ؟! فمن القريب جداً أنّ النهي في هذه النصوص ناظر إلى ما هو المتعارف الخارجي ، ولا سيّما عند العوام من الصيام في نحو هذه الاّيام بعنوان الاحتياط والرجاء كي لا يفوتهم الصوم من رمضان .
وبالجملة : فالروايات إمّا مختصّة بالرجاء ، أو أنّها مطلقة من هذه الجهة . وعلى التقديرين فتدلّ على البطلان في هذه الصورة .
وأمّا الثاني : فلأنّ الصيام في الصورة الثانية غير مشمول للنصوص الناهية ، لأنّها إنّما نهت عن صوم تعلّق بعنوان رمضان إمّا جزماً، أو ولو احتمالا حسبما عرفت ، وهذا لم يقصده حسب الفرض ، وإنّما قصد الطبيعي ، وقد ذكرنا سابقاً أنّ المأمور به في شهر رمضان هو طبيعي الصوم ولم يؤخذ فيه إلاّ خصوصيّة عدميّة(1) ، وهي عدم قصد عنوان آخر ، وهي حاصلة في المقام ، لفرض عدم تعلّق القصد بعنوان آخر مناف لرمضان .
وعليه ، فلو انكشف بعدئذ أنّ اليوم من رمضان فقد أجزأ ، لأنّه قد أتى بمتعلّق الأمر على ماهو عليه ، فلا يدخل هذا الفرض في الأخبار الناهية بوجه .
فإن قلت : إنّ تلك الأخبار ـ التي منها موثّقة سماعة ـ كما تضمّنت النهي عن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 21 .
ــ[78]ــ
الصوم بعنوان رمضان كذلك تضمّنت الأمر به بعنوان شعبان ، الظاهر في حصر الصحّة في هذا العنوان ، وهو غير منوي حسب الفرض ، فلا مناص من الحكم بالبطلان ، نظراً إلى خروج هذا الفرض عن العقد الإيجابي وإن لم يكن داخلا في العقد السلبي كما ذكر .
قلت : لا ينبغي التأمل في أنّ الحصر المزبور إضافي ، والمقصود نفي الصوم بعنوان رمضان، لا حصر الصوم المشروع بعنوان شعبان، فالحصر إنّما هو بلحاظ ما هو المتعارف الخارجي من الصوم في مثل هذا اليوم ، إمّا بعنوان رمضان أو شعبان .
وأمّا الصوم بالعنوان الجامع وبقصد ما في الذمّة ـ الذي هو المبحوث عنه في المقام ـ فليس بمتعارف كما لا يخفى ، فتخصيص شعبان بالذكر يراد به أن لا يكون من رمضان ، لا لخصوصيّة في شعبان نفسه ، فلو فرضنا أنّ شخصاً محبوساً جهل بالشهور وعيّنها بعدد الزوج والفرد ، ثمّ علم إجمالا بمقتضى هذا الحساب أنّ هذا اليوم إمّا أ نّه آخر رجب أو أوّل رمضان، فهو طبعاً يصوم بعنوان رجب ، للقطع بعدم شـعبان ، والمفروض عدم الجواز بعنوان رمضان ، والاستصحاب أيضاً ينفيه ، فلو صام كذلك وصادف من رمضان فهو يوم وُفِّق له ، وتشمله نصـوص الصحّـة بالضرورة ، فيكشف ذلك عمّا ذكرناه من عدم خصـوصيّة لشعبان ، وإنّما يراد النهي عن قصد رمضان ولو رجاءً كما مرّ .
وعليه ، فلو صام بقصد الجامع ملغيّاً عنه كلّ خصوصيّة صحّ ولم يدخل في الأخبار الناهية بوجه حسبما عرفت .
|