الثالث : الجماع وإن لم ينزل للذكر والاُنثى ، قُبُولا أو دُبُراً ، صغيراً كان أو كبيراً ، حيّاً أو ميّتاً ، واطئاً أو موطوءاً ، وكذا لو كان الموطوء بهيمة((1))، بل وكذا لو كانت هي الواطئة (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــ (2) لا إشكال كما لا خلاف بين المسلمين في مفطريّة الجماع في الجملة وإن لم ينزل ، بل لعلّه من الضروريّات ، وقد نطق به الكتاب العزيز ، قال تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ )(2) ، واستفاضت به النصوص ، التي منها الصحيحة المتقدّمة(3) التي رواها المشايخ : «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال» وعدّ منها النساء .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البطلان فيه وفيما بعده مبنى على تحقّق الجنابة بهما ، والاعتبار فى الجميع إنّما هو بتحقّقها .
(2) البقرة 2 : 187 .
(3) في ص 95 .
ــ[112]ــ
ولا شكّ في تحقّقه بوطء المرأة قُبُلا ، بل هو القدر المتيقّن من الأدلّة ، وكذا دُبُراً مع الإنزال ، فإنّه بنفسه سببٌ للإفطار وموجبٌ للبطلان بلا إشكال ، بل وبدون الإنزال أيضاً ، للإطلاقات ، فإنّ الحكم في الروايات مترتّب على عنوان الجماع وإتيان الأهل ، والمذكور في الصحيحة المتقدّمة : النساء ، وكلّ ذلك يعمّ الدبر كالقبل ، فإنّه أحد المأتيّين كما في النصّ . ودعوى الانصراف إلى الثاني بلا موجب .
ويدلّ عليه أيضاً الروايات المتعدّدة التي يستفاد منها أنّ موضوع الحكم هو الجنابة ، وإلاّ فالجماع بما هو لا خصوصيّة له ، ومنها : رواية القمّاط : عمّن أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل فنام حتّى أصبح «قال : لا شيء عليه ، وذلك أنّ جنابته كانت في وقت حلال»(1) .
دلّت على أنّ الاعتبار في البطـلان بوقوع الجنابة في وقت حرام ، فالعـبرة بحصول الجنابة نفسها، وقد تقدّم في بحث الأغسال من كتاب الطهارة : أنّ وطء المرأة دُبُراً ـ وإن لم ينزل ـ موجبٌ للجنابة ، جاز ذلك أم لم يجز(2) ، فيكون ذلك موجباً لبطلان الصوم ـ مع العمد ـ بطبيعة الحال .
إنّما الكلام في الإيلاج في دُبُر الغلام وفرج البهيمة ، فقد تردّد فيه المحقّق وعلّق الحكم بالبطلان على كونه موجباً للجنابة ، حيث ذكر أ نّه يتبع وجوب الغسل(3) . فإن قلنا به بطل الصوم وإلاّ فلا .
وما ذكره (قدس سره) هو الصحيح ، ولقد أجاد فيما أفاد ، لما عرفت آنفاً من دلالة النصوص على دوران البطلان مدار تحقّق الجنابة ، وقد تقدّم في كتاب
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 57 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 1 .
(2) شرح العروة 6 : 260 ـ 262 .
(3) الشرائع 2 : 14 .
ــ[113]ــ
ويتحقّق بإدخال الحشفة أو مقدارها من مقطوعها ، فلا يبطل بأقلّ من ذلك (1) ، بل لو دخل بجملتة ملتوياً ولم يكن بمقدار الحشفة لم يبطل وإن كان لو انتشر كان بمقدارها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطهارة البحث عن ذلك ، وقلنا : إنّه لم يدّل دليل على تحقّقها بالوطء في دبر غير المرأة من غير إنزال ، وعليه فلا يكون موجباً لبطلان الصوم .
بل لعلّ الصحيحة المتقدّمة الحاصرة لما يحتنبه الصائم في ثلاث أو أربع خصال تدلّ على عدم البطلان ، لأنّ المذكور فيها النساء لا مطلق الوطء ، فتدلّ بإطلاقها على عدم البطلان بوطء الذكر بعد أن كان مجتنباً عن النساء .
وكيفما كان ، فالحكم في المقام يتبع ما تقدّم في بحث الأغسال ، فإن قلنا : إنّ وطء الغلام يوجب الغسل بطل الصوم ، وإن لم نقل به ـ كما هو الصحيح ،لعدم الدليل عليه إلاّ بعض الإجماعات التي ادُّعيت في كلمات بعضهم ـ فلا ، إذ ليس هناك شيء آخر ـ ما عدا الجنابة ـ يكون بعنوانه مضرّاً بالصوم .
ومن هنا يظهر الحال في وطء البهيمة من غير إنزال ولا قصد إنزال ، فإنّ الكلام فيه هو الكلام ، فإن قلنا بأنّه موجبٌ للغسل وتتحقق به الجنابة بطل الصيام ، وإلاّ ـ كما هو الصحيح ، لعدم الدليل عليه كما مرّ في محلّه ـ فلا .
وأشكل من هذين مالو كانت البهيمة هي الواطئة ، لعدم قيام أيّ دليل على تحقّق الجنابة بذلك على ما سبق في محلّه ، فلاحظ .
(1) والوجه فيه ما عرفت آنفاً من أ نّه وإن كان المذكور في الروايات هو الجماع أو إتيان النساء أو مجامعة الأهل ونحو ذلك من العناوين ، إلاّ أ نّه يستفاد من روايات عديدة أنّ العبرة في الحقيقة بنفس الجنابة وتحقّق موجب الغسل ،
ــ[114]ــ
فهو الموضوع ، ولا اعتبار بالجماع بما هو جماع ، وقد تقدّم في بحث الأغسال : أنّ محقّق الجنابة إنّما هو دخول الحشفة ، بمقتضى قوله (عليه السلام) : «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل» ، فلا يجب الغسل لا عليه ولا عليها بإيلاج الأقلّ من ذلك ، فلا يبطل صومه ولا صومها (1) .
هذا فيمن كانت له حشفة .
وأمّا في مقطوعها ، فالتعدّي إليه مبنيٌّ على فهم التقدير من الرواية المتقدّمة ، وهو لا يخلو من الإشكال كما تقدّم في بحث الأغسال .
إذن فإطلاقات إتيان الأهل والجماع والإيلاج الصادقة على إيلاج الأقلّ من مقدار الحشفة محكّمـة ، لعدم الدليل على اعتبار التحديد بالمقـدار في مقطوع الحشفة ، فإنّ رواية التقاء الختانين موضوعها فرض وجود الحشفة ، فلا يعمّ عدمها .
ثمّ إنّا استشهدنا فيما مرّ لهذه الدعوى ـ أعني : دلالة النصـوص على كون العبرة بنفس الجناية لا بالجماع بما هو جماع وإن لم يستوجبها ـ بصحيحة ابن أبي نصر عن القمّاط(2) .
وتقريب الاسـتدلال : أنّ الجـنابة المـذكورة في السـؤال إمّا أن يراد بها ما اسـتندت إلى الإنزال أو إلى الجماع ولا ثالث ، ولا يمكن حمل الصحيحة على الأوّل ، لأنّ منشأه :
إمّا الاستمناء ، وهو محرّم مطلقاً ولا يختصّ بوقت دون وقت ، فلا معنى لقوله (عليه السلام) : «إنّ جنابته كانت في وقت حلال» .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح العروة 6 : 253 .
(2) الوسائل 10 : 57 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 1 .
ــ[115]ــ
أو الاحتلام ، وهو محلّل مطلقاً ، فلا يناسبه أيضاً الجواب المزبور .
أو الملاعبة والعبث بالزوجة ، ومن البعيد جدّاً ، إرادتها بالخصوص من الصحيحة كما لا يخفى .
فلا مناص من أن يراد بها الجنابة المسبَّبة عن الجماع أو ما يعمّه والأخير .
وعلى أيّ تقدير ، فالجماع مفروض في مورد الصحيحة لا محالة ، وقد علّل (عليه السلام) نفي البأس في الجواب بقوله : «إنّ جنابته كانت في وقت حلال» الدالّ بمقتضى التعليل على البطـلان فيما لو كانت في وقت حرام وهو النهار ، فجعل الاعتبار بنفس الجنابة وأ نّها توجب البطلان تارةً ولا توجبه اُخرى ، مع أنّ الجنابة المقرونة بالجماع مسبوقة به دائماً ، إذ الدخول تدريجي الحصول ، لامتناع الطفرة، فيدخل مقدار من الحشفة أوّلا ثمّ تمامها، وبذلك تتحقّق الجنابة .
فلو كان الجماع المتحقّق قبل ذلك هو المقتضي للبطلان كان اللازم استناده إليه لا إلى الجنابة المتأخّرة عنه ، إذ الشيء يستند إلى أسبق علله ، فإناطة الحكم بها واستناد الإفطار إليها يدلّ بوضوح على أ نّها بنفسها تمام الموضـوع في المفطريّة ، وبذلك تتقيّد إطلاقات الجماع والنساء وإتيان الأهل ونحو ذلك ممّا ورد في الكتاب والسنّة، ويحمل على اختصاص المفطريّة بما كان موجباً للجنابة ، وهو المشتمل على إدخال الحشفة بتمامها دون ما لا يستوجبها .
وأوضحُ دلالةً من هذه الصحيحة : ما رواه الكليني بإسناده عن يونس في حديث : قال في المسافر يدخل أهله وهو جنب قبل الزوال ولم يكن أكل فعليه أن يتمّ صومه ولا قضاء عليه ، يعني إذا كانت جنابته من احتلام(1) .
دلّت على أنّ الجنابة غير الاختياريّة الناشئة من الاحتلام غير مانعة عن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 190 / أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 5 ، الكافى 4 : 132 / 9 ، الفقيه 2 : 93 / 415 .
|