حكم ارتماس ذي الرأسين - مسائل في مفطريّة الارتماس 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 11:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7531


ــ[171]ــ

   [ 2417 ] مسألة 34 : في ذي الرأسـين إذا تميّز الأصـلي منهما  فالمـدار عليه (1) ، ومع عدم التميّز يجب الاجتناب عن رمس كلّ منهما ، لكن لا يحكم ببطلان الصوم إلاّ برمسهما ولو متعاقباً ((1)) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صدق عنوان الارتماس بأيّ نحو كان لإطلاق الأدلة .

   (1) لا إشـكال في الحكم فيما لو تميّز الأصلي ، أو علم أنّ كلا منهما أصلي بحيث يتكلّم ويسمع ويرى من كلّ منهما ، كما قد يتّفق في بعض الحيوانات من شواذّ الخلقة ، فالمدار على رمس المتميّز في الأول ، وعلى رمس كلّ واحد وان لم يرمس الآخر في الثاني .

   إنّما الإشكال مع عدم التمييز بحيث علم أنّ أحدهما أصلي والآخر عضو زائد واشتبه أحدهما بالآخر .

   والكلام يقع تارةً في حكم الارتماس في نفسه ، وأُخرى في بطلان الصوم وعدمه .

   أمّا الأوّل : فلا ينبغي التأمّل في وجوب الاجـتناب عن رمس كلّ منهما ، عملا بالعلم الإجمالي المتعلّق بحرمة رمس الرأس الواقعي المردّد بينهما المقتضي للاحتياط عقلا كما في سائر موارد تنجيز العلم الإجمالي .

   وأمّا الثاني : فقد حكم في المتن بعدم بطلان الصوم برمس أحدهما ، ولعلّ في العبارة تسامحاً ، ونظره الشريف معطوف إلى حيثيّة الكفّارة ، فإنّها لا تثبت بعد احتمال كون المرموس هو العضو الزائد وإن كان العمل في نفسه محرّماً كما عرفت ومعاقباً عليه على تقدير المصادفة للرأس الأصلي ، بل مطلقاً، بناءً على استحقاق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر بطلان الصوم برمس أحدهما .

ــ[172]ــ

المتجرّي للعقاب . وعلى أيّ تقدير ، فتعلّق الكفّارة منوط بتحقّق المفطر ، وهو مشكوك حسب الفرض ، فيرجع في نفيها إلى أصالة البراءة .

   ونظير المقام ما ذكره الشيخ (قدس سره) في باب العلم الأجمالي(1) والفقهاء في باب الحدود من أنّ من شرب أحد المائعين المعلوم خمريّة أحدهما إجمالا فهو وإن كان آثماً ومسـتحقّاً للعقاب إلاّ أ نّه لا يجري عليه الحدّ ، لأ نّه منوط بشرب الخمر واقعاً ، ولم يحرز ، وكذلك لا يحكم بنجاسة الملاقي لأحدهما ، لعدم إحراز الملاقاة للنجس ، فإنّ الكلّ من واد واحد ، وضابطه : أ نّه لو شكّ في تحقّق موضوع ذي حكم يرجع في نفي حكمه إلى أصالة البراءة .

   وأمّا من ناحية صحّة الصوم والاجتزاء به في مقام الامتثال فالظاهر هو البطلان ، لعروض الخلل من ناحية النيّة ، إذ على تقدير كون المرموس أصلياً لم يكن ناوياً للصوم بطبيعة الحال ، للتنافي بينهما ، فلم يكن ناوياً للصوم على كلّ تقدير ، بل على تقدير خاصّ ، وهو عدم كون المرموس أصليّاً ، وهذا لا ينفع ، بل لا بدّ للصائم أن يكون ناوياً لصومه في جميع الحالات ، وعلى جميع التقادير كما لا يخفى .

   وعليه ، فيفرق بين الكفّارة وبين البطلان فلا يحكم بالأوّل ، لعدم إحراز الإفطار ، ويحكم بالثاني ، لانثلام النيّة وعدم الجزم بها بعد تنجّز التكليف الواقعي عليه بمقتضى العلم الإجمالي .

   ومن ذلك كلّه يظهر الحال في المسألة الآتية ، وهي ما لو علم إجمالا بأنّ أحد المائعين ماءً ، فإنّه بعينه مثل ما لو علم إجمالا بأنّ أحد العضوين رأسٌ فيجري فيه ما مرّ من التفصيل بين الكفّارة والبطلان بعد ما كان العلم الإجمالي منجّزاً والاُصول متعارضة حتّى أصالة عدم كون هذا المائع ماءً بنحو العدم الأزلي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 2 : 239 .

ــ[173]ــ

   [ 2418 ] مسألة 35 : إذا كان مائعان يعلم بكون أحدهما ماءً يجـب الاجتناب عنهما(1)، ولكن الحكم بالبطلان يتوقّف على الرمس فيهما ((1)) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وإن لم يثبت بها كونه مضـافاً ، فإنّ الأثر مترتّب على كون المرتمس فيه ماءً فيجري الأصل فيما هو مورد الأثر ويسقط بالمعارضة .

   نعم ، لو فرض في مورد عدم تنجّز التكليف الواقعي ، كما لو شكّ ابتداءً في كون مائع ماءً أو غيره ، أو في كونه ماءً مطلقاً أو مضافاً ، كما سيتعرضّ له في مسألة 38 الآتية ، فلا بأس بالارتماس فيه .

   أمّا بناءً على جريان الاستصحاب في الأعدام الأزليّة فواضح ، فيستصحب عدم كون المرتمس فيه ماءً مطلقاً .

   وأمّا على القول بعدم الجريان فتكفينا أصالة البراءة عن لزوم الاجتناب عن هذا الفرد المشكوك مائيّته بشبهة مصداقيّة زائدةً على الأفراد المتيقّنة بعد سلامتها عن المعارضة ، لكون الشبهة بدويّة كما هو المفروض .

   ولا يجري مثل ذلك فيما نحن فيه ـ أي في ذي الرأسين ـ لمعارضة الأصل من الطرفين حسبما عرفت .

   (1) قد ظهر الحال فيها ممّا قدّمناه آنفاً ، فلاحظ .

   وقد عرفت أنّ حكم الكفّارة يفترق عن بطلان الصوم ، فلا كفّارة ، لعدم إحراز موضوعها ، ويبطل الصوم ، للإخلال بالنيّة ، وإذا بطل الصوم فلا بدّ من القضاء . ويقرّر الوجه فيه من جهتين :

   الاُولى : ما أشرنا إليه من أنّ الصوم لا بدّ فيه من نيّة الإمساك عن جميع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل الظاهر كفاية الرمس فى أحدهما فى البطلان .

ــ[174]ــ

   [ 2419 ] مسألة 36 : لا يبطل الصوم بالارتماس سهواً أو قهراً أو السقوط في الماء من غير اختيار (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المفطرات ، وعلى جميع التقادير ، ومن يريد الارتماس في أحد المائعين غير عازم على الصوم على الإطلاق ، بل على تقدير دون تقدير ، وهذا كاف في المفطريّة بعد أن لم يكن له معذّر في الارتكاب بمقتضى العلم الإجمالي .

   نعم ، لو كان له عذر ـ كما في الشبهة البدويّة ـ لم يكن به بأس ، إمّا بجريان الاستصحاب في العدم الأزلي ، أو لأصالة البراءة كما مرّت الإشارة إليه .

   الثانية : ما ذكرناه في بحث الصلاة من أنّ عنوان الفوت المترتّب عليه القضاء كما يحرز بالوجدان أو الأمارة أو الأصل المعتبر ، كذلك ربّما يحرز بقاعدة الاشتغال ، لأنّ العبرة بفوت الوظيفة الفعليّة الأعمّ من الشرعيّة والعقليّة ، فلو شكّ في أصل الصلاة وهو في الوقت أو اقتضت الوظيفة تكرارها في ثوبين ـ  مثلا  ـ أو تكرار الوضوء من مائعين وقد اقتصر على أحدهما ، وجب عليه القضاء ، للإخلال بما تقتضيه قاعدة الاشتغال المحقّق لعنوان الفوت وإن احتمل عدمه في صقع الواقع ، إلاّ أ نّه لا مؤمّن له بعد فرض تساقط الاُصول ، ومقامنا كذلك ، إذ هو مأمور بالاجتناب عن الارتماس في الماء ، فإذا ارتمس في أحد المائعين المحتمل كونه ماءً أو بأحد العضوين المحتمل كونه رأساً فإمساكه عن الارتماس مشكوكٌ فيه ، ولا أصل مؤمّن حسب الفرض ، فقد فاتته الوظيفة الفعليّة الثابتة بمقتضى قاعدة الاشتغال ومعه لا مناص من القضاء .

   (1) لما سيجيء في محلّه(1) إن شاء الله تعالى من اعتبار العمد والاختيار في المفطريّة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 265 .

ــ[175]ــ

   [ 2420 ] مسألة 37 : إذا ألقى نفسه من شاهق في الماء بتخيّل عدم الرَمس فحصل لم يبطل صومه (1) .

   [ 2421 ] مسألة 38 : إذا كان مائع لا يُعلَم أ نّه ماءٌ أو غيره أو ماءٌ مطلق أو مضاف لم يجب الاجتناب عنه(2).

   [ 2422 ] مسألة 39 : إذا ارتمس نسياناً أو قهراً ثمّ تذكّر أو ارتفع القهر وجب عليه المبادرة إلى الخروج ، وإلاّ بطل صومه (3) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لعدم حصول العمد المعتبر في الإفطار كما هو واضح .

   (2) قد ظهر الحال فيها ممّا قدّمناه في ذيل المسألة الرابعة والثلاثين ، فلاحظ .

   (3) لا يخفى أنّ الجمود على النصوص يقتضي عدم لزوم المبادرة إلى الخروج ، لأنّ ظاهرها إحداث الارتماس ولا تعمّ الإبقاء ، كما هو الشأن في جميع الجمل الفعليّة من الماضي والمضارع والأمر ، فلو أصغى إلى آية التلاوة وهو في السجود لم يكفه البقاء ، بل لا بدّ من إحداثه ثانياً ، ولأجله ذكرنا في محلّه أ نّه لا يكفي في تحقّق الغسل الارتماسي مجرّد البقاء تحت الماء ناوياً ، إذ الظاهر من قوله (عليه السلام) في صحيح الحلبي : «إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسةً واحدة أجزأه ذلك من غسله»(1) هو إحداث الارتماس لا مطلق الكون تحت الماء .

   وعليه ، ففي المقام لا مانع من الارتماس حدوثاً لفرض العذر ولا بقاءً ، لعدم الدليل على المنع هذا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 232 /  أبواب الجنابة ب 26 ح 12 .

ــ[176]ــ

   [ 2423 ] مسألة 40 : إذا كان مكرهاً في الارتماس لم يصحّ صومه (1) ، بخلاف ما إذا كان مقهوراً .

   [ 2424 ] مسألة 41 : إذا ارتمس لإنقاذ غريق بطل صومه وإن كان واجباً عليه .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ولكن مناسبة الحكم والموضوع ـ التي هي كقرينة داخليّة يعوّل عليها في كثير من المقامات ـ تقتضي عدم الفرق في المقام بين الحدوث والبقاء بمقتضى الفهم العرفي الحاكم بلزوم الاجتناب عن الكون تحت الماء ، بلا فرق بين حصول ذلك حدوثاً أو بقاءً ، وكذا الحال في الجماع ، فإنّ العرف يفهم أنّ الممنوع إنّما هي هذه الحالة ، من غير فرق بين إحداثها وابقائها ، ولا يحتمل الاختصاص بالأوّل . وعليه ، فيجب الخروج من الماء فوراً كما في المتن .

   (1) إذ الإكراه لا يوجب سلب الإرادة ، فالفعل المكرَه عليه صادر عن عمد وقصد ـ وإن لم يكن عن طيب النفس ـ فيشمله إطلاق الأدلة ، ومن الواضح أنّ أدلّة نفي الإكراه مفادها نفي العقاب والمؤاخذة ولا تنهض لإثبات الصحّة ، لأنّ شأنها الرفع دون الوضع .

   ومنه يظهر الحال في وجب الرمس لإنقاذ الغريق الذي تعرّض له في المسألة الآتية، فإنّ وجوب الإنقاذ لا يستدعي إلاّ وجوب الارتماس ، ولا يستلزم صحّة الصوم مع الارتماس المزبور بوجه ، وهذا بخلاف ما إذا  كان مقهوراً في الارتماس ، فإنّه يوجب زوال الإرادة والاخـتيار وانتفاء العمد والقصد ، ومثله لا يوجب البطلان ، ولأجله يفرّق بين القهر والإكراه .

 ــ[177]ــ

   [ 2425 ] مسألة 42 : إذا كان جنباً وتوقّف غسله على الارتماس(1) انتقل إلى التيمّم إذا كان الصوم واجباً معيّناً، وإن كان مستحبّاً أو كان واجباً موسّعاً وجب عليه الغسل وبطل صومه ((1)).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لا ينبغي التأمّل في لزوم انتقـاله حينئذ إلى التيمّم فيما إذا  كان الصوم واجباً معيّناً ، لعجزه شرعاً عن الاغتسال بعد فرض حرمة الارتماس ، ومن الواضح عدم المزاحمة بين ما له البدل وبين ما لا بدل له .

   وأمّا في الواجب الموسّع أو الصوم المستحبّ فبما أنّ الإفطار سائغ في حقّه فهوقادر على الارتماس ، فيجب عليه الاغتسال بمقتضى دليله ، ومعه يحكم ببطلان صومه ، وهذا ممّا لا إشكال فيه .

   إنّما الكلام في أنّ صومه هل يبطل بمجرّد التكليف بالغسل ووجوبه عليه ، أو من حين القصد إلى الغسل من باب نيّة القطع ، أو حين تحقّق الغسل والارتماس خارجاً ؟

   الظاهر هو الأوّل ، لامتـناع الأمر بالصوم المشـتمل على الاجتـناب عن الارتماس بعد فرض فعليّة الأمر بالارتماس المتوقّف عليه الاغتسال ، لاستحالة الأمر بالضدّين ، ولا يمكن تصحيحه بالترتّب ، لاختصاصه بالضديّن اللذين لهما ثالث ، دون ما لا ثالث لهما كالحركة والسكون ، أو النقيضين كما في المقام ، إذ مع ترك أحدهما فالآخر حاصل بطبيعة الحال ، فكيف يمكن الأمر به حينئذ ، وهل هذا إلاّ من تحصيل الحاصل .

   وعلى الجملة ، بعد فرض تعلّق الأمر بالارتماس لتوقّف الغسل عليه كيف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فى بطلان الصوم بمجرّد التكليف بالغسل إشكال ، بل منع .

ــ[178]ــ

   [ 2426 ] مسألة 43 : إذا ارتمس بقصد الاغتسال في الصوم الواجب المعيّن(1) بطل صومه وغسله((1)) إذا كان متعمّداً، وإن كان ناسياً لصومه صحّا معاً، وأمّا إذا كان الصوم مستحبّاً أو واجباً موسّعاً بطل صومه وصحّا غسله .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يمكن الأمر بالصوم المشتمل على ترك الارتماس ؟! فإنّ الأمر الضمني بالترك لا يكاد يجتمع مع الأمر بالفعل بوجه ، ولا يعقل في مثله الترتّب كما عرفت .

   هذا ، ولكن التحقيق جريان الترتّب في المقام ، نظراً إلى وجود الضدّ الثالث ، فإنّ ذاتي الارتماس وعدمه وإن كانا ممّا لا ثالث لهما إلاّ أنّ المعتبر في الصوم ليس هو مطلق الترك ، بل خصوص الترك القربي ، لفرض كون الصوم من العبادات ، ومن الواضح أنّ الارتماس وتركه لله بينهما واسطة وهو تركه لا لله .

   وعليه ، فتارك الارتماس يمكن أن يؤمَر حينئذ بأن يكون تركه لله على نحو الخطاب الترتّبي، وقد مرّ في محلّه في الاُصول(2) أنّ مجرّد إمكان الترتّب كاف في الوقوع ولا حاجة إلى قيام دليل عليه بالخصوص ، فيؤمَر حينئذ بإتمام صيامه والكفّ عن المفطرات ـ التي منها الارتماس ـ عن قربة على تقدير تركه ، نظير ما لو كان مأموراً أثناء الصلاة بالتكلّم لإنقاذ الغريق ـ مثلا ـ وإن كان يبطل صلاته ، فلو عصى ولم يتكلّم صحّت صلاته بالأمر الترتّبي .

   (1) حكم (قدس سره) ببطلان الصوم والغسل في صورة العمد ، وبصحّتهما مع النسيان ، وبصحّة الغسل دون الصوم في الواجب الموسّع أو الصوم المستحبّ ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا فى شهر رمضان وكذلك فى قضائه بعد الزوال على الاحوط ، وأما فى غيرهما فالظاهر الحكم بصحة الغسل ، وذلك لأنّ الصوم بنيّة الاغتسال وبعد البطلان لا يحرم عليه الارتماس ، فلا موجب لبطلان الغسل .

(2) أجود التقريرات 1 : 310 .

ــ[179]ــ

   [ 2427 ] مسألة 44 : إذا أبطل صومه بالارتماس العمدي (1) : فإن لم يكن من شهر رمضان ولا من الواجب المعيّن غير رمضان يصحّ له الغسل حال المكث في الماء أو حال الخروج ((1)) . وإن كان من شهر رمضان يشكل صحّته حال المكث ، لوجوب الإمساك عن المفطرات فيه بعد البطلان أيضاً ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والوجه في ذلك كلّه ظاهر .

   أمّا الأوّل : فلأجل فرض الارتماس العمدي الذي هو مفطر للصوم المعيّن كما مرّ(2) ، وبما أ نّه منهيٌّ عنه حينئذ فلا يتحقّق به الغسل . ولكنه خاصّ بما تضمّن النهي المزبور كصوم شهر رمضان، حيث يحرم فيه الإفطار حتّى بعد نيّة الإبطال ، نظراً إلى وجوب الإمساك عليه تأدّباً ، وأمّا غيره من أقسام الصوم الواجب المعيّن فحيث لا وجوب فلا يحرم الارتماس بعد تحقّق البطلان بمجرّد نيّته ، ومعه لا موجب لبطلان الغسل .

   وأمّا الثاني : فلفرض كون الارتماس سهويّاً فلا ينتقض به الصوم ، وحيث لا يكون مفطراً فلا نهي عنه ، فلا مانع من صحّة الغسل .

   وأمّا الثالث ـ الذي هو مفروض في صورة العمـد ـ  : فلبطلان الصوم بالارتماس العمدي ، وبما أ نّه غير منهي عنه ـ لفرض جواز إبطال الصوم المستحبّ أو غير المعيّن ـ فلا مانع من وقوعه غسلا .

   (1) هذه المسألة مبنيّة على ما اشتهر بين المتأخرين ـ إذ لم نعرف من تعرّض له من القدماء ـ من جواز الغسل الارتماسي بتحريك البدن في الماء .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا مبنى على صحّة الغسل حال المكث أو الخروج من الماء فى نفسه وقد مرّ أ نّه محلّ إشكال .

(2) في ص 165 .

ــ[180]ــ

بل يشكل صحّته حال الخروج أيضاً ، لمكان النهي السابق ، كالخروج من الدار الغصبيّة إذا دخلها عامداً ، ومن هنا يشكل ((1)) صحّة الغسل في الصوم الواجب المعيّن أيضاً ، سواء كان في حال المكث أو حال الخروج .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وأمّا على المختار من عدم الجواز ـ لاعتبار إحداث الارتماس كما أشرنا إليه في محلّه(2) ـ فلا مجال لعقد هذه المسألة من أصلها كما لا يخفى .

   وعليه نقـول : أمّا إذا لم يكن الصـوم من رمضان ولا من الواجب المعيّن فلا  إشكال في صحّة الغسل حال المكث أو حال الخروج ، لجواز نقض مثله باسـتعمال المفطر ، فحاله حال الارتماس الصادر من غير الصائم ، والمفروض حينئذ جواز الاغتسال في الحالتين .

   وأمّا إذا كان من شهر رمضان فلا ينبغي الإشـكال في عدم الصحّة حال المكث ، لما تقدّم من أنّ مقتضى مناسبة الحكم والموضوع حرمة الارتماس على الصائم حدوثاً وبقاءً(3) ، بعد ملاحظة ما سيجيء في محلّه إن شاء الله تعالى من وجوب الإمساك عن المفطرات في شهر رمضان حتّى بعد البطلان(4) ، فيحرم تناول المفطر بعد الإفطار أيضاً حتّى إذا لم ينو الصوم كما في أكثر الفسّاق . وعليه ، فلدى حدوث الارتماس وإن بطل الصوم إلاّ أ نّه يحرم البـقاء أيضاً ، ومعه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا إشكال في صحّة الغسل حال المكث أو حال الخروج بناءً على صحّة الغسل في هذا الحال في نفسه .

(2) شرح العروة 6 : 388 ـ 389 .

(3) في ص 176 .

(4) شرح العروة 22 : 10 .

 
 

ــ[181]ــ

لا  مجال للاغتسال ، لامتناع أن يكون الحرام مصداقاً للواجب .

   وأمّا حال الخروج فيبتني على الخلاف المعروف في حكم الخروج ممّن توسّط الأرض الغصبيّة بسوء الاختيار ، وقد بنينا في محلّه(1) على أ نّه وإن كان لازماً عقلا من باب أخفّ القبيحين وأقّل المحذورين وغير محرّم فعلا لمكان الاضطرار وعدم القدرة على تركه ، إلاّ أ نّه يقع مبغوضاً ومبعداً من المولى ومعاقباً عليه ، لانتهائه إلى سوء الاختيار ، والممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، نظير من ألقى نفسه من الشاهق . وعليه ، يحكم ببطلان الغسل ـ الذي هو واجب عبادي ـ حال الخروج ، لعدم إمكان التقرّب بمبغوض المولى المستند إلى سوء الاختيار ، وهو الارتماس عامداً كما هو المفروض .

   نعم ، على القول بإباحة الخروج من غير مبغوضيّة يصحّ الغسل في المقام ، لكن المبنى فاسد كما هو موضّح في محلّه .

   هذا كلّه في صوم شهر رمضان .

   وأمّا غيره من الواجب المعيّن ، فالماتن (قدس سره) قد ألحقه به . إلاّ أ نّه لا دليل عليه ، إذ لم ينهض دليل يقتضي حرمة تناول المفطر بعد تحقّق الإفطار في غير شهر رمضان ، والمفروض في المقام تحقّق المفطر في أوّل آن من الارتماس ، فبعده لا دليل على حرمته بقاءً ولا خروجاً ، فعلى القول بصحّة الغسل الارتماسي بهذا النحو ـ وهو تحريك البدن تحت الماء ـ لا مانع من صحّة الغسل حينئذ في حالتي المكث أو الخروج .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 6 : 425 .

ــ[182]ــ

   [ 2428 ] مسألة 45 : لو ارتمس الصائم في الماء المغصوب (1) : فإن كان ناسياً للصوم وللغصب صحاً صومه وغسله ((1)) ، وإن كان عالماً بهما بطلا معاً ، وكذا إن كان ((2)) متذكراً للصوم ناسياً للغصب ، وإن كان عالماً بالغصب ناسياً للصوم صحّ الصوم دون الغسل .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) أقول : قد يكون الصائم في هذا الحال متذكّراً للصوم والغصب ، وقد يكون ناسياً لهما ، وقد يكون متذكّراً لأحدهما ناسياً للآخر .

   لا إشكال في بطلان الصوم والغسل في صورة العلم بهما ، أمّا الصوم فلتعمّد الارتماس ، وأمّا الغسل فلكونه بماء معلوم الغصبيّة كما هو ظاهر .

   ونحوه ما لو كان متذكّراً للصوم فقط ، إذ يكفي في بطلان الغسل حينئذ مجرّد الالتفات إلى كونه مصداقاً للإفطار المحرّم .

   وأمّا عكسـه ، ـ أعني : ما لو كان متذكّراً للغصب فقط ـ فيفصّل فيه بين الصوم والغسل ، فيصحّ الأوّل ، لعدم العمد إلى المفطر ، ويبطل الثاني ، لعدم إباحة الماء . وهذا كلّه ظاهر .

   إنّما الكـلام فيما لو كان ناسـياً لهما معاً ، فقد حكم في المتن بصحّة صـومه وغسله حينئذ  ، والظاهر أنّ مراده (قدس سره) من النسيان بقرينة المقابلة مع العالم ما يعمّ الجهل .

   ولا إشكال في صحّة الصوم حينئذ ، لعدم القصد إلى المفطر ، وأمّا الغسل ففي صحّته مع الجهل تأمّل بل منع ، كما تعرّضنا له في الاُصول(3) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا إذا لم يكن هو الغاصب وإلاّ بطل غسله ، وكذا الحال فى الجاهل الملتفت .

(2) هذا فى شهر رمضان وإلاّ لم يبطل غسله .

(3) محاضرات في اُصول الفقه  4 : 224 ـ 239 .

ــ[183]ــ

   وملخّصه : أنّ المشهور ـ ومنهم صاحب الكفاية(1) ـ ذهبوا إلى صحّة الغسل أو الوضوء بالماء المغصوب جهلا ، نظراً إلى أنّ المانع من التقرّب إنّما هي الحرمة المنجّزة لا مجرّد الوجود الواقعي ، وحيث لا تنجّز مع الجهل فلا مانع من فعليّة الحكم الآخر ـ وهو الأمر بالغسل أو الوضوء ـ لعدم المانع من التقرّب حينئذ ، وقد زعموا أنّ المقام مندرج في باب اجتماع الأمر والنهي، الذي هو من صغريات باب التزاحم ، ومن المعلوم أ نّه لا تزاحم إلاّ في صورة العلم دون الجهل ، ولذلك ألحقوا الجهل بالنسيان المحكوم فيه بالصحّة بلا كلام .

   ولكن التحقيق هو البطلان ، لكون المقام من باب التعارض دون التزاحم ، وليس التركيب فيه انضماميّاً ليكون من موارد اجتماع الأمر والنهي ، حتّى يتجّه التفصيل بين الحرمة المنجّزة بالعلم فلا يمكن التقرّب عندئذ لكونهما بإيجاد واحد، وبين صورة الجهل فيمكن التقرّب حينئذ بالأمر ، بل التركيب اتّحادي ، ضرورة أنّ الغسل أو الوضوء بالماء المغصوب متّحدٌ مع التصرّف فيه ، فهو من باب النهي عن العبادة لا من باب الاجتماع ، فلا يكون إلاّ من باب التعارض دون التزاحم ، فإذا قُدّم جانب النهي كان تخصيصاً في دليل الواجب ، فيخرج مورد الحرمة بحسب الواقع عن مورد الوجوب ، إذ الحرام لا يكون مصداقاً للواجب ، ومن الواضح عدم الفرق في ذلك بين صورتي العلم والجهل ، إذ التركيب اتّحادي والتخصيص واقعي ، ولا يناط ذلك بعلم المكلف أو جهله ، ولذلك نقول : بأنّه على المشهور المنصور من أنّ نفقة الزوجة على الزوج دينٌ عليه لا مجرّد وجوب ، كما في الإنفاق على الوالدين أو الولد ، فلو أنفق على زوجته من مال مغصوب لم تبرأ ذمّته وإن كان عن جهل ، إذ الحرام لا يكون مصداقاً للواجب .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكفاية : 156 ـ 157 .

ــ[184]ــ

   [ 2429 ] مسألة 46 : لا فرق في بطلان الصوم بالارتماس بين أن يكون عالماً بكونه مفطراً أو جاهلا(1) .

   [ 2420 ] مسألة 47 : لا يبطل الصوم بالارتماس في الوحل ولا بالارتماس في الثلج(2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وعليه ، فلا مناص من الالتزام ببطلان الغسل في المقام وإن كان جاهلا بالغصبيّة .

   نعم ، يحكم بصحّته مع النسيان ، إذ التكليف مرفوع عن الناسي حتّى واقعاً لامتناع توجيه الخطاب إليه ، فالرفع في الجهل يغاير الرفع في النسيان ، فإنّه في الأوّل ظاهري وفي الثاني واقعي . إذن لا مانع من كونه مشمولا لدليل الأمر . وعليه ، فيفرّق بين الجهل والنسيان ولا يكونان من واد واحد .

   ولكن هذا فيما إذا لم يكن الناسي هو الغاصب نفسه ، وإلاّ بطل أيضاً ، لصدور الفعل مبغوضاً بالنهي السابق الساقط ، لانتهائه إلى سوء الاختيار ، ومن المعلوم عدم إمكان التقرّب بالمبغوض .

   (1) لإطلاق الأدلة كما هو الشأن في سائر المفطرات أيضاً ، لعدم التقييد بالعلم في شيء منها ، كما سيأتي التعرّض له في الفصل الآتي إن شاء الله تعالى .

   (2) لما مرّ سابقاً من أنّ الموضوع في الأدلة إنّما هو الماء ، ولو فرضنا التعدّي ببعض المناسبات إلى الماء المضاف لم يكن وجه للتعدّي إلى ما لا يصدق عليه الماء بوجه كالوحل والثلج كما هو ظاهر .

 ــ[185]ــ

   [ 2431 ] مسألة 48 : إذا شكّ في تحقّق الارتماس بنى على عدمه ((1)) (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) استناداً إلى أصالة العدم ، لكنّها إنّما تنفع لنفي الأثر المترتّب على الارتماس كالكفّارة .

   وأمّا البطـلان وعدمه فلا يدوران مدار الارتماس الخارجي ، بل الاعتبار فيهما بنفس القصد ، فمتى تحقّق بطل الصوم ـ من باب نيّة القطع ـ وإن لم يتعقّب بالارتماس ، ومتى لم يتحقّق صحّ وإن اتّفق الارتماس خارجاً، لاختصاص المفطر بالارتماس العمدي ، فلا أثر للارتماس وعدمه من هذه الجهة كي يكون الشكّ فيه مورداً للأصل ، وقد مرّ نظير ذلك في الشكّ في تحقّق الجماع ، للشكّ في دخول مقدار الحشفة(2) .
ـــــــــــــــ

(1) لكن يبطل صومه إذا كان ناوياً للارتماس .

(2) في ص 120 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net