ــ[193]ــ
وأمّا الإصباح جنباً من غير تعمّد فلا يوجب البطلان(1) إلاّ في قضاء شهر رمضان (2) على الأقوى ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التفويت في الصوم المندوب الذي دلّ الدليل على صحّته ، فإنّ الأحوط حينئذ هو الفعل لا الترك كما هو ظاهر جدّاً .
(1) بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لتقييد البطلان في النصّ والفتوى بصورة العمد كما في صحيحة أبي بصير المتقدّمة(1)، وقد عرفت أنّ إطلاق صحيحة العيص النافية للبأس عن البقاء جنباً منزّلٌ على غير صورة العمد .
(2) أي الموسّع ، فلا يصحّ مع الإصباح جنباً ولو عن غير عمد ، فكأنّه يمتاز عن شهر رمضان نفسه ، لأجل كونه من الواجب المعيّن ، بخلاف قضائه الموسع .
ويدّل على الحكم جملة من النصوص ، كصحيحة ابن سـنان : عن الرجل يقضي شهر رمضان فيجنب من أوّل الليل ولا يغتسل حتّى يجيء آخر الليل وهو يرى أن الفجر قد طلع «قال : لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره»(2) .
وصحيحـته الاُخرى ، قال : كتب أبي إلى أبي عبدالله (عليه السلام) وكان يقضي شهر رمضان وقال : إنِّي أصبحت بالغسل وأصابتني جنابة فلم أغتسل حتّى طلع الفجر ، فأجابه (عليه السلام) : «لا تصم هذا اليوم وصم غداً»(3) ونحوهما غيرهما .
فإنّ إطلاقها يشمل العامد وغيره لو لم يكن منصرفهما الثاني كما لا يخفى .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 186 .
(2) ، (3) الوسائل 10 : 67 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 19 ح 1 ، 2 .
ــ[194]ــ
وإن كان الأحوط إلحاق مطلق الواجب غير المعيّن به في ذلك(1)، وأمّا الواجب المعيّن ـ رمضاناً كان أو غيره ـ فلا يبطل بذلك ، كما لا يبطل مطلق الصوم ـ واجباً كان أو مندوباً ، معيّناً أو غيره ـ بالاحتلام في النهار(2) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وهل يلحق بالقضاء غيره من الصيام الواجب الموسّع كالكفّارة والنذر ونحوهما ، بناءً على أنّ الإصباح فيها جنباً عامداً موجبٌ للبطلان ، وأمّا على القول بعدم البطلان في صورة العمد ـ كما هو الصحيح على ما مرّ ـ ففي غير العمد بطريق أولى ، بدعوى أنّ المستفاد من صحيحتي ابن سنان المتقدّمتين كون الموضوع الصوم الواجب غير المعيّن من غير خصوصيّة للقضاء ؟
الظاهر عدم الإلحاق ، فإنّ التعدّي عن مورد النصّ وإلغاء خصوصيّة المورد ـ كما ذكر ـ يحتاج إلى القطع بعدم الفرق ، وهو مشكل جداً، مخالف لظاهر الدليل، فلا مناص من الاقتصار على مورده .
(2) بلا خلاف ، ولا إشكال ، كما تدلّ عليه جملة من النصوص ، التي منها صحيحة عبدالله بن ميمون : «ثلاثة لا يفطرن الصائم : القيء ، والاحتلام ، والحجامة»(1) .
وموثّقة ابن بكير : عن الرجل يحتلم بالنهار في شهر رمضان ، يتمّ صومه كما هو ؟ «فقال : لا بأس»(2) .
وصحيحة العيص بن القاسم: عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمّ يستيقظ ثمّ ينام قبل أن يغتسل «قال: لابأس»(3) وغيرها .
بل مقتضى الإطلاق فيها جواز البقاء على الجنابة إلى آخر النهار، كما لو صلّى
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ، (2) ، (3) الوسائل 10 : 103 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 35 ح 1 ، 2 ، 3 .
ــ[195]ــ
ولافرق في بطلان الصوم بالإصباح جنباً عمداً بين أن تكون الجنابة بالجماع في الليل أو الاحتلام(1)، ولا بين أن يبقى كذلك متيقّظاً أو نائماً بعد العلم بالجنابة مع العزم على ترك الغسل(2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الظهرين عند الزوال ثمّ نام واحتلم فاستيقظ وبقي كذلك إلى الغروب ، فلا تجب المبادرة إلى الغسل كما هو ظاهر .
(1) إذ العبرة في العمد بنفس البقاء على الجنابة لا بموجب الجنابة ، والبقاء في مورد الاحتلام بعدما استيقظ مستندٌ إلى العمد والاختيار وإن لم يكن سبب الجنابة اختياريّاً ، ويقتضيه الإطلاق في صحيحة أبي بصير(1) ، بل في صحيحة الحلبي(2) وصحيحة البزنطي(3) التصريح بعدم الفرق بين الجماع والاحتلام .
(2) ما تقدّم إلى هنا كان حكم الإصباح جنباً متيقّظاً ، وقد عرفت أنّ حكمه التفصيل بين العامد وغيره ، وأمّا الإصباح جنباً نائماً فحكمه كذلك . وإنّما أفردنا كلاًّ منهما بالذكر توضيحاً للمقـام ، فإنّ الروايات الواردة في النائم أيضاً على طوائف ثلاث كما تقدّم في المستيقظ .
فمنها : ما دلّ على عدم البطلان مطلقاً ، كرواية أبي سعيد القمّـاط : عمّن أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل فنام حتّى أصبح «قال : لا شيء عليه ، وذلك أنّ جنابته كانت في وقت حلال»(4) .
وقد عُبِّر عنها بالصحيحة في كلمات غير واحد ، وناقش فيه السبزواري في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ، (2) الوسائل 10 : 63 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 2 ، 1 .
(3) الوسائل 10 : 62 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 4 .
(4) الوسائل 10 : 57 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 1 .
ــ[196]ــ
الكفاية بأنّ أبا سعيد القمّاط لم يوثّق في كتب الرجال(1) .
وقد أورد عليه في الحدائق بأنّ أبا سعيد هو خالد بن سعيد القمّاط ، كنيته أبو سعيد ، وقد وثّقه النجاشي صريحاً(2) .
ولكن الصحيح ما ذكره السبزواري ، فإنّ أبا سعيد المزبور مشترك بين أخوين : خالد بن سعيد وصالح بن سعيد ، ولكلّ منهما كتاب ، وكلّ منهما مكنّى بهذه الكنية ، وقد وثّق النجاشي الأوّل ولم يرد توثيق في الثاني ، إذن فأبو سعيد بعنوانه مجمل مردّد بين الثقة وغيره ، وكان على السبزواري أن يذكر أنّ سبب الضعف هو الاشتراك لا عدم التوثيق كي يسلم عن اعتراض الحدائق .
وكيفما كان ، فالرواية محكومة بالضعف كما عرفت .
نعم ، إنّ السند المزبور بعينه مذكور في أسانيد كامل الزيارات ، ولكنّه أيضاً لا يجدي ، لجواز أن يكون المراد به هو الثقة دون الآخر غير الموثّق ، كي يكون ذكره في الكامل دليلا على توثيقه كما لا يخفى . فلا يمكن الحكم بوثاقته .
هذا ، ولكن الظاهر صحّة الرواية ، لما أشرنا إليه في المعجم(3) من أنّ الكليني روى رواية صحيحة ذكر فيها هكذا : عن أبي سعيد القمّاط وصالح بن سعيد ، فيظهر من ذلك ـ أي من هذا العطف ـ أنّ الأشهر منهما في هذه الكنية إنّما هو خالد بن سعيد دون أخيه صالح ، بحيث تنصرف الكنية عند الإطلاق إلى الأوّل الثقة كما ذكره صاحب الحدائق .
هذا ، مع أنّ صالح بن سعيد نفسه مذكور في أسانيد كتاب تفسير علي بن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لم نعثر عليه في الكفاية . نعم ، وجدناه في ذخيرة المعاد : 497 .
(2) الحدائق 13 : 119 ، النجاشي : 149 / 387 .
(3) معجم رجال الحديث 10 : 73 .
ــ[197]ــ
إبراهيم، وقد بنينا أخيراً على وثاقة أسانيد هذا التفسير ككتاب كامل الزيارات ، لالتزامه أيضاً بأن لا يروي إلاّ عن ثقة .
وعليه ، فعلى تقدير تسليم الإجمال في المراد من أبي سعيد القمّاط وأ نّه أيٌّ من الأخوين فالرواية أيضاً محكومة بالصحّة ، لتردّد اللفظ بين ثقتين لا بين الثقة وغيره ، وعلى كلّ حال ، فالرواية موصوفة بالصحّة كما وصفها بها غير واحد حسبما عرفت .
وكيفما كان ، فيكفينا في المقام صحيحة أُخرى، وهي صحيحة على بن رئاب ، قال : سُـئل أبو عبدالله (عليه السلام) وأنا حاضر : عن الرجـل يجنب بالليـل في شهر رمضان فينام ولا يغتسـل حتّى يصبح «قال : لا بأس يغتسل ويصلّي ويصوم»(1) .
وبإزائها ـ وهي الطائفة الثانية ـ ما دلّ على البطلان مطلقاً ، التي منها صحيحة ابن مسلم : عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ثمّ ينام ، أ نّه قال : «إن استيقظ قبل أن يطلع الفجر فإن انتظر ماءً يسخن أو يستقي فطلع الفجـر فلا يقـضي صومه»(2) .
دلّت بالمفهوم على أ نّه إن لم يستيقظ قضى صومه .
وهناك طائفة ثالثة دلّت على البطلان في مورد العمد ، كصحيحة البزنطي : عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابة ثمّ ينام حتّى يصبح متعمّداً «قال : يتمّ ذلك اليوم وعليه قضاؤه»(3) .
وصحيحة الحلبي : في رجل احتلم أوّل الليل أو أصاب من أهله ثمّ نام
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 59 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 7 .
(2) الوسائل 10 : 60 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 14 ح 1 .
(3) الوسائل 10 : 62 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 4 .
|