حكم البقاء عمداً على حدث الحيض والنفاس إلى طلوع الفجر 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 11:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7124


ــ[200]ــ

   وكما يبطل الصوم بالبقاء على الجنابة متعمّداً كذا يبطل بالبقاء على حدث الحيض والنفاس إلى طلوع الفجر(1)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يجعل الإنسان نفسه غير واجد بأن يريق الماء ، أو يجنب نفسه كما في المقام .

   نعم ، في خصوص باب الصلاة التزمنا بالمشروعيّة وجعلنا ضيق الوقت ـ  وإن استند إلى العمد  ـ من المسوّغات ، لقيام الدليل الخارجي عليه ، وهو ما استفيد من صحيحة زرارة الواردة في المستحاضة من أنّ الصلاة لا تترك بحال ، وبما أنّها مشروطة بالطهارة ، والتراب أحد الطهورين ، والمفروض العجز عن الآخر ، فلا محالة تستكشف المشروعيّة عندئذ(1) .

   وأمّا في باب الصوم فلم يرد مثل هذا الدليل ، وقد عرفت أنّ دليل المشروعيّة أيضاً قاصر الشمول لأمثال المقام في حدّ نفسه ، إذن فكما أ نّه عاص في تعجيز نفسه ، كذلك لا يصحّ صومه أيضاً ، لكونه من مصاديق البقاء على الجنابة عامداً .

   والحاصل : أ نّه لا يمكن أن يستفاد من الأدلّة قيام التيمّم مقام الغسل في موارد التعجيز الاختياري عن تحصيل الطهارة المائيّة ، إلاّ إذا قام عليه دليل بالخصوص ، وقد قام في باب الصلاة بالتقرير المتقدّم ، ولم يقم في باب الصوم ، إذن فصحّته مع التيمّم في غاية الإشكال ، فلأجل ذلك احتطنا في المسألة بأن يتيمّم ويصوم احتياطاً ويقضي يوماً مكانه .

   (1) على المشهور ، بل قيل : إنّه لا خلاف فيه .

   ويستدلّ له في الحيض بما رواه الشيخ بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبدالله

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة (كتاب الصلاة 1) : 6 .

 
 

ــ[201]ــ

(عليه السلام) «قال: إن طهرت بليل من حيضتها ثمّ توانت أن تغتسل في رمضان حتّى أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم»(1).

   واستشكل فيها غير واحد ـ منهم : الشيخ في النهاية والمحقّق في المعتبر والأردبيلي وصاحب المدارك بضعف السند(2).

   واُجيب عنه تارةً : بالانجبار بعمل المشهور .

   وفيه ما لا يخفى ، إذ مضافاً إلى منع الكبرى ـ كما هو المعلوم من مسلكنا ـ لم تتحقّق الصغرى أيضاً في المقام ، كيف ؟! وأنّ الكثير من قدماء الأصحاب لم يتعرّضوا في كتبهم لهذه المسألة ، ومعه كيف يحرز الانجبار بعمل المشهور ؟!

   واُخرى : بأنّ علي بن الحسن بن فضّال الراوي للحديث وإن كان فطحيّاً ولأجله لم تكن الرواية صحيحة بالمعنى المصطلح ، إلاّ أنّنا لا نصافق صاحب المدارك على اعتبار الصحّة بهذا المعنى في الحجّيّة ، بل يكفي فيها مجرّد الوثاقة المتّصف بها الرجل ، فالرواية معتبرة وإن لم تكن من قسم الصحيح بل الموثّق .

   وفيه : إنّ هذا إنّما ينفع لو كان منشأ الإشكال منحصراً في وجود ابن فضّال ، لكن الإشكال فيمن قبله ، فإنّ في طريق الشيخ إليه علي بن محمّد بن الزبير ، ولم يُذكَر بمدح ولا قدح ، فالرواية غير موثّقة لهذه العلّة .

   وثالثةً :  بأنّه لا بدّ من العمل بكتـب بني فضّال ، لما اشـتُهر في حـقّهم من أ نّه «خذوا ما رووا وذروا ما رأوا» كما روي ذلك عن الحسن العسكري (عليه السلام)(3) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 69 /  ما يمسك عنه الصائم ب 21 ح 1 ، التهذيب 1 : 393 / 1213 .

(2) حكاه عن النهاية في مصباح الفقيه 14 : 419 ، المعتبر 1 : 227، مجمع الفائدة والبرهان 5 : 47 ، المدارك 1 : 345 .

(3) الوسائل 27 : 142 /  أبواب صفات القاضي ب 11 ح 13 .

ــ[202]ــ

   ولكنّ الظاهر أ نّه لا أصل لهذه الرواية ، وأظنّ أن منشأ الاشتهار ما ذكره الشيخ الأنصاري (قدس سره) ـ في أوّل صحيفة من كتاب الصلاة عند الجواب عن الإشكال في رواية داود بن فرقد بابن فضّال ـ بأنّا أمرنا بالأخذ برواياتهم فاشتُهر ذلك(1) .

   وأمّا رواية العسكري (عليه السلام) فالأصل فيها ما ذكره الشيخ في كتاب الغيبة : أ نّه سُئل الحسين بن روح عن كتب الشلمغاني فأجاب بأنّي أقول فيها ما قال العسكري (عليه السلام) في كتب بني فضّال : «خذوا ما رووا وذروا ما رأوا»(2) .

   ولكنّ الظاهر عدم صحّة الرواية ، فإنّها مرويّة عن خادم الحسين بن روح ، وهو مجهول حتّى اسماً ، مع أنّا لو فرضنا صحّة هذه الرواية فيبقى الإشكال المتقدّم ، وهو أ نّه لم يثبت أنّ الرواية موجودة في كتب بني فضّال ، لضعف الطريق من أجل علي بن محمّد بن الزبير كما عرفت . فهده الوجوه كلّها ساقطة .

   نعم ، يمكن تصحيح الرواية بوجه آخر تعرّضنا له في المعجم ، وملخّصه : أ نّه لو كان كتاب رواه شخصان طريق أحدهما إليه صحيح وطريق الآخر ضعيف ، وشيخ الراويين شخص واحد ، كشف ذلك عن صحّة رواية الثاني عنه أيضاً ، وأنّ لشيخ الرواية إلى الكتاب طريقين أحدهما صحيح والآخر ضعيف ، نقل أحدهما لأحد الراويين والآخر للراوي الآخر ، إذ لا يحتمل أن يكون ما أخبره شخص واحد لأحدهما مغايراً لما أخبر به الآخر ، وإلاّ كان ذلك منه خيانة في النقل كما لا يخفى(3) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كتاب الصلاة 1 : 35 ـ 36 .

(2) كتاب الغيبة : 389 / 355 .

(3) معجم رجال الحديث 1 : 78 .

ــ[203]ــ

   وعليه ، فطريق الشيخ إلى كتاب علي بن الحسن بن فضّال وإن كان ضعيفاً إلاّ أنّ طريق النجاشي إليه صحيح(1) ، وبما أنّ شيخهما شخص واحد ـ وهو أحمد بن محمّد بن عبدون(2) ـ وطبع الحال يقتضي أنّ ما نقله للشيخ هو بعينه ما نقله للنجاشي من غير زيادة ونقيصة ، فلا جرم يستلزم ذلك صحّة طريق الشيخ أيضاً حسبما عرفت .

   هذا ، ومع الغضّ عن ذلك وتسليم ضعف الرواية ، فيمكننا إثبات الحكم بطريق الأولويّة القطعيّة ، فإنّه سيجيء إن شاء الله تعالى في المسألة الآتية : أنّ المستحاضة لو تركت غسلها بطل صومها ووجب عليها القضاء ، لصحيحة على ابن مهزيار الناطقة بذلك(3) ، وهو يستلزم ثبوت الحكم في الحائض ـ التي هي أعظم شأناً منها ـ بطريق أولى كما لا يخفى ، بل ربّما يظهر من صدر الصحيحة مغروسـيّة الحكم في ذهن السائل لقوله : «امرأة طهرت من حيضها» ، فكأنّ اشتراط الطهارة من الحيض في صحّة الصوم أمرٌ مسلّم مفروغٌ عنه ، وإنّما السؤال الذي من أجله سيقت الصحيحة عن حكم المستحاضة فقط ، فتدبّر .

   وكيفما كان ، فلا إشكال في المسألة .

   هذا كلّه في الحيض .

   وأمّا النفاس : فإنّه وإن تقدّم في محلّه من كتاب الطهارة أنّ ما ورد من أ نّه حيض محتبس غير نقي السند ، إلاّ أ نّه يستفاد من النصوص المختلفة في الموارد المتفرّقة اتّحاد حكمهما، إلاّ ما ثبت الاختلاف من الخارج في بعض الخصوصيات ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رجال النجاشي : 257 / 676 .

(2) المذكور في كتب الرجال ومنها معجم رجال الحديث (2 : 155 ـ 156) : أحمد بن عبدون أو أحمد بن عبدالواحد .

(3) الوسائل 10 : 66 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 18 ح 1 .

ــ[204]ــ

فإذا طهرت منهما قبل الفجر وجب عليها الاغتسال أو التيمّم ، ومع تركهما عمداً يبطل صومها . والظاهر اختصاص البطلان بصوم رمضان(1) ، وإن كان الأحوط إلحاق قضائه به أيضاً ، بل إلحاق مطلق الواجب بل المندوب أيضاً .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتحديد الأقّل فيه بلحظة ، وفي الحيض بثلاثة(1) .

   وعلى أيّ حال ، فحكم النفاس في المـقام حكم الحـيض بلا إشكال ، فلو أخّرت الغسل عامدةً بعدما طهرت كان ذلك بمثابة البقاء على الجنابة في بطلان الغسل عامدةً بعدما طهرت كان ذلك بمثابة البقاء على الجنابة في بطلان الصوم ولزوم القضاء والكفّارة .

   (1) لا يخفى أنّ القيود الوجوديّة أو العدميّة المأخوذة في المأمور به قد تكون ملحوظة في نفس الطبيعة وتُعدّ من مقوّماتها ، فعندئذ لابدّ من مراعاتها في جميع الأفراد على الإطلاق ، من غير فرق بين الواجب والمستحبّ والأداء والقضاء وغير ذلك ، وهذا كما في أجزاء الصلاة ، وشرائطها وموانعها ، فإذا دلّ الدليل على أخذ القيد بهذا النحو ثبت في جميع الموارد حتّى المستحبّ ، إلاّ إذا نصّ على خلافه ، كما في الاستقرار ونحوه في الصلوات المستحبّة .

   واُخرى : تكون ملحوظة في قسم خاصّ من غير دخل في أصل الطبيعة ، فحينئذ يختصّ الحكم بذلك المورد ولا وجه للتعدّي .

   هذا ، وقد استفدنا من مثل قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن مسلم : «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال» إلخ : أنّ الاجتناب عن تلك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 8 : 152 و 157 .

ــ[205]ــ

الأربع من مقوّمات الصوم ودخيل في حقيقته وطبيعته ، وقد ثبت من الخارج أنّ مثل ترك تعمّد الكذب على الله ورسوله أيضاً كذلك .

   أمّا ترك البقاء على الجنابة وكذا حدث الحيض والنفاس فهو ثابت لبعض الأفراد ، ولحصّة خاصّة من الصوم ، وهو الواجب في رمضان ، لاختصاص الدليل به كما عرفت ، فالتعدّي إلى غيره من الواجب فضلا عن المندوب يحتاج إلى دليل وهو مفقود ، وحيث لا إطلاق في الأدلة فمع الشكّ في الاعتبار يرجع إلى أصالة البراءة .

   ودعوى التعدّي إلى خصوص القضاء ، نظراً إلى ظهور الدليل في اتّحاده مع المقضي في جميع الخصوصيّات ما عدا الزمان .

   كما ترى ، لقصور الدليل عن إثبات الاتّحاد في جميع الخصوصيّات ، فإنّه أوّل الكلام ، ومثل قوله (عليه السلام) «اقض ما فات كما فات» ناظر إلى القصر والتمام والمماثلة من حيث عدد الركعات لا في تمام الخصوصيّات كما أشرنا إليه في محلّه(1) ، وإلاّ فقد يكون شيءٌ معتبراً في الأداء لا في القضاء ، وربّما ينعكس الأمر كما مرّ في قضاء شهر رمضان وأنّه يضرّه البقاء على الجنابة ولو من غير عمد ، بخلاف شهر رمضان نفسه ، فإنّ المفطر فيه خصوص البقاء العمدي .

   نعم ، ظاهر الأمر بالقضاء اتّحاده مع المقضي في الخصوصيّات التي لها دخل في أصل الطبيعة وما به قوامها ما خلا خصوصيّة الزمان دون غيرها من سائر الأوصاف ، فما كان كذلك لابدّ من مراعاته خارج الوقت أيضاً وإلاّ فلا .

   وعلى ذلك ، فلا دليل على اعتبار الخلوّ من حدث الحيض والنفاس عند طلوع الفجر ولزوم الاغتسال إذا طهرت في غير شهر رمضان حتّى في قضائه ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة (كتاب الصلاة 8) : 295 ، 381 ـ 382 .

ــ[206]ــ

   وأمّا لو طهرت قبل الفجر في زمان لا يسع الغسل ولا التيمّم أو لم تعلم بطهرها في الليل حتّى دخل النهار ، فصومها صحيح (1) ، واجباً كان أو ندباً على الأقوى .
ــــــــــــــــــــــــ

لاختصاص النصّ بالشهر نفسه ، وإن كان الاحتياط في محلّه .

   (1) لأنّ المأخوذ في النصّ ـ أعني : موثّق أبي بصير(2) ـ عنوان التواني غير الصادق في هذه الفروض ، وهكذا لو اشتغلت بمقدّمات الغسل فطلع الفجر في الأثناء ، أو أنّها لم تشتغل وأخّرته باعتقاد سعة الوقت ، ففي جميع هذه الموارد بما أ نّه لا يصدق التواني لا يشملها النصّ ، فيحكم بصحّة صومها .
ــــــــــــ


(2) المتقدّم في ص 200 ـ 201 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net