[ 2432 ] مسألة 49 : يشترط في صحّة صوم المستحاضة ((1)) ـ على الأحوط ـ الأغسال النهاريّة التي للصلاة دون ما لا يكون لها (2)، فلو استحاضت قبل الإتيان بصلاة الصبح أو الظهرين بما يوجب الغسل ـ كالمتوسّطة أو الكثيرة ـ فتركت الغسل ، بطل صومها .
ـــــــــــــــــــــــــ (2) على المشهور ،بل ادُّعي الإجماع عليه ، ويستدّل له بصحيحة علي بن مهزيار ، قال : كتبت إليه (عليه السلام) : امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أوّل يوم من شهر رمضان ثمّ استحاضت فصلّت وصامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين ، هل يجوز (يصحّ) صومها وصلاتها ، أم لا ؟ فكتب (عليه السلام): «تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ، لأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان يأمر فاطمة (عليها السلام) والمؤمنات
ــــــــــــــــ
(1) تقدّم تفصيل الكلام في كتاب الطهارة .
ــ[207]ــ
وأمّا لو استحاضت بعد الإتيان بصلاة الفجر أو بعد الإتيان بالظهرين فتركت الغسل إلى الغروب ، لم يبطل صومها .
ولا يشترط فيها الإتيان بأغسال الليلة المستقبلة وإن كان أحوط .
وكذا لا يعتبر فيها الإتيان بغسل الماضية ، بمعني : أنّها لو تركت الغسل الذي للعشائين لم يبطل صومها لأجل ذلك .
نعم ، يجب عليها الغسل حينئذ لصلاة الفجر ، فلو تركته بطل صومها من هذه الجهة .
وكذا لا يعتبر فيها ما عدا الغسل من الأعمال ، وإن كان الأحوط اعتبار جميع ما يجب عليها من الأغسال والوضوءات وتغيير الخِرقة والقُطنة .
ولا يجب تقديم غسل المتوسّطة والكثيرة على الفجر وإن كان هو الأحوط .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من نسائه بذلك»(1) .
واشتمالها على ما لا يقول به الأصحاب من عدم قضاء الصلاة غير قادح في الاستدلال ، ضرورة أنّ التفكيك بين فقرات الحديث في الحجيّة غير عزيز ، فتُطرح تلك الفقرة وتُحمَل على خطأ الراوي واشتباهه في النقل ، وأمّا الحمل على الاستفهام الإنكاري ـ كما في الوسائل ـ فبعيدٌ غايته ، لعدم سبق ما يقتضي التفصيل حتّى يحتاج إلى الانكار كما لا يخفى .
كما أنّ إشتمالها على أمر فاطمة (عليها السلام) ـ التي استفاضت النصوص بأنّها روحي فداها وصلوات الله عليها لم تكن تَرَ حمرةً أصلا ـ غير قادح أيضاً ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 66 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 18 ح 1 .
ــ[208]ــ
إذ يمكن أن يكون المراد فاطمة اُخرى ، وهي بنت أبي حبيش المذكورة في روايات اُخر، أو أنّ المراد أمر الزهراء (سلام الله عليها) لأجل أن تعلّم المؤمنات لا لعمل نفسها، مع أنّ هذه الكلمة ساقطة في رواية الفقية والعلل ، والمذكورة فيهما هكذا : «كان يأمر المؤمنات»(1) إلخ .
وعلى الجملة : فالرواية صحيحة السند ، وقد عمل بها الأصحاب ، وهذه الاُمور لا تستوجب وهناً فيها ، فلا مجال للتوقّف في المسألة ، ولا مناص من الجزم بالاشتراط .
إنّما الكـلام في أنّها هل تعمّ المستحاضة المتوسّطة أيضاً ، أم أنّها تختصّ بالكثيرة ، وأنّها هل تعمّ الأغسال الليليّة ، أم تختصّ بالنهاريّة ؟
أمّا التعميم الأول : فلا وجه له بعد تقييد الغسل في الصحيحة بقوله : «لكلّ صلاتين» ، الذي هو من مختصّات الكثيرة.
ودعوى أنّ المستفاد من النصّ مانعيّة مطلق الحدث الأكبر الشامل للمتوسّطة .
عريّةٌ عن الشاهد ، فيدفع اشـتراط الخلوّ منها على تقدير الشكّ بأصالة البراءة ، مضافاً إلى الصحيحة الحاصرة كما تقدّم .
وأمّا التعميم الثاني : فهو الظاهر من الصحيحة ، إذ لا وجه لتخصيص الغسل بالنهاري بعد شمول قوله : «من الغسل لكلّ صلاتين» للأغسال الليليّة أيضاً . بل الظاهر شمولها لغسل الفجر أيضاً وإن كان اللفظ المزبور قاصر الشمول ، فالمراد أنّها لم تعمل بوظيفتها من الغسل للصلوات ، فإنّ المرتكز في ذهن السائل أنّ الغسـل إنّما يلزم باعتبار رفعه لحدثها ، وأنّ هذا الحدث ـ نظير حدث
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفقيه 2 : 94 / 419 ، علل الشرائع : 293 / 1 .
ــ[209]ــ
الحيض والنفاس ـ يضرّ بالصوم ولو باعتبار حدثيّتـه بالنسـبة إلى الصلاة ، ولأجله يعمّ الأغسال الثلاثة برمّتها ، إذ لا يُحتمَل الفرق في ذلك بين الغسل للفجر وبينه للظهرين والعشائين .
نعم ، لو كانت جملة «لكل صلاتين» مذكورة في كلام الإمام (عليه السلام) أمكن التفكيك بينهما ، ولكنه ليس كذلك .
وليس المراد اختصاص البطلان بما لو تركت الجميع في شهر رمضان بحيث لو اغتسلت في بعض الأيام أو أتت ببعض أغسال الليل أو النهار لم يكن عليها قضاء ، فإنّ ذلك بعيد عن الفهم العرفي جدّاً ، بل المراد أنّها لم تعمل بوظيفتها ولم ترفع حدثها بالغسل .
وعليه ، فإذا لم تغتسل للّيلة الماضية حتّى طلع الفجر فهي بمثابة الحائض التي دخلت في الصبح مع الحدث .
ومن ذلك يظهر دخل الغسل للّيلة الماضية .
وأمّا دخل الغسل للّيلة الآتية في صحّة صوم اليوم الماضي فهو وإن كان بمكان من الإمكان ـ كما حقّقناه في الاُصول من جواز الشرط المتأخّر(1) ـ إلاّ أنّه بعيد عن أذهان العرف ، فلا يستفاد ذلك من الصحيحة بوجه .
ثمّ إنّ الظاهر من الصحيحة أنّ الدخيل في صحّة الصوم إنّما هو الغسل للصلاة بأن تعمل المستحاضة ما هو وظيفتها من الأغسال ، لا أنّ الغسل معتبر بنفسه للصوم كي يكون البقاء على حدث الاستحاضة مضرّاً .
وعليه ، فلو اغتسلت بعد الفجر لصلاة الصبح كفى ، ولا يلزمها الغسل قبل الفجر للصوم كي يُتكلّم في أ نّه يغني عن الغسل لصلاة الفجر ، بل يجوز لها أن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محاضرات في اُصول الفقه 2 : 304 ـ 309 .
ــ[210]ــ
تبقى على حدثها وتغتسل بعد الفجر ، بل قد يُتأمّل في مشروعيّته قبل الفجر ولو بنيّة الصلاة مع قطع النظر عن كون الصلاة واجباً مشروطاً من أجل لزوم الموالاة بين هذا الغسل وبين أداء الصـلاة ، لاستمرار الدم الذي هو موجبٌ للحدث أيضاً .
وإن شئت فقل : إنّه لا دليل على مشروعيّة الغسل للصوم من حيث هو حتّى يُتكلّم في أ نّه هل يجزئ عن الغسل للصلاة أو لا ؟ فإنّ الظاهر من الصحيحة لزوم أن تعمل المستحاضة ما تعمله في غير شهر رمضان من الأغسال الثلاثة ، فلم عملت هذا العمل لم يحكم ببطلان صومها ، فلا دليل على أنّ بقاء الحدث مضرّ ليجب عليها غسل آخر .
وعليه ، فلو استحاضت بعدما صلّت العشاءين وكان الدم مستمرّاً إلى ما بعد طلوع الفجر ، ثمّ اغتسلت للصبح ، وبعده للظهرين والعشاءين ، صحّ صومها ، لما عرفت من أنّ اعتباره في الصوم إنّما هو بملاحظة الصلاة .
ثمّ إنّ المعتبر في الصوم نفس الأغسال لا صحّة الصلاة ، فلو اغتسلت للصلاة ولم تصلّ ، أو صلّت وفقدت شرطاً من شرائط الصلاة من قبيل تبديل الخرفة وما شاكل ذلك ، صح صومها ، إذ لم يظهر من الصحيحة لزوم الإتيان بجميع أعمال المستحاضة ، بل خصوص الغسل منها كما عرفت .
ثم إنّ هذا كلّه بالنسبة إلى شهر رمضان .
وأمّا غيره من الواجب مطلقاً ـ حتّى القضاء والمندوب ـ فلا دليل على اعتبار الغسل فيه ، لاختصاص النصّ بالأوّل ، وقد عرفت عدم جواز التعدّي إلاّ فيما كان مأخوذاً في ماهيّة الصوم لا في حصّة خاصّة ، فالمرجع في غيره إطلاق حصر النواقض مضافاً إلى أصل البراءة .
|