ــ[214]ــ
[ 2434 ] مسألة 51 : إذا كان المجنب ممّن لا يتمكّن من الغسل لفقد الماء أو لغيره من أسباب التيمّم وجب عليه التيمّم (1) ، فإن تركه بطل صومه . وكذا لو كان متمكناً من الغسل وتركه ((1)) حتّى ضاق الوقت .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكنّه ـ كما ترى ـ لا شهادة فيه على أولويّة الحائض من الجنب في كلّ حكم ثبت له . ولعلّ النظر في الأعظميّة إلى بعض الأحكام الثابتة للحائض دون الجنب ، كحرمة الوطء وعدم صحّة الطلاق ونحو ذلك ، أو لأجل أنّ الحائض لمكان تلوّثها بالدم تكون القذارة العرفيّة فيها أعظم من الجنب .
وكيفما كان ، فلا دلالة فيها على أولويّة الحائض من الجنب في كلّ حكم ثبت له كما لا يخفى .
(1) هذه هي المسألة التي أشرنا إليها قريباً عند قول الماتن : وأمّا لو وسع التيمّم خاصّة ، إلخ(2) ، وقلنا : إنّ الماتن سيتعرّض إليها وأنّها غير تلك المسألة ، فإنّ المبحوث عنه هناك مشروعيّة التيمّم لدى التعجيز الاختياري وأنّ ضيق الوقت هل هو من مسوّغات التيمّم في باب الصوم كما هو كذلك في باب الصلاة ، أو لا ؟
وأمّا في المقام فمحلّ الكلام هو أنّ من كان فاقداً للماء بطبعه ـ إمّا تكويناً كمن كان في بَرٍّ قفر ، أو تشريعاً بحيث لا يتمكّن من استعمال الماء كالكسـير والجريح ونحوهما ممّن يضرّه الاغتسال ولا يضرّه الصوم ، وهم بطبيعة الحال أفرادٌ كثيرون ـ لو أجنب هذا الفاقد ليلا في شهر رمضان ، فهل يصحّ منه التيمّم لأجل الصوم ؟
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يعني يجب عليه التيمّم فإن تركه بطل صومه .
(2) راجع ص 198 .
ــ[215]ــ
المشهور ذلك ، ونُسِب إلى بعضهم الاستشكال فيه ، بل عن بعض التصريح بالمنع ، لخلّو النصوص عن التيمّم لأجل الصوم رأساً .
والظاهر أنّ المسألة مبنيّة على أنّ المانع عن صحّة الصوم هل هو الجنابة بنفسها ، أو أ نّه حدث الجنابة ؟ ثمّ إنّ التيمّم هل هو رافع ، أو مبيح ؟ ونعني بالرفع الرفع المؤقّت المحدود بزمان ارتفاع العذر والتمكّن من الاغتسال ، فتعود الجنابة حينئذ بنفس السبب السابق لا بموجب جديد .
فبناءً على أنّ المانع هو نفس الجنابة التي هي أمر واقعي أو اعتباري ، لا حدثها المتفرّع عليها ، واختيار أنّ التيمّم مبيح لا رافع ، لم يبق عندئذ موقع للتيمّم ، إذ ليس شأنه الرفع على الفرض ، فالجنابة التي هي المانع عن صحّة الصوم باقية على حالها وغير مرتفعة بالتيمّم ، وعليه ، فأيّ فائدة تترتّب على التيمّم والحال هذه ؟! بل يصبح حينئذ لغواً محضاً .
وأمّا على القول بأنّ المانع هو حدث الجنابة لا نفسها ، أو أنّ التيمّم رافع ، صحّ التيمّم حينئذ وترتّب عليه الأثر . أمّا على الثاني فظاهر ، وكذا على الأوّل ، فإنّ معنى كون التيمّم مبيحاً أ نّه يستباح به الدخول فيما هو مشروط بالطهارة ، ومرجع مانعيّة الحدث إلى اشتراط الطهارة كما لا يخفى .
هذا ، وقد تقدّم في كتاب الطهارة في مبحث التيمّم ـ بعد تحرير محلّ النزاع وتحليل معنى الرفع والإباحة ـ أنّ الأظهر أنّ التيمّم رافع ، لكن لحدث الجنابة لا لنفسها ، فهو جنب متطهّر ، وقد استشهدنا عليه باُمور منها اطلاق الجنب على إمام أمّ القوم متيمّماً في موثّقة ابن بكير(1) وغيرها، وتمام الكلام في محلّه(2) .
إنّما المهمّ هنا تحقيق أنّ المانع هل هو الجنابة بنفسها ، أو أ نّه حدثها كي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 327 / أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 3 .
(2) شرح العروة 10 : 401 .
ــ[216]ــ
يكون التيمّم هنا مشروعاً على الثاني دون الأوّل حسبما عرفت ؟
مقتضى الجمـود على ظواهر النصوص هو الأوّل ، وأنّ المعتبر في صحّة الصوم عدم البقاء على الجنابة نفسها دون الحدث المتفرّع عليها ، لإناطة الحكم في كثير منها بذات الجنابة كما لا يخفى على من لاحظها .
هذا ، ومقتضى الإطلاق فيها أنّ المعتبر في الصحّة هو الخلوّ من الجنابة مطلقاً، من غير فرق بين حالتي التمكّن من رفعها بالاغتسال وعدمه ، فهو شرط في الصحّة حتّى مع فقد الماء أو العجز عن استعماله ، إلاّ أ نّه لا بدّ من تقييدها بحال التمكّن ، للضرورة والسيرة القطعيّة القائمة على عدم سقوط الصوم عن هؤلاء العاجزين وهم كثيرون كما عرفت ، فلا تكون الجنابة مانعة إلاّ في ظرف التمكّن من استعمال الماء ، ولم يعتبر عدمها في ظرف العجز .
وقد يقال : إنّ ارتكاب التقييد في هذه النصوص مخالفٌ للظهور ، فإنّه على خلاف الأصل ، والإطلاق غير ممكن الأخذ ، لما ذُكِر ، فلا مناص من اختيار أنّ المانع هو حدث الجنابة مطلقاً ـ لا نفسها ـ المرتفع بالتيمّم بالمعنى المجامع للقول بالاباحة كما مرّ .
ويندفع : بعدم الضير في الالتزام بمثل هذا التقييد ، إذ ليس المانع بمقتضى النصوص إلاّ تعمّد البقاء على الجنابة لا نفس البقاء ، ومن الواضح أنّ التعمّد لا يتحقّق إلاّ مع التمكّن من الاغتسال ، أمّا العاجز فهو مجبور على البقاء ، ومثله لا يكون من المتعمّد بوجه ، فالنصوص بأنفسها تستوجب مثل هذا التقييد ، ومعه لا يكون الالتزام به مخالفاً للظهور .
والتحقيق : أنّ المانع إنّما هو حدث الجنابة لا نفسها ، وذلك من أجل مناسبة الحكم والموضوع ، و ما هو المرتكز في أذهان المتشرّعة والسيرة القائمة منهم على قيام التيمّم مقام الطهارة المائيّة في كلّ مورد طرأ العجز عنها الذي منه
|