ــ[219]ــ
[ 2438 ] مسألة 55 : من كان جنباً في شهر رمضان في الليل لا يجوز له أن ينام قبل الاغتسال إذا علم أ نّه لا يستيقظ قبل الفجر للاغتسال(1) ، ولو نام واستمرّ إلى الفجر لحقه حكم البقاء متعمّداً فيجب عليه القضاء والكفّارة .
وأمّا إن احتمل الاستيقاظ جاز له النوم وإن كان من النوم الثاني أو الثالث أو الأزيد ، فلا يكون نومه حراماً ((1)) وإن كان الأحوط ترك النوم الثاني فما زاد وإن اتّفق استمراره إلى الفجر ، غاية الأمر وجوب القضاء ، أو مع الكفّارة في بعض الصور كما سيتبيّن .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويندفع : بأنّ المستند لو كان منحصراً في تلك الصحيحة لكان لما ذكر وجه، إلاّ أنّ صحيحته الاُخرى كافية في إثبات الإطلاق ، حيث قال (عليه السلام): «لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره»(2)، فإنّ إطلاق الغير يشـمل الغد وغيره ، فهي غير قاصرة الشمول للمضيّق ، فالأقوى سريان الحكم لمطلق القضاء .
(1) قد يُفرض الكلام في صورة العلم بعدم الاستيقاظ ، واُخرى في صورة الشكّ واحتمال الاستيقاظ .
أمّا الاُولى : فلا إشكال في حرمة النوم حينئذ ولزوم القضاء والكفّارة لو استمرّ إلى الفجر ، لكونه الفرد الظاهر من مصاديق البقاء على الجنابة عامداً ، إذ لا يعتبر في صدق العمد الاستيقاظ ، ولا يكون النوم عذراً مع العلم المزبور بالضرورة ، بل أنّ أكثر نصوص البقاء عامداً موردها النوم وأ نّه أجنب ثمّ نام
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لأنّ الحرام ، إنّما هو عنوان تعمّد البقاء على الجنابة ومع الشكّ في الاستيقاظ واحتماله إذا نام واستمرّ إلى الفجر اتّفاقاً فلا يصدق عليه عنوان التعمّد ، وبما أنّ موضوع الحكم هذا العنوان فلا أثر للاستصحاب أيضاً حيث إنّه لا يثبت ذلك العنوان .
ــ[220]ــ
متعمّداً ، كما في صحيحة الحلبي(1) وغيرها .
وأمّا الثانية ـ أعني : النوم مع احتمال الاستيقاظ ـ فيقع الكلام فعلا في حكمه التكليفي وأ نّه حرام أو لا ، وأمّا الوضعي ـ أعني : القضاء أو الكفّارة ـ فسيأتي التعرّض له في المسألة الآتية إن شاء الله تعالى .
أمّا إذا كان معتاد الانتباه فلا ينبغي التأمّل في الجواز ، لكونه ممّن يطمئن بالاستيقاظ . وأمّا مع عدمه فالمشهور هو الجواز مطلقاً ، للأصل .
وعن جماعة : المنع مطلقاً ، وقد يُستدلّ له برواية إبراهيم بن عبدالحميد عن بعض مواليه ، قال : سألته عن احتلام الصائم ـ إلى أن قال ـ : «إن أجنب ليلا في شهر رمضان فلا ينام إلاّ ساعة حتّى يغتسل» إلخ(2) .
وفيه : أنّها على تقدير تسليم دلالتها ضعيفة السند بالإرسال .
وربّما يفصل بين النومة الاُولى فيجوز دون الثانية . ويُستدلّ له بصحيحة معاوية بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يجنب في أوّل الليل ثمّ ينام حتّى يصبح في شهر رمضان «قال: ليس عليه شيء» قلت: فإنّه استيقظ ثمّ نام حتّى أصبح: «قال: فليقض ذلك اليوم عقوبة»(3).
فإنّ تعليل القضاء في النومة الثانية : بالعقوبة كاشفٌ عن الحرمة .
ويندفع : بأنّ العقوبة المستلزمة للحرمة هي العقوبة الاُخرويّة دون الدنيويّة كما في المقام ، فإنّ القضاء ـ كجريمة شُرِّعت في حقّه ـ جزاءٌ لتوانيه ومسامحته في الغسل ، كما ورد نظيره في نسيان النجاسة وأنّ من صلّى في النجس ناسياً أعاد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 63 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 1 .
(2) الوسائل 10 : 64 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 4 .
(3) الوسائل 10 : 61 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 1 .
ــ[221]ــ
[ 2439 ] مسألة 56 : نوم الجنب في شهر رمضان في الليل مع احتمال الاستيقاظ أو العلم به إذا اتّفق استمراره إلى طلوع الفجر على أقسام (1) : فإنّه إمّا أن يكون مع العزم على ترك الغسل ، وإمّا أن يكون مع التردّد في الغسل وعدمه ، و إمّا أن يكون مع الذهول والغفلة عن الغسل ، وإمّا أن يكون مع البناء على الاغتسال حين الاستيقاظ مع اتّفاق الاستمرار .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النجس ناسـياً أعاد صلاته عقوبةً ، مع أنّ الصلاة في النجس ليست بمحرّم جزماً .
هذا ، والصحيح حرمة النوم مطلقاً ، لأنّ النوم المحتمل فيه عدم الاستيقاظ محكومٌ بالاستمرار إلى الفجر بمقتضى الاستصحاب ، فهذا نوم مستمرّ إلى الصباح تعبّداً ، وقد صدر باختياره فهو عامد إليه ، فيندرج تحت النصوص المتضمّنة : أنّ من تعمّد النوم إلى الفجر وهو جنب قد أبطل صومه وعليه القضاء والكفّارة ويستغفر ربّه .
(1) قسّمه (قدس سره) إلى أقسام أربعة :
إذ تارةً : ينام مع العزم على ترك الغسل ، كما هو الحال في الفسقة والفجرة غير المعتنين بأمر الدين .
واُخرى : مع التردّد في الغسل وعدمه ، لأجل برودة الهواء وتثاقله في تسخين الماء ونحو ذلك ممّا لا يصل إلى حدّ العذر الشرعي .
وثالثةً : مع الذهول والغفلة عن الغسل بالكلّيّة ، كما لو كان أوّل ليلة من رمضان ـ مثلا ـ وكان غافلا عن الصيام ولأجله ذهل عن الاغتسال ، وكانت عادته الغسل بعد طلوع الفجر .
ــ[222]ــ
فإن كان مع العزم على ترك الغسل (1) أو مع التردّد فيه لحقه حكم تعمّد البقاء جنباً ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورابعةً : مع العزم على الاغتسال حين الاستيقاظ ، فاتّفق استمرار النوم إلى ما بعد الفجر .
(1) أمّا القسم الأوّل : فلا إشكال كما لا خلاف في كونه من تعمّد البقاء على الجنابة ، بل هو الفرد الظاهر منه ، إذ لا فرق في صدق التعمّد والاستناد إلى الاختيار بين أن يبقى حال العزم على ترك الغسل نائماً أو مستيقظاً ، ولا يكون النوم مع العزم المزبور عذراً له بوجه كما هو ظاهر ، بل أنّ مورد أكثر نصوص العمد هو النوم كما تقدّم (1) .
وأمّا القسم الثاني : فالظاهر إلحاقه بالعمد في بطلان الصوم، لاستلزام الترديد فقد النيّة ، فإنّ الصوم عبارة عن الإمساك عن المفطرات ـ التي منها تعمّد البقاء على الجنابة ـ عن نيّة ، ومن الواضح عدم تحقّق هذه النيّة مع التردّد في الغسل ، إذ هو مستلزم للتردّد في البقاء متعمّداً ، المستلزم للتردّد في الصوم المأمور به ، ومعه كيف تتمشّى منه النيّة ؟! فإنّ النية متقوّمة بالعزم والجزم المنافيين للترديد كما هو ظاهر ، فلا مناص من البطلان ووجوب القضاء .
وهل يلحق به في الكفّارة أيضاً ؟
الظاهر : نعم ، لصدق العمد في ترك الغسل حقيقةً لو بقي على تردّده إلى أن طلع الفجر ، إذ لا يعتبر في صدقه القصد إلى الترك ، بل يكفي فيه عدم القصد إلى
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 186 ـ 187 .
ــ[223]ــ
بل الأحوط ذلك إن كان مع الغفلة والذهول أيضاً (1) ، وإن كان الأقوى ((1)) لحوقه بالقسم الأخير .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفعل إلى أن مضى الوقت ، نظير من تردّد في عمل ـ كالسفر إلى الحجّ مثلا ـ واستمرّ في ترديده إلى أن فات الوقت ، فإنّه يصدق في حقّه أ نّه ترك الحجّ متعمّداً ، إذ يكفي في استناد الترك إلى الاختيار والعمد عدم نيّة الفعل ، ولا يلزم فيه نيّة الترك كما عرفت .
وعليه ، فيندرج المقام في نصوص العمد المتضمّنة للكفّارة من صحيحة أبي بصير(2) وغـيرها ، لصـدق أ نّه ترك الغسـل متعمّداً حتّى أصـبح كما ورد في الصحيحة .
(1) وأمّا القسم الثالث : فظاهر عبارة الماتن (قدس سره) إلحاقة بالأولين في القضاء والكفّارة احتـياطاً ، وإن ذكر (قدس سره) أنّ الأقوى لحوقه بالقسم الأخير .
والظاهر هو التفصيل في المسألة ، فإنّ الإلحاق في الكـفّارة لا وجه له أبداً حتّى من باب الاحتياط ، إذ الذاهل ليس من العامد في شيء ، ولم يصدر منه تقصير كي يحتاج إلى التكفير .
وأمّا القضـاء فالظاهر ثبوته في حقّـه ، إذ الذهـول والغفلـة لا ينفكّان عن النسيان ، لأ نّه علم بالجنابة حينما يجامع ، أو حينما انتبه عن نومة الاحتلام ثمّ طرأ عليه الذهول والغفلة فهو مسبوق بالعلم دائماً ، ولا نعني بالنسيان إلاّ هذا .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فيه تفصيل يأتي .
(2) المتقدمة في ص 186 .
|