ــ[241]ــ
التاسع من المفطرات : الحقنة بالمائع(1) ولو مع الاضطرار إليها لرفع المرض ، ولا بأس بالجامد وإن كان الأحوط إجتنابه أيضاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإنّ موردها وإن كان هو الأكل والشرب إلاّ أ نّه يستفاد من التعليل المذكور في الذيل المتعقّب بالتفريع بقوله : «فعليه الإعادة» أنّ علّة الحكم بالإعادة البدأة بالأكل قبل النظر . فيعلم من ذلك أنّ المبادرة إلى ارتكاب المفطر أىّ ما كان ـ إذ لا يحتمل خصوصيّة للأكل ـ قبل الفحص والنظر موجب للبطلان والقضاء.
وأظهر منها موثّقـة إبراهيم بن مهزيار الواردة في محلّ الكلام ـ أعني : الإجناب ـ قال: كتب الخليل بن هاشم إلى أبي الحسن (عليه السلام) : رجل سمع الوطء(1) والنداء في شهر رمضان فظنّ أنّ النداء للسحور فجامع وخرج فإذا الصبح قد أسفر ، فكتب بخطّه «يقضي ذلك اليوم إن شاء الله تعالى»(2) .
فإنّها واضحة الدلالة على المطلوب ، حيث إنّه جامع من غير أن يفحص عن الفجر وينظر إليه .
وأمّا من حيث السند: فإبراهيم بن مهزيار ـ الذي هو أخو علي بن مهزيار ـ وإن كان مجهولا في كتب الرجال ـ وقد ذُكِر لتوثيقه وجوهٌ عديدة كلّها مزيّفة كما نبّهنا عليها في المعجم(3) ـ إلاّ أنّ الرجل مذكور في أسانيد كامل الزيارات ، ولأجله يُحكم بوثاقته وصحّة الرواية .
(1) استقصاء الكلام في المقام يستدعي التكلّم في جهات :
الاُولى : لا إشكال كما لا خلاف في حرمة الاحتقان بالنسبة إلى الصائم ، ولم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أي وطء الأقدام ومشيها .
(2) الوسائل 10 : 115 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 44 ح 2 .
(3) معجم رجال الحديث 1 : 277 / 318 .
ــ[242]ــ
يُنسَب الخلاف إلاّ إلى ابن الجنيد، حيث حُكي عنه استحباب الاجتناب عنه(1) ، ولعلّه لما ورد من عدم البأس في استدخال الصائم الدواء(2) ، ولكنّه مطلق يشمل الاستدخال بالاحتقان وغيره ، فهو قابل للتقييد بالنصوص الآتية الصريحة في المنع عن الاحتقان كما ستعرف .
الثانية : هل يختصّ المنع بالمائع أو يعمّ الجامد أيضاً ؟
نُسِب الأوّل إلى المشهور . وعن المحقّق في المعتبر والعلاّمة في المختلف وصاحب المدارك التصريح بالتعميم(3) . وأطلق القول بعدم الجواز جماعة كالمفيد والصدوق والسيّد(4) وغيرهم ، وإن كان لا يبعد انصراف الاطلاق في كلامهم إلى المائع.
وكيفـما كان ، فيدلّ على أصل الحـكم ـ أعني : حرمة الاحـتقان ـ وعلى اختصاصه بالمائع صحيحة ابن أبي نصر : عن الرجل يحتقن تكون به العلّة في شهر رمضان «فقال : الصائم لا يجوز له أن يحتقن»(5) .
فإنّ الإحتقان ظاهر بحكم الانصراف في المائع ، وعلى تقدير الإطلاق وشموله الجامد فهو مقـيَّد بموثّقة الحسن بن فضّال ، قال : كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام): ما تقول في اللّطف يستدخله الإنسان وهو صائم؟ فكتب (عليه السلام) : «لا بأس بالجامد»(6) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جواهر الكلام 16 : 274 .
(2) الوسائل 10 : 41 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 1 .
(3) المعتبر 2 : 679 ، لاحظ المختلف 3 : 292 ، المدارك 6 : 64 .
(4) المقنعة: 344، المقنع: 191، لاحظ جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 54.
(5) الوسائل 10 : 42 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 4 .
(6) الوسائل 10 : 41 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 2 ، الكافي 4 : 110 / 6 ، التهذيب 4 : 204 / 590 ، الاستبصار 2 : 83 / 257 .
ــ[243]ــ
وفي رواية الشيخ: في التلطّف من الأشياف ، فإنّها صريحة في الجواز في الجامد ، فيقيّد بها إطلاق الصحيح لو كان ثمّة إطلاق .
ثمّ إنّ هذه الرواية مرويّة بطريقين :
أحدهما : طريق الشيخ بإسناده المعتبر عن أحمد بن محمّد ـ الذي يدور أمره بين أحمد بن محمّد بن خالد البرقي وأحمد بن محمّد بن عيسى ، وكلاهما ثقة ـ وهو يروي عن علي بن الحسن بن فضّال ، عن أبيه ـ وهما أيضاً ثقتان ـ عن أبي الحسن (عليه السلام) ، والطريق معتبر .
ثانيهما : طريق الكليني ، وهو مارواه عن شيخه أحمد بن محمّد ، وهذا غير أحمد بن محمّد الذي كان في طريق الشيخ ، فإنّ هذا هو شيخ الكليني ـ ويدور أمره بين أحمد بن محمّد بن سعيد المعروف بابن عقدة ، وبين أحمد بن محمد بن عاصم الكوفي ، وكلاهما ثقة ـ وهو يروي عن علي بن الحسين ـ كما في الكافي ، وما في الوسـائل من ذكر الحسن وجعل الحسين نسخة اُخرى في غير محلّه ـ وهذا مجهول ، وهو يروي عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب عن أبيه ، وأبوه مهمل . فظهر أنّ هذا الطريق غير الطريق الأول ، فإنّ أحمد بن محمد هناك غيره هنا ، والواسطة بينه وبين الإمام في الأوّل رجلان كلاهما ثقة ، وهنا ثلاثة وفيهم المجهول والمهمل ، فهذا الطريق ضعيف لا محالة .
فما ذكره المحقّق الهمداني (قدس سره) من التعبير عن الرواية بموثّقة الحسن ابن فضّال المرويّة عن الكافي(1) في غير محـلّه ، لما عرفـت من أنّ ما رواه في الكافي ليس بموثّقة ولا مرويّة عن ابن فضال ، وأنّ موثّقة ابن فضّال إنّما رواها الشيخ .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الفقيه 14 : 443 .
ــ[244]ــ
هذا ، ولكن ذكر في الوافي رواية الكليني على طبق رواية الشيخ وبعين ذلك السند ، وذكر أنّ في بعض النسخ روايته بسند آخر وهو الذي ذكرناه ، ورجحّ هو (قدس سره) تلك النسخة الموافقة للتهذيبين(1) .
وما ذكره (قدس سره) حسن ، لأ نّه إذا كانت نسخ الكافي مختلفة وكانت الرواية موجودة في التهذيب يستكشف من ذلك أنّ الصحيح هو ما كان موافقاً للتهذيب . إذن فالرواية رواية واحدة رواها الشيخ (قدس سره) ورواها الكليني (قدس سره) أيضاً ، ويتمّ ما عبّر به المحقق الهمداني (قدس سره) .
الثالثة : قد عرفت حرمة الاحتقان بالمائع بمقتضى الصحيحة ، فهل يستوجب ذلك البطلان وفساد الصوم فيجب قضاؤه ، أو أنّ الحرمة تكليفيّة محضة ، كما عن ابن إدريس والمحقّق في المعتبر والشيخ في جملة من كتبه ، وقوّاه صاحب المدارك ، وتردّد فيه المحقّق في الشرائع(2) ؟
والأظهر: الأوّل، لظهور النهي في باب المركّبات كالأمر في الإرشاد إلى المانعيّة أو الجزئيّة أو الشرطيّة ، نظير النهي عن لبس ما لا يؤكل في الصلاة ، فينقلب الظهور الأوّلي إلى ظهور ثانوي ، فقوله (عليه السلام) في الصحيح : «لا يجوز» إلخ ، أو البأس المسـتفاد من مفهوم الموثّق ـ بالمعنى الذي نقول به في مفهـوم الوصف ـ ظاهرٌ في البطلان والفساد كما هو الحال في سائر المركّبات الارتباطيّة .
بل الظاهر وجوب الكفّارة أيضاً ، لاندراجه فيمن أفطر متعمّداً كما مال إليه في الجواهر(3) ، لو لم ينعقد إجماع على عدمه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوافي 11 : 182 / 10642 .
(2) السرائر 1 : 378 ، المعتبر 2 : 659، 679، الاستبصار 2 : 84 والنهاية: 156 ، المدارك 6 : 64 .
(3) الجواهر 16 : 274 .
ــ[245]ــ
[ 2450 ] مسألة 67 : إذا احتقن بالمائع لكن لم يصعد إلى الجوف بل كان بمجرّد الدخول في الدّبر فلا يبعد عدم كونه مفطراً(1)، وإن كان الأحوط تركه .
[ 2451 ] مسألة 68 : الظاهر جواز الاحتقان بما يُشَكّ في كونه جامداً أو مائعاً(2) ، وإن كان الأحوط تركه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وما عن المحقّق الهمداني (قدس سره) من منع الاندراج ، لانصراف الإفطار إلى الأكل والشرب فلا كفّارة فيما عداهما إلاّ إذا قام الدليل عليه بالخصوص كالجماع ونحوه ، ولا يكون مطلق إفساد الصوم إفطاراً ، ولذا لا يقال لمن أفسد صـومه برياء أو بعدم النيّة أو بنيّة القاطع ونحو ذلك أ نّه أفطر، فلا يكون الاحتقان مفطراً كي يوجب الكفّارة وإن أوجب البطلان كما مرّ(1) .
في غير محلّـه ، فإنّ الإفطار يقابل الصوم ويناقضـه ، فكلّما وجب الصوم والإمسـاك عنه ـ ومنه الاحتقان ـ فارتكابه إفطار ، ولا نعرف أيّ وجه للتخصيص بالأكل والشرب .
هذا ، ولا فرق في مفطريّة الحقنة بين الاختيار والاضطرار لمعالجة مرض ، لاطلاق الدليل ، بل ظاهر النصّ هو الثاني كما لا يخفى .
(1) بل هو الظاهر ، فإنّ الدخول في حواشي الدبر وأوائل المدخل من غير صعود إلى الجوف لا يعدّ من الاحتقان عرفاً ، لانصراف اللفظ عنه ، فلا يشمله النص .
(2) كالدبس الغليظ ـ مثلا ـ فإنّه يُشَكّ في تعلّق التكليف بالاجتناب عنه ، ومقتضى الأصل عدمه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الفقيه 14 : 445 .
ــ[246]ــ
ولكن هذا مبني على انصراف الاحتقان إلى المائع وأنّ الجامد ليس من الاحـتقان في شيء كما هو الصحيح حسبما عرفت ، إذ عليه يُشَكّ في صدق الاحتقان على استعمال هذا الموجود الخارجي وأنّه حرامٌ ومفسدٌ للصوم أم لا ، والمرجع في مثله من الشبهة البدوية التحريميّة هو البراءة كما هو ظاهر .
وأمّا على المبنى الآخر وأنّ الاحتقان في حدّ نفسه يعمّ المائع والجامد وقد خرجنا عن الاطلاق بما دلّ على عدم البأس في استعمال الجامد كموثّقة ابن فضّال المتقدّمة(1) ، وقيّدنا الإطلاق بالموثّقة ، ولولاها لقلنا بالبطلان مطلقاً . فبناءً على هذا المبنى يجب الاجتناب عن المشكوك فيه ولا يجوز استعماله ، نظراً إلى ما هو الصحيح ـ على ما بيّناه في الاُصول(2) ـ من أنّ المخصّص إذا كان عنواناً وجوديّاً فالباقي تحت العامّ أو المطلق بعد التخصيص أو التقييد هو ما لم يكن بذاك العنوان الخاصّ ، فهو معنون بعنوان وجودي بل بعنوان عدمي ، وعليه فالباقي تحت العامّ في المقام بعد إخراج الجامد هو كلّ احتقان لا يكون بجامد، لا الاحتقان المعنون بكونه بالمائع، فالموضوع للبطلان مركّب من جزئين : الاحتقان ، وأن لايكون جامداً . والأوّل محرَز بالوجدان ، والثانيّ بأصالة عدم كونه جامداً ولو بأصل العدم الأزلي ، فيلتئم الموضوع ويترتّب الحكم من الحرمة والبطلان ، ولا يعارَض بأصالة عدم كونه مائعاً ، لعدم ترتّب الأثر عليه حسبما عرفت ، إذ ليس المائع موضوعاً للحكم ، وإنّما الموضوع هو الجامد .
وعلى الجملة : فما ذكره (قدس سره) مبني على إنصراف الاحتقان في نفسه الى المائع . وأمّا إذا كان بإطلاقه يشمل الجامد وقد خرج عنه بدليل خارجي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 242 .
(2) محاضرات في اُصول الفقه 5 : 207 ـ 208 .
|