ــ[247]ــ
العاشر : تعمّد القيء وإن كان للضرورة(1) من رفع مرض أو نحوه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منفصل ، فبما أنّ القيد أمر وجودي فلدى الشكّ مقتضى الأصل عدمه ، وبه يُحرَز أنّ هذا احتقان بما ليس بجامد ، فلا يجوز .
(1) المعروف والمشهور أنّ تعمّد القيء مفسد للصوم .
وخالف فيه ابن ادريس فزعم أ نّه حرامٌ تكليفاً فقط(1) .
وعن السيّد المرتضى (قدس سره) : نسبة الكراهة إلى الفقهاء وأ نّه ينقص الصوم(2) .
وهذان القـولان لا نعرف لهما أيّ مسـتند ، إذ لم يرد في شيء من الأخبار ـ حتّى الضعيفة ـ النهي كي يُؤخذ بظاهره من التحريم أو يُحمَل على الكراهة ، بل الوارد فيها التصريح بالقضاء ونحوه ممّا هو صريح في البطلان ، فإمّا أن يُعمَل بهذه الأخبار ـ ولا بدّ أن يُعمَل بها ، فإنّها روايات مسـتفيضة فيها الصحيح والموثّق ـ فلا بدّ من الحكم بالبطلان عندئذ ، أو لا يُعمَل بها بزعم أنّها أخبار آحاد كما يراه ابن إدريس ، فلا دليل حينئذ على الحرمة أو الكراهة أيضاً كما لا يخفى .
وعلى الجملة : فلا ينبغي التأمل في الحكم بالبطـلان ، لجملة من الروايات المعتبرة ، التي منها صحيحة الحلبي : «إذا تقيّأ الصائم فقد أفطر ، وإن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه»(3) .
وصحيحته الاُخرى : «إذا تقيّأ الصائم فعليه قضاء ذلك اليوم ، وإن ذرعه من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) السرائر 1 : 387 .
(2) جمل العلم والعمل (ضمن رسائل الشريف المرتضى 3) : 54 .
(3) الوسائل 10 : 86 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 1 .
ــ[248]ــ
غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه»(1) .
وموثّقة سماعة : «إن كان شيء يبدره فلا بأس ، وإن كان شيء يُكرِه نفسه عليه فقد أفطر وعليه القضاء»(2) ، ونحوها موثّقة مسعدة بن صدقة(3) وغيرها .
وبإزائها صحيحة عبدالله بن ميمون: «ثلاثة لايفطرن الصائم: القيء، والاحتلام، والحجامة»(4).
ولكنّها ـ كمّا ترى ـ لا تعارض الصحاح المتقدّمة بوجه ، لأنّ هذه مطلقة من حيث كون القيء اختياريّاً أو غير اختياري، وقد نطقت تلك النصوص بالتفصيل بين العمد وغيره ، وأنّه إن ذرعه أو كان شيء يبدره فلا بأس به ، وإنّما القادح هو التقـيّؤ وما يُكرِه نفسـه عليه دون القيء ، فتكون مقـيّدة لإطلاق هذه الصـحيحة ، وأنّ المراد منها هو القيء غير الاختياري ـ كالاحتلام الذي هو جنابة غير اختياريّة ـ فهو الذي لا يبطل دون غيره .
يبقى الكلام في الكفّارة، ولم يتعرّض لها الماتن هنا ولا في الاحتقان مع تعرّضه لها في سائر المفطرات المتقدّمة ، وإنّما تعرّض لذلك في فصل مستقلّ يأتي فيما بعد إن شاء الله تعالى، وقد ذكر هناك: أنّ ما ذكرناه من المفطرات توجب الكفّارة أيضاً إذا كانت عن عمد حتّى الاحتقان والقيء(5).
وهذا القول ـ أعني : وجوب الكفّارة فيهما ـ شاذّ ، والمشهور عدم الوجوب ، بل ربّما يقال : إنّه إجماعي ، فإن تمّ الإجماع القطعي التعبّدي الكاشف عن قول المعصـوم (عليه السلام) ـ ودون إثباته خرط القتاد ـ فهو ، ونلتزم من أجله بالقضاء فقط كما اقتصر عليه في نصوصهما ، وإلاّ ـ كما هو الصحيح ـ فالظاهر
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ، (2) الوسائل 10 : 87 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 3 ، 5 .
(3) ، (4) الوسائل 10 : 88 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 6 ، 8 .
(5) في ص 305 .
ــ[249]ــ
وجوب الكفّارة أيضاً كما ستعرف .
هذا وقد أصرّ المحقّق الهمداني (قدس سره) على عدم وجوب الكفّارة(1) ، ونسب إلى صاحب الجواهر أ نّه أفتى به في نجاة العباد(2) وإن مال إلى الوجوب في الجواهر(3) ، نظراً إلى اطلاق قوله (عليه السلام) : من أفطر متعمّداً فعليه الكفّارة .
والوجه في ذهابه إلى عدم الوجوب أمران :
أحدهما : دعوى انصراف الإفطار الوارد في النصّ المزبور إلى الأكل والشرب دون غيرهما ممّا يبطل الصوم ، إلاّ إذا قام الدليل بالخصوص على ثبوت الكفّارة فيه ، مثل: الجماع والبقاء على الجنابة ونحوهما ممّا مرّ ، وإلاّ فغيرهما غير مشمول لإطلاق النصّ ، وحيث لا دليل على الكفّارة في القيء ولا الاحتقان والمفروض انصراف النصّ عنهما فلأجله يُحكَم بالعدم .
وجوابه ظهر ممّا مرّ ، حيث عرفت أنّ الصوم والإفطار ضدّان لا ثالث لهما ، فكلّ من ليس بصـائم فهو مفطر لا محالة . نعم ، قد يكون صائماً بصوم غير صحيح ، إمّا لعدم النيّة أو لأجل الرياء ، أو لأنّه نوى المفطر ولم يستعمله ، ونحو ذلك ، فهو ليس بمفطر بل هو صائم وإن كان صومه فاسداً لأحد هذه الاُمور .
وعلى الجملة : فساد الصوم شيء وعدمه شيء آخر ، وحيث لا واسطة بين الصوم والإفطار فغير الصائم مفطر بطبيعة الحال ، إذ كلّما اعتُبِر عدمه في الصوم فإذا ارتكبه الشخص فهو ليس بصائم .
ولا وجه للاختصاص بالأكل والشرب ، لوضوح أنّ الصوم ليس هو الإمساك
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الفقيه 14 : 513 .
(2) مستمسك العروة الوثقى 8 : 340 .
(3) لاحظ الجواهر 16 : 287 ـ 288 .
ــ[250]ــ
عنهما فقط ، ولذا عبّر هنا وفي روايات الاحتقان بقوله «فقد أفطر» ومع هذا الإطلاق كيف يمكن القول بأنّه صائم أو غير مفطر ؟!
وحملُ الإفطار على معنى آخر كوجوب القضاء ـ كما ذكره الهمداني (قدس سره)(1) ـ بعيدٌ جدّاً وخروجٌ عن ظاهر اللفظ من غير شاهد .
فإذا تحقّقت الصغرى وأ نّه قد أفطر بمقتضى التصريح به في هذه النصوص ضُمّت إليها الكبرى ، وهي أنّ من أفطر فعليه الكفّارة كما ذكر في النصّ المتقدّم ، ونتيجته الحكم بالكفّارة .
ثانيهما : ما ذكره في الجواهر من أنّ الاقتصار في الأخبار على القضاء وعدم التعرّض للكفارة في شيء منها مع كونه (عليه السلام) في مقام البيان فيه شهادة على عدم الوجوب ، وإلاّ لاُشير إليها ولو في بعضها ، بل ذكر (قدس سره) أنّ ذلك كالصريح في العدم(2) .
وفيه : أنّ السكوت في مقام البيان وإن كان ظاهراً في عدم الوجوب كما ذكر ، إلاّ أ نّه لا يتجاوز عن كونه ظهوراً إطلاقيّاً قابلا للتقييد كسائر المطلقات ، وكفى بالنصّ المزبور الوارد على سبيل العموم مقيّداً . وقد تقدّم في نصوص البقاء على الجنابة ما تضمّن القضاء فقط ، ولم يذكر فيه الكفّارة مع كونه (عليه السلام) في مقام البـيان ، فكما أنّ ذلك الإطلاق يقيَّد بالنصوص الاُخر المصرّحة بلزوم الكـفّارة هناك فكذا في المـقام ، وكون التقـييد بلسان العمـوم أو الخصوص لا يستوجب فرقاً بين المسألتين كما هو ظاهر .
فتحصّل : أ نّه إن تمّ الإجماع على العدم فلا كلام ، وإلاّ فالظاهر وجوب الكفّارة في المقام وفي الاحتقان كما ذكره الماتن وغيره.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الفقيه 14 : 515 .
(2) الجواهر 16 : 287 .
ــ[251]ــ
ولابأس بما كان سهواً (1) أو من غير اختيار(2)، والمدار على الصدق العرفي(3) ، فخروج مثل النّواة أو الدُودة لا يُعدّ منه . ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لاختصاص البطلان فيه وفي غيره من سائر المفطرات بصورة العمد ، وأمّا إذا صدر ساهياً عن صومه فلا بأس به ، كما سيأتي التعرّض إليه مفصّلا في الفصل الآتي إن شاء الله تعالى(1) .
(2) فإنّ موضوع الحكم هو الفعل الاختياري المعبَّر عنه في النصوص بالتقيّؤ وإن كان ذلك لضرورة من رفع مرض ونحوه كما مرّ .
وأمّا الصادر بغير اختيار المعبَّر عنه بالقيء فلا شيء عليه ، كما صرّح بذلك في جملة من النصوص المتقدّمة المفصّلة بين ما ذرعه أو بدره ، وبين ما تقيّأ أو اُكره نفسه عليه ، كما في صحيحة الحلبي وغيرها ممّا مرّ(2) .
وعلى الثاني ـ أعني : الفعل غير الاختياري ـ حمل نفي البأس عن القيء الوارد في صحيحة عبدالله بن ميمون ، جمعاً بينها وبين نصوص المنع كما سبق .
(3) لدوران الحكم مداره في كافّة موضوعات الأحكام فخروج مثل الدرهم أو الذبابة أو النواة أو الدودة ونحوها لا يعدّ من القيء في شيء ، لانتفاء الصدق العرفي .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 267 ـ 269 .
(2) في ص 247 ـ 248 .
|