[ 2452 ] مسألة 69 : لو خرج بالتجشّؤ شيء ثمّ نزل من غير اختيار لم يكن مبطلا(4) ، و لو وصل إلى فضاء الفم فبلعه اختياراً بطل صومه وعليه
ـــــــــــــــــــــ (4) لا ريب في أنّ التجشّؤ مفهومٌ مغاير مع القيء عرفاً ، وهو المعبَّر عنه في
ــ[252]ــ
القضاء والكفّارة((1)) ، بل تجب كفّارة الجمع إذا كان حراماً من جهة خباثته أو غيرها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعض الروايات بالقلس ، وعليه ، فلا مانع من خروج شيء بسببه ، وقد دلّت عليه النصوص أيضاً ، كما لا مانع من نزوله ثانياً بغير اختيار ، وقد دلّت عليه أيضاً بعض الصحاح والموثّقات .
إنّما الكلام فيما لو وصل بالتجشّؤ شيءٌ إلى فضاء الفم ثمّ بلعه اختياراً فقد حكم الماتن (قدس سره) حينئذ بالبطلان ، نظراً إلى ما تقدّم في مفطريّة الأكل من عدم الفرق في صدقه بين ما دخل فضاء الفم من الخارج أو من الداخل كالموجود من بقايا الطعام بين الأسنان ، فإنّه يصدق الأكل والازدراد على ابتلاعه أيضاً ،فما يصعد من الجوف ويصل إلى فضاء الفم لا يجوز ابتلاعه ثانياً ، لصدق الأكل عليه ، فيشمله عموم دليل مفطريّته ، فيبطل الصوم بذلك ، بل يوجب الكفّارة أيضاً بعد فرض كونه إفطاراً عمدياً ، بل ذكر (قدس سره) أ نّه يوجب كفّارة الجمع من جهة خباثته ، فيكون من الإفطار على الحرام ، أو فرض حرمته من جهة اُخرى ، ككونه مغصوباً أو نجساً . هذا ملخّص ما أفاده (قدس سره) في المقام .
أقول : أمّا ما ذكره (قدس سره) من البطلان بل الكفّارة فتقتضيه الأدلّة الأوليّة التي دلّت على أنّ الأكل أو الشرب متعمّداً مبطلٌ للصوم وموجبٌ للكفّارة ، فما ذُكِر مطابقٌ لمقتضى القاعدة ، إلاّ أنّ صحيحة عبدالله بن سنان دلّت صريحاً على جـواز ازدراده ثانياً ، قال : سُـئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشيء من الطعام ، أيفطر ذلك ؟ «قال : لا» ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) على الأحوط فيه وفيما بعده .
ــ[253]ــ
قلت : فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه ؟ «قال : لا يفطر ذلك»(1) .
فتكون هذه الصحيحة تخصيصاً في دليل مفطريّة الأكل أو الشرب ، فإن ثبت اجماعٌ قطعي على خلاف ذلك فهو ، وإلاّ فالصحيحة لا موجب لرفع اليد عنها ، إلاّ إذا قلنا بأنّ إعراض المشهور عن الصحيح يسقطه عن الحجّيّة ، فيبتني الحكم على تلك الكبرى ، وإلاّ فتحصيل الجزم بكون مضمونها على خلاف الإجماع بالنسبة إليه مشكلٌ جدّاً ، بل لعلّه مقطوع العدم . فالفتوى بالبطلان حينئذ مشكل ، والاحتياط ممّا لا ينبغي تركه .
وأمّا ما ذكره (قدس سره) من كفّارة الجمع بناءً على حصول البطلان بذلك وعدم العمل بصحيحة ابن سنان المتقدّمة ، فهو مبني على أمرين :
أحدهما : كون الابتلاع المزبور من الإفطار على الحرام .
ثانيهما : انّ كل إفطار على الحرام يجب فيه كفّارة الجمع .
أمّا الكبرى : فسيجيء البحث عنها عند تعرّض الماتن لها وسنناقش فيها كما ستعرف ، فهي غير مسلّمة .
وعلى تقدير تسليمها فالصغرى ـ أعني : حرمة ابتلاع ما يخرج من الجوف إلى الفم ـ ممنوعة فيما إذا كانت الحرمة من جهة الخباثة ، أمّا إذا كانت من جهة اُخرى ـ كالنجاسة أو الغصبيّة ـ فلا كلام فيها ، ويتمحّض الإشكال حينئذ من ناحية الكبرى كما عرفت .
والوجه فيما ذكرناه من المنع أنّ الحرمة في المقام من الجهة المزبورة تتوقّف على أمرين : صدق الخبيث على ما يبتلعه ، وحرمة أكل الخبيث كبرويّاً ، وكلا الأمرين قابل للمناقشة .
أمّا الصغرى : فلأنّ صدق الخبيث ـ أي ما يتنفّر منه الطبع ـ على ما يخرج
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 88 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 9 .
ــ[254]ــ
بالتجشّؤ إلى فضاء الفم ممنوع . نعم ، هو خبيث بالإضافة إلى غير هذا الشخص لا بالإضافة إليه نفسه ، كما هو الشأن في كلّ طعام حتّى القسم الراقي منه المرغوب لكلّ أحد، فإنّه بعد أن أدخله في فمه ومضغه فلو أخرجه بعدئذ يتنفّر منه الطبع ، ولكن هو بنفسه لا يتنفّر طبعه منه ما دام باقياً في فمه ـ وإلاّ لمات الإنسان جوعاً ـ فحاله حال البصاق الذي هو خبيث ، أي يتنفّر منه الطبع بعد الخروج عن الفم حتّى طبع صاحبه ، وأمّا قبله فليس كذلك بالضرورة .
وأمّا منع الكبرى ـ بعد تسليم الصغرى وأنّه مصداق للخبيث ـ فلأنه لم يدلّ أيّ دليل على حرمة أكل الخبيث ، إلاّ ما قيل من دلالة الآية المباركة عليها عليها ، قال تعالى في وصف نبيّه (صلى الله عليه وآله) (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الْخَبَائِثَ)(1) .
ولكن من المقطوع به أنّه ليس المراد من الآية المباركة أ نّه (صلى الله عليه وآله وسلّم) يحلّ لهم الطيِّبات ـ أي الأجسام والذوات الطيّبة التي تشتهيها الطباع وترغب فيها وتلتذّ منها ـ ويحرّم الخبائث من الأجسام التي يتنفّر منها الطبع ، فإنّ الآية المباركة بصدد توصيف النبيّ الاُمّي الذي يجدونه في التوراة وبيان كماله ، ولا يعدّ ذلك التحليل ولا هذا التحريم كمالا له البتّة ، بل المراد ـ والله العالم ـ الأعمال الطيّبة والأعمال الخبيثة كما ورد في آية اُخرى، وهي قوله تعالى: (كَانَت تَعْمَلُ الخَبَائِثَ )(2) فالآية المباركة بصدد بيان أنّ دين النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) متممّ الأديان ومكملّ الأخلاق ، وشريعته خاتمة الشرائع ، ولأجله أحّل كلّ فعل طيّب وحرّم كلّ فعل خبيث ، ولا ارتباط لها بالذوات الطيّبة والخبيثة بوجه ، لعدم انسجام ذلك مع سياق الآية المباركة حسبما عرفت . فلا دليل على حرمة أكل الخبيث ، أي ما ينفر عنه الطبع .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأعراف 7 : 157 .
(2) الأنبياء 21 : 74 .
|