ــ[293]ــ
فصل
فيما يجوز ارتكابه للصّائم
لا بأس للصائم بمصّ الخاتم أو الحصى ولا بمضغ الطعام للصبي ولا بزقّ الطائر ولا بذوق المرق ونحو ذلك ممّا لا يتعدّى إلى الحلق (1) . ولا يبطل صومه إذا اتّفق التعدّي إذا كان من غير قصد ولا علم بأنّه يتعدّى قهراً أو نسياناً ، أمّا مع العلم بذلك من الأوّل فيدخل في الإفطار العمدي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ذكر (قدس سره) عدّة اُمور لا بأس بارتكابها للصائم ، كمصّ الخاتم أو الحصى ، أو مضغ الطعام للصبي ، أو زقّ الطائر ، أو ذوق المرق .
وجواز هذه الاُمور ـ مضافاً إلى أ نّه يقتضيه عموم حصر المفطر المذكور في صحيحة ابن مسلم التي رواها المشايخ الثلاثة : «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب» إلخ ، فإنّ مقتضاها جواز ارتكاب كلّ شيء ما عدا الخصال الأربع وما اُلحق بها بالأدلّة الاُخر ، وليس المذكورات منها ـ قد ورد النصّ الخاصّ على الجواز في كلّ واحد منها بالخصوص كما لا يخفى على من لاحظها .
نعم ، في ذوق المرق تعارضت روايات الجواز ـ التي منها صحيحة الحلبي : سُـئِلَ عن المرأة الصائمـة تطبخ القدر فتذوق المرق تنظر إليه «فقال : لا بأس به»(1) ـ مع رواية دلّت على المنع ، وهي صحيحة سعيد الأعرج : عن الصائم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 105 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 37 ح 1 .
ــ[294]ــ
وكذا لا بأس بمضغ العلك ولا ببلع ريقه(1) بعده وإن وجد له طعماً فيه ، ما لم يكن ذلك بتفتّت أجزاء منه ، بل كان لأجل المجاورة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيذوق الشيء ولا يبلعه ؟ «قال : لا»(1) .
وعن الشيخ حمل الثانية على عدم الحاجة والاُولى على صورة الإحتياج إلى الذوق كالطبّاخ ونحوه(2).
ولكنّه ـ كما ترى ـ جمعٌ تبرّعي لا شاهد عليه بوجه ، ومقتضى الجمع العرفي هو الحمل على الكراهـة ، لصراحة الاُولى في الجواز فيرفع اليد عن ظهور إحداهما بصراحة الاُخرى .
ثمّ إنّه لو تعدّى ما في فمه إلى الحلق لدى الذوق أو المضغ : فإنّ كان ذلك بحسب الاتّفاق من غير سـبق القصد والعلم به فلا إشكال في عدم البطلان ، لخروجه عن العمد الذي هو المناط في الإفطار كما مرّ .
وأمّا لو كان عالماً بأنّه يتعدّى قهراً أو نسياناً ، فلأجل اندراجه حينئذ في الإفطار العمدي لمكان الانتهاء إلى الاختيار يبطل صومه ، بل تجب الكفّارة أيضاً .
(1) لما عرفت من عموم حصر المفطر ، مضافاً إلى صحيح ابن مسلم ، قال : «قال أبو جعفر (عليه السلام) : يا محمّد ، إيّاك أن تمضغ علكاً ، فإنِّي مضغت اليوم علكاً وأنا صائم فوجدت في نفسي منه شيئاً»(3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 106 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 37 ح 2 .
(2) التهذيب 4 : 312 .
(3) الوسائل 10 : 104 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 36 ح 1 .
ــ[295]ــ
فإنّ تعليله (عليه السلام) التحذير بما وجده في نفسه عند مضغه (عليه السلام) دليلٌ قاطع على الجواز ، وإلاّ فلا يحتمل ارتكابه (عليه السلام) للحرام ، غايته أ نّه مكروه ولأجله حذّره عنه .
وعليه يُحمَل النهي الوارد في صحيح الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : قلت : الصائم يمضغ العلك ؟ «قال : لا»(1) .
وبالجملة : فلا إشكال في جواز المضغ وجواز بلع الريق المجتمع حال المضغ وإن وجد له طعماً ، بمقتضى الإطلاق بل وصريح صحيح ابن مسلم ، ولكن فيما إذا كان ذلك لأجل المجاورة كما هو المتعارف عند مضغه ، دون ما إذا كان بتفتّت أجزائه ، لصدق الأكل المفطر حينئذ .
وقد يقال بعدم البأس في صورة التفتّت فيما إذا كانت الأجزاء المتفتّتة مستهلكة في الريق ، إذ لا موضوع حينئذ كي يصدق معه الأكل ، نظير استهلاك التراب اليسير في الدقيق المصنوع منه الخبز ، فإنّه لا مانع من أكله ولا يعدّ ذلك أكلا للتراب المحرّم ، لانتفاء الموضوع بنظر العرف ، وإنّما يتّجه المنع في المقام في فرض عدم الاستهلاك .
ويندفع : بأنّ الممنوع لو كان هو الأكل لأمكن المصير إلى ما اُفيد ، إلاّ أنّ الواجب على الصائم إنّما هو الاجتناب عن الطعام والشراب ـ أي المأكول والمشروب ـ بمقتضى صحيحة ابن مسلم : «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب» إلخ ، ولا ينبغي الريب في عدم صدق الاجتناب عن المأكول فيما إذا بلع الأجزاء المتفتّتة من العلك وإن كانت مستهلكة في الريق ، فإنّ الاستهلاك المزبور غير مجد في صدق الاجتناب وإن منع عن صدق الأكل ، فلو فرضنا أنّ الصائم أخذ من السكّر مقداراً يسيراً ـ كحبّة مثلا ـ فمزجه بريقه إلى أن استهلك ، ثمّ أخذ حبّة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 105 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 36 ح 2 .
ــ[296]ــ
وكذا لا بأس بجلوسه في الماء ما لم يرتمس ، رجلا كان أو امرأة (1) ، وإن كان يكرَه لها ذلك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اُخرى وهكذا إلى أن استكمل مثقالا من السكّر طول النهار على سبيل التدريج بحيث أمكنه إيصال المثقال في جوفه ولكن على النهج المزبور ، أو عمد إلى مقدار نصف استكان من الماء فأخذ منه قطرة فقطرة ومزجها بريقه فاستهلك وابتلع ، أفهل يمكن أن يقال : إنّ هذا الشخص اجتنب عن الطعام في الأول وعن الشراب في الثاني؟! نعم ، لا يصدق الأكل والشراب إلاّ أ نّه يصدق عدم الاجتناب عن المأكول والمشروب قطعاً، فيضرّ بصومه بمقتضى الصحيحة المتقدّمة ويوجب البطلان بل الكفّارة .
فلا فرق إذن بين الاستهلاك وعدمه ، ولا موقع لهذا التفصيل .
(1) أمّا الرجل فلا خلاف فيه ولا إشكال كما نطقت به النصوص المعتبرة ، وأمّا في المرأة فالمعروف والمشهور ذلك ، ولكن نُسِب إلى أبي الصلاح وجوب القضاء(1) ، وعن ابن البرّاج وجوب الكفّارة أيضاً(2) .
والمستند فيه ما رواه الصدوق وغيره بإسناده عن حنّان بن سدير : أ نّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصائم يستنقع في الماء؟ «قال : لا بأس ، ولكن لا ينغمس ، والمرأة لا تستنقع في الماء لأنّها تحمل الماء بقبلها»(3) .
ونوقش في سندها بأن حنّان بن سدير واقفي ، ولأجله تحمل الرواية على الكراهة . ولكن الرجل موثّق والوقف لا يضرّ بالوثاقة ، فلا وجه للطعن في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ، (2) الحدائق 3 : 162 .
(3) الوسائل 10 : 37 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 6 ، الفقيه 2 : 71 / 307 .
|