ــ[297]ــ
ولا ببلّ الثوب ووضعه على الجسد (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السند ولا للحمل على الكراهة من هذه الجهة . نعم ، لا بدّ من الحمل عليها لوجهين آخرين :
أحدهما : أنّ هذه المسألة كثيرة الدوران ومحلّ الابتلاء غالباً لأكثر النساء ، فلو كان الاستنقاع مفطراً لهنّ لاشتهر وبان وشاع وذاع وكان من الواضحات ، فكيف ذهب المشهور إلى الخلاف ؟! بل لم يُنسَب القول بذلك لغير أبي الصلاح وابن البراج كما عرفت .
ثانيهما : إنّ لسان التعليل بنفسه يفيد الكراهة ، إذ ظاهره أنّ الاستنقاع بنفسه لايقدح ، وإنّما القدح من ناحية حمل الماء بالقبل بحيث لو تمكّنت من شدّ الموضع بما يمنع من دخول الماء فيه لم يكن بأس في استنقاعها ، مع أنّ دخول الماء في القبل ليس من قواطع الصوم في حدّ نفسه حتّى عند أبي الصلاح وابن البرّاج ، كيف ؟! والنساء لا يسلمن من ذلك عند الاستنجاء غالباً ، ولم يستشكل أحدٌ في ذلك ولا ينبغي الاستشكال فيه ، فإنّه ليس من الأكل ولا الاحتقان ولا غيرهما من سائر المفطرات ، فنفس هذا التعليل يشعر بابتناء النهي على التنزيه والكراهة كما لا يخفى .
(1) قد دلّت جملة من الروايات على المنع ، منها : ما رواه الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن بن فضّـال ، عن الحسن بن بقاع ، عن الحسن الصـيقل ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن الصائم ، يلبس الثوب المبلول ؟ «قال : لا ، ولا يشمّ الرياحين»(1) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10: 38/ أبواب ما يمسك منه الصائم ب3 ح10 ، التهذيب 4: 267/ 806 ، الاستبصار 2 : 93 / 300 .
ــ[298]ــ
فإنّ طريق الشيخ إلى ابن فضّال الذي هو ضعيف في نفسه يمكن تصحيحة بأنّ شيخه وشيخ النجاشي واحد وطريقه إليه معتبر ، فيكون هذا الطريق أيضاً معتبراً بحسب النتيجة ، إذ لا يحتمل أن يروي للنجاشي غير الذي رواه للشيخ ، وهذا من طرق التصحيح كما مرّ نظيره قريباً ، والحسن بن بقاع ـ والصواب : بقاح ، كما ذكره في الوسائل في باب 32 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 13 ـ موثّق ، ولكن الحسن بن زياد الصيقل لم تثبت وثاقته ، فالرواية ضعيفة السند وإن كانت ظاهرة الدلالة على المنع .
ومنها : رواية المثنّى الحناط والحسن الصيقل(1) ، وهي أيضاً ضعيفة بالإرسال وجهالة ابن زياد .
ومنها : رواية عبدالله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : «لا تلزق ثوبك إلى جسدك وهو رطب وأنت صائم حتّى تعصره»(2) .
حيث يظهر منه التفصيل بين المبلول الذي يقبل العصر فلا يلزق وبين ما لا يقبل فلا بأس به ، ولكنّها أيضاً ضعيفة السند بجهالة عبدالله بن الهيثم .
ومنها ـ وهي العمدة ـ : ما رواه الكليني باسناده عن الحسن بن راشد قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الحائض تقضي الصلاة؟ «قال: لا» قلت: تقضي الصوم؟ «قال : نعم» ، قلت : من أين جاء ذا ؟ «قال : إن أوّل من قاس إبليس» ، قلت : والصائم يستنقع في الماء ؟ «قال : نعم » ، قلت فيبلّ ثوباً على جسده ؟ «قال : لا» ، قلت : من أين جاء ذا ؟ «قال : من ذلك» إلخ(3) .
وهي بحسب الدلالة واضحة ، ولكن نوقش في سندها بأنّ الحسن بن راشد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 36 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 4 .
(2) الوسائل 10 : 36 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 3 .
(3) الوسائل 10 : 37 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 5 ، الكافي 4 : 113 / 5 .
ــ[299]ــ
ضعيف ، وليس الأمر كذلك ، فإنّ هذا الاسم مشترك بين ثلاثة :
أحدهم : الحسن بن راشد أبو علي ، وهو من الأجلاّء ومن أصحاب الجواد (عليه السلام) .
الثاني : الحسن بن راشد الطفاوي، الذي هو من أصحاب الرضا (عليه السلام)، وقد ضعّفه النجاشي صريحاً (1) .
الثالث : الحسن بن راشد الذي يروي عن جدّه يحيى كثيراً، وهو من أصحاب الصادق (عليه السلام) وأدرك الكاظم (عليه السلام) أيضاً ، وهذا لم يُذكَر بمدح ولا قدح في كتب الرجال رأساً .
والذي ذُكِر ـ وذُكِر بالقدح كما عرفت ـ إنّما هو الطـفاوي ، الذي هو من أصحاب الرضا (عليه السلام) ولم يدرك الصادق (عليه السلام) ، والراوي لهذه الرواية إنّما هو الأخير الذي يروي عن الصادق (عليه السلام) ، وهو وإن لم يُذكَر في كتب الرجال ولكـنّه مذكور في أسانيد كامل الزيارات ، وهذا غير الطفاوي الضعيف جزماً .
وعليه ، فلا بأس بسـند الرواية ، لكن لا بدّ من حمل النهي الوارد فيها على الكراهـة ، إذ ـ مضافاً إلى أنّ الحـرمة لو كانت ثابتة لشـاع وذاع وكان من الواضحات ، لكون المسألة كثيرة الدوران ومحلاًّ للابتلاء غالباً ـ يدل على الجواز صريحاً أو ظاهراً صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) : «قال : الصائم يستنقع في الماء ، ويصّب على رأسه ، ويتبرّد بالثوب ، وينضح بالمروحة ، وينضح البوريا تحته ، ولا يغمس رأسه في الماء»(2).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال النجاشي : 38 / 76 .
(2) الوسائل 10 : 36 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 2 .
ــ[300]ــ
ولا بالسواك باليابس بل بالرطب أيضاً (1) ، لكن إذا أخرج المسواك من فمه لا يردّه وعليه رطوبة وإلاّ كانت كالرطوبة الخارجيّة لا يجوز بلعها إلاّ بعد الاستهلاك في الريق .
وكذا لا بأس بمصّ لسان الصبي أو الزوجة إذا لم يكن عليه رطوبة ، ولا بتقبيلها أو ضمّها أو نحو ذلك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإنّ التبرّد بالثوب ظاهرٌ بقرينة ما سبقه وما لحقه في أنّ منشأ التبريد بلّ الثوب بالماء لا منعه عن إشراق الشمس على البدن ، ولا برودته بحسب جنسه لكونه من الكتان ـ مثلا ـ ونحو ذلك ، فإن ذلك كلّه خلاف سياق الرواية جدّاً ، فانّها ناظرة صدراً وذيلا إلى استعمال الماء ، فيظهر أنّ منشأ التبريد كون الثوب مبلولا ، ولأجل ذلك يُحمَل النهي في موثّق ابن راشد على الكراهة .
(1) إذ ـ مضافاً إلى أ نّه مقتضى الأصل وعموم حصر المفطر ـ قد دلّت النصوص المعتبرة على الجواز من غير فرق بين اليابس والرطب ، وإن كان الثاني مكروهاً للنهي في بعضها المحمول عليها جميعاً .
نعم ، لو أخرج المسواك من فمه وعليه رطوبة فبما أنّها تعدّ بعدئذ رطوبة خارجيّة لو أدخله ثانياً لم يجز ابتلاعها كما تقدّم نظيره في الخيط المبلول بالريق إلاّ بعد الاستهلاك في الريق ، على تفصيل يأتي في المسألة الآتية .
وأمّا التقبيل والضمّ فقد دلّت عليه النصوص ، وكذا مصّ لسان الزوجة أو الزوج ، فلاحظ (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 97 ـ 102 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 و 34 .
|