ــ[305]ــ
فصل
في كفّارة الصّوم
المفطرات المذكورة كما أنّها موجبة للقضاء كذلك توجب الكفّارة (1) إذا كانت مع العمد والاختيار من غير كره ولا إجبار ، من غير فرق بين الجميع حتّى الارتماس والكذب على الله وعلى رسوله (صلّى الله عليه وآله) ، بل والحقنة والقيء على الأقوى .
نعم ، الأقوى عدم وجوبها في النوم الثاني من الجنب بعد الانتباه ، بل والثالث ، وإن كان الأحوط فيها أيضاً ذلك ، خصوصاً الثالث .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قد ورد في غير واحد من النصوص وجوب الكفّارة على من أفطر متعمّداً ـ كصحيحة عبدالله بن سنان(1) وغيرها ـ كما لا يخفى على من لاحظها ، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين أقسام المفطرات وأنّ الاعتبار بنفس الإفطار الذي هو مضادّ للصوم ولا ثالث لهما ، فإنّ الإفطار في نظر العرف في مقابل الاجتناب عن خصوص الأكل والشرب ، ولكن الشارع اعتبر الصوم مؤلّفاً من الاجتناب عن عدّة أمور اُخر أيضاً زائداً على ذلك من الارتماس والجماع والكذب والحقنة ونحو ذلك ممّا تقدّم . فمتى تحقّق الإمساك بهذا النحو كان صائماً
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 44 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 1 .
ــ[306]ــ
وإلاّ فهو مفطر ، فيندرج حينئذ تحت إطلاق هذه النصوص الدالّة على ثبوت الكفّارة على من أفطر .
ودعوى الانصراف إلى خصوص الأكل والشرب ـ كما في الجواهر(1) ـ غير مسموعة، بعد كون الصوم في نظر الشرع مؤلّفاً من مجموع تلك التروك ومضادّاً للإفطار من غير ثالث كما عرفت .
والاقتصار في بعض الأخبار على القضاء لا يدلّ على نفي الكفّارة ، غاية الأمر أنّها ساكتة عنها وغير متعرّضة لها ، فتثبت بعموم النصوص المشار إليها ، وقد تقدّم التعرّض لذلك عند التكلّم عن كلّ واحد من هذه الاُمور .
وعلى الجملة : فالظاهر أنّ الحكم المزبور عامٌّ لجميع المفطرات .
نعم ، مجرّد بطلان الصوم ووجوب القضاء لا يلازم الكفّارة ، كما لو فرضنا أ نّه أبطل صومه بعدم النيّة ، أو بنيّة الخلاف فنوى أن لا يصوم ، أو نوى على وجه محرّم كالرياء ، ففي جميع ذلك وإن بطل صومه لعدم وقوعه عن نيّة صحيحة فلم يأت بالمأمور به على وجهه ، فهو صائم بصوم فاسد ، إلاّ أ نّه لا تثبت الكفّارة ، لعدم تحقّق الإفطار المأخوذ موضوعاً لهذا الحكم في تلك النصوص ، فهو غير مفطر بل صائم ، غاية الأمر أنّ صومه فاقد للنيّة ، ولأجله يجب القضاء دون الكفّارة .
ومن هذا القبيل : البقاء على الجنابة غير متعمّد ، كما إذا كان في النومة الثانية أو الثالثة على ما تقدّم الكلام فيه(2) ، فإنّه يجب القضاء حينئذ دون الكفّارة ، لعدم الدليل عليها بعد عدم تحقّق الافطار .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 16 : 218 ـ 219 .
(2) في ص 226 ـ 232 .
ــ[307]ــ
ولا فرق أيضاً في وجوبها بين العالم والجاهل المقصّر والقاصر على الأحوط (1) ، وإن كان الأقوى عدم وجوبها على الجاهل خصوصاً القاصر والمقصّر غير الملتفت حين الإفطار .
نعم ، إذا كان جاهلا بكون الشيء مفطراً مع علمه بحرمته ـ كما إذا لم يعلم أنّ الكذب على الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله) من المفطرات فارتكبه حال الصوم ـ فالظاهر لحوقه بالعالم في وجوب الكفّارة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثمّ إنّ الكـفارة تختصّ بحال العمد والاختيار ، فلا تجب على غير العامد كالناسي ، فإنّه رزق رزقه الله ، بل ليس عليه القضاء أيضاً كما تقدّم(1) ، كما لا تجب على غير المختار ـ أي غير القاصد ـ كمن اُوجر في حلقه بغير اختياره كما هو واضح .
وأمّا في فرض الإكراه والاضطرار فقد تقدّم أنّ مقتضى الإطلاق هو البطلان(2) ، ولكن لا كفّارة عليه ، لحديث الرفع ، فلاحظ .
(1) نُسِب إلى المشهور عدم الفرق فيما تثبت فيه الكفّارة بين العالم بالحكم وبين الجاهل به ، كما لو اعتقـد أنّ شرب الدواء ـ مثلا ـ لا يضرّ بالصوم ، لاختصاص المفطر بالمأكول المتعارف .
ولكن الأقوى ما اختاره في المتن من عدم الوجوب ، ولا سيّما في الجاهل القاصر أو المقصّر غير الملتفت كالغافل حين الإفطار ، وإن كان المشهور هو الأحوط .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 268 .
(2) في ص 275 ـ 276 .
ــ[308]ــ
والوجه فيه ما تقدّم من موثّق زرارة وأبي بصير : عن رجل أتى أهله في شهر رمضـان وأتى أهله وهو محرم وهو لا يرى إلاّ أنّ ذلك حلال له «قال (عليه السلام) : ليس عليه شيء»(1) .
فإنّه يعمّ الجاهل حتّى المقصّر إذ هو وإن كان معاقباً لتقصيره إلاّ أ نّه بالآخرة حين الارتكاب لا يرى إلاّ أ نّه حلال له فليس عليه شيء .
نعم ، يختصّ مورد الموثّق بالملتفت ، فلا يشمل الغافل الذي لا يلتفت أصلا ، إذ لا يصدق في حقّه أ نّه لا يرى إلاّ أنّ ذلك حلالٌ له كما هو ظاهر .
ولكن تكفينا في ذلك صحيحة عبدالصمد «أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه»(2) .
فإنّها بعمومها تشمل الغافل والجاهل القاصر والمقصّر .
فلو فرضنا أ نّه قصّر في السؤال إلى أن جاء وقت العمل فغفل أو بنى على حلال فهو بالنتيجة جاهل فعلا بالحكم وغير عالم بأنّه مفطر أو أ نّه حرام على المحرم فتشمله الصحيحة .
إذن فالصحيح ما ذكره (قدس سره) من أ نّه لا كفّارة على الجاهل حتّى المقصّر ، ولا تنافي بين عدم الكفّارة وبين العقاب ، فيعاقب لأجل تقصيره ، ولا كفّارة عليه لمكان جهله .
ثمّ إنّ الظاهر من الموثّق وكذا الصحيحة أن يكون جاهلا بالتحريم بقول مطلق ، بحيث يكون منشأ الركوب هو الجهالة كما هو المترائي من قوله : «ركب أمراً بجهالة» ، وأ نّه لا يرى إلاّ أنّ هذا حلال له .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 53 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 12 .
(2) الوسائل 12 : 489 / أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 3 .
ــ[309]ــ
وعليه ، فلو فرضـنا أ نّه مع جهله بالحكم الواقعي عالمٌ بالحكم الظاهري ـ أعني : وجوب الاحتياط ـ كما لو كانت الشبهة من الشبهات الحكمـيّة قبل الفحص التي لا يسع فيها الرجوع إلى البراءة ، فاقتحم فيها ثمّ انكشف الخلاف ، فإنّ شيئاً من الروايتين لا يشمل ذلك بتاتاً ، إذ قد كان الحكم الظاهري معلوماً لديه وكان مكلّفاً بالاحتياط والاجتناب عقلا ، بل ونقلا ، للنصوص الآمرة بالوقوف عند الشبهة ، المحمولة على ما قبل الفحص ، ومع ذلك قد ركب هذا الأمر لتجرّئه لا لجهله ، فلا يصدق أ نّه ارتكبه بجهالة ، ولا أ نّه يرى أ نّه حلال له ، بل عن علم بالحرمة وبوجوب الاجتناب ، غاية الأمر أنّ الوجوب ظاهري لا واقعي .
والحاصل : أ نّه وإن عمّمنا الحكم بالنسبة إلى الجاهل القاصر والمقصّر حسبما عرفت ، إلاّ أ نّه لا بدّ أن يكون الجاهل على نحو لم يؤمر بالاجتناب عن هذا الشيء أمراً فعليّاً ، فلا يشمل الجاهل الملتفت المتردّد بين الأمرين بحيث لا يدري أنّ هذا مفطر أم لا ويحكم عقله بالاحتياط ، إذ ليس له والحال هذه أن يرتكب ، فلو ارتكب دخل في الإفطار متعمّداً ، فيحكم عليه بوجوب الكفّارة .
نعم ، لو كان مقصّراً من الأوّل فلم يسأل إلى أن جاء وقت العمل وكان حينئذ غافلا أو معتقداً بالجواز ، لم يكن عليه حينئذ شيء كما عرفت .
ثمّ إنّ الظاهر من الجهالة في الصحيح وكذا الحلّيّة في الموثّق : هي الجهالة المطلقة ، والحلّيّة بكلّ معنى الكلمة الشاملة للتكليفيّة والوضعيّة ، بحيث يكون مطلق العنان له أن يفعل وأن لا يفعل ، فلو كان عالماً بالحرمة التكليفيّة جاهلا بالوضعيّة ـ كمن لم يعلم بمفطريّة الاستمناء أو الكذب على الله ورسوله مع علمه بحرمتهما، أو لم يعلم بأنّ السباب من تروك الإحرام مع العلم بحرمته في نفسه ـ فالظاهر أ نّه غير داخل في شيء من الروايتين ، إذ كيف يصحّ أن يقال :
|