ــ[310]ــ
[ 2470 ] مسألة 1 : تجب الكفّارة في أربعة أقسام من الصوم :
الأوّل : صوم شهر رمضان ، وكفّارته مخيّرة (1) بين العتق وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستّين مسكيناً على الأقوى ، وإن كان الأحوط الترتيب فيختار العتق مع الإمكان ومع العجز عنه فالصيام ومع العجز عنه فالإطعام .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إنّه ركب أمراً بجهالة ؟! أو : لا يرى إلاّ أنّ هذا حلال له ؟! بل هو يرى أ نّه حرام حسب الفرض وإن لم يَرَ الحـرمة من الجهة الاُخرى وكان جاهلا بالإخـلال بالصيام أو الإحرام ، وقد عرفت أنّ مقتضى الإطلاق اعتقاد الحلّيّة بتمام معنى الكلمة الشـاملة للتكليفيّة والوضـعيّة ، فلو ارتكب وجبت عليه الكفّارة ، إذ لا يشمله قوله : وهو لا يرى إلاّ أ نّه حلال له ، فإنّه يعلم بالحرمة وإن لم يعلم بالمفسديّة .
فما ذكره في المـتن من إلحاق هذه الصورة بالعالم في وجوب الكفّارة هو الصحيح ، فلاحظ .
(1) لا إشكال في وجوب الكفّارة على من أفطر في شهر رمضان متعمّداً .
إنّما الكلام في تعيينها وأنّها ما هي ؟
فالمعروف والمشهور أ نّه مخيّر ـ فيما لو أفطر بحلال كما هو محلّ الكلام ـ بين الخصال الثلاث ، أعني العتق ، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستّين مسكيناً .
ونُسِبَ إلى بعض القدماء ـ كالسيّد المرتضى والعماني ـ لزوم مراعاة الترتيب ، فيجب عليه العتق معيّناً ، فإن لم يتمكّن فالصيام ، وإلاّ فالإطعام(1) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 16 : 268 .
ــ[311]ــ
ومنشأ الخلاف اختلاف النصوص الواردة في المقام، فإنّها على طوائف أربع :
الاُولى : ما دلّ على التخيير صريحاً ، كصحيحة عبدالله بن سنان : في رجل أفطر من شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر «قال : يعتق نسمة ، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستّين مسكيناً، فإنّ لم يقدر تصدّق بما يطيق»(1) .
وموثّقة سماعة : عن رجل أتى أهله في شهر رمضـان متعمّداً «قال : عليه عتق رقبة ، أو اطعام ستّين مسكيناً ، أو صوم شهرين متتابعين» إلخ(2) .
فإنّ الأخيرة واردة في إتيان الأهل الذي هو من أهمّ المفطرات ، فإذا ثبت التخيير في مثله ثبت في سائر المفطرات بطريق أولى .
وبمضمونها موثّقته الاُخرى الواردة في المعتكف(3) ، ونحوها غيرها .
الثانية : ما اقتصر فيه على التصدّق ، كموثّقة سماعة : عن رجل لزق بأهله فأنزل «قال : عليه إطعام ستّين مسكيناً ، مدّ لكلّ مسكين»(4) .
ولا يخفى لزوم رفع اليد عن ظاهر الموثّقة وما بمضمونها على كلّ تقدير ، أي سواء بنينا على التخيير كما عليه المشهور ، أم قلنا بالترتيب ، غاية الأمر أ نّه على الأوّل يرفع اليد عن الظهـور في التعـيين ويحمل على التخيير ، وتكون النتيجة التقييد بـ «أو» جمعاً بينها وبين النصوص المتقدّمة ، وعلى الثاني يتقيّد بصورة العجز عن العتق والصيام ، إذ لم ينقل القول بظاهرها من تعيّن الإطعام من أحد ، فهو خلاف الإجماع المركب .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 44 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 1 .
(2) الوسائل 10 : 49 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 13 .
(3) الوسائل 10 : 547 / كتاب الاعتكاف ب 6 ح 5 .
(4) الوسائل 10 : 49 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 12 .
ــ[312]ــ
الثالثة : ما دلّ على وجـوب العتق تعييناً ، دلّت عليه رواية المشرقي : عن رجل أفطر من شهر رمضان أيّاماً متعمّداً ، ما عليه من الكفّارة ؟ فكتب: «من أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة مؤمنة، ويصوم يوماً بدل يوم»(1).
وهذه الرواية موافقة للقول بمراعاة الترتيب ، ولكنّها مخالفة للقول المشهور ، فلا بدّ من تقييدها بالعدلين الآخرين مع العطف بـ «أو» ، فهي معارضة لأخبار التخيير ، غير أنّها ضعيفة السند جدّاً ، فإنّها وإن كانت صحيحة إلى ابن أبي نصر البزنطي ولكن المشرقي بنفسه ـ الذي هو هشام بن إبراهيم ، أو هشام بن إبراهيم العبّاسي ـ لم يوثّق ، فلا تصل النوبة إلى المعارضة كي يتصدّى للعلاج .
الرابعة : ما دلّ على الترتيب صريحاً ، وهي روايتان :
إحـداهما : صحيحة علي بن جـعفر : عن رجل نكح امرأته وهو صائم في رمضان ، ما عليه ؟ «قال : عليه القضاء وعتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستّين مسكيناً ، فإن لم يجد فليستغفر الله»(2) .
والاُخرى : رواية عبدالمؤمن بن الهيثم (القاسم) الأنصاري الواردة فيمن أتى أهله في شهر رمضان «قال (صلّى الله عليه وآله) : اعتق رقبة، قال : لا أجد قال: فصم شهرين متتابعين ، قال : لا اُطيق ، قال : تصدّق على ستّين مسكيناً» إلخ (3).
ولكن لا يمكن الاعتماد عليهما في قبال نصوص التخيير :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 49 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 11 .
(2) الوسائل 10 : 48 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 9 .
(3) الوسائل 10 : 46 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 5 .
ــ[313]ــ
أمّا الأخيرة : فلضعف السند ، فإنّ عبدالمؤمن لم يوثّق ، وقد رويت بطريق آخر هو أيضاً ضعيف ، لمكان عمرو بن شمر .
فالعمدة إنّما هي الصحيحة ، ولكنّها لا تقاوم النصوص المتقدّمة الصريحة في التخيير ، فإنّها انّما تدلّ على الوجوب التعييني بالظهور الإطلاقي ـ كما ذُكِر في الاُصول ـ وتلك قد دلّت على التخيير بالظهور الوضعي على ما تقتضيه كلمة «أو» ، وحملها على التنويع باعتبار اختلاف الحالات أو الأشـخاص خلاف الظاهر جدّاً ، فإنّها قد وردت في فرض رجل واحد ، كما أنّها ظاهرة في إرادة حالة واحدة لا حالات عديدة وأطوار مختلفة كما لا يخفى ، ولا ريب في تقديم الظهور الوضعي على الإطلاقي ، ولأجله تُحمَل الصحيحة على الأفضليّة كرواية المشرقي المتقدّمة لو صحّ سندها .
ولو سلّمنا المعارضة بين الطائفتين فالترجيح مع نصوص التخيير ، لمخالفتها مع العامّة كما قيل ، فتُحمَل الصحيحة على التقيّة ، فان ثبت ذلك ـ كما لا يبعد ، ويؤيّده أنّ العلاّمة نسب هذا القول أعني لزوم الترتيب إلى أبي حنيفة والأوزاعي وغيرهما من العامة(1) ـ فهو ، وإلاّ فلا يمكن الترجيح بكثرة العدد ، لعدم كونها من المرجّحات ، بل تسـتقرّ المعارضة حينئذ ، والمرجع بعد التساقط الأصل العملي، ومقتضاه البراءة عن التعيين، لاندراج المقام في كبرى الدوران بين التعيين والتخيير ، والمقرّر في محلّه أ نّه كلّما دار الأمر بينهما في المسألة الفقهيّة يحكم بالتخيير ، لأنّ التعيين كلفة زائدة يُشكّ في ثبوتها زائداً على المقدار ـ أعني : جامع الوجوب ـ فتُدفع بأصالة البراءة .
فتحصّل : أنّ ما هو المشهور من التخيير بين الاُمور الثلاثة هو الصحيح .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المنتهى 2 : 574 .
|