كفّارة الإفطار على محرّم 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 11:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5385


ــ[314]ــ

   ويجب الجمع((1)) بين الخصال إن كان الإفطار على محرّم(1) ، كأكل المغصوب وشرب الخمر والجماع المحرّم ونحو ذلك .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) قال المحقّق في الشرائع ـ بعد اختيار التخيير بين الخصال مطلقاً الذي هو المشهور، وحكاية الترتيب عن السيّد وابن أبى عقيل كما مرّ ـ ما لفظه: وقيل يجب بالإفطار بالمحرّم ثلاث كفّارات(2).

   فيظهر من نسبة هذا القول ـ وهو التفصيل بين الحلال والحرام بالتخيير أو الترتيب في الأوّل والجمع في الثاني ـ إلى القيل أنّ القائل به قليل ، بل عنه في المعتبر أ نّه لم يجد عاملا بكفّارة
الجمع(3).

   والظاهر أ نّه لا ينبغي التأمّل في أنّ هذا القول حدث بين المتأخّرين عن زمن العلاّمة وتبعه جماعة ممّن تأخر عنه منهم صاحب الحدائق(4) ، وأمّا القدماء فلم يُنسَب إليهم ذلك ما عدا الصدوق في الفقيه حيث أفتى به صريحاً(5) ، فهو قول على خلاف المشهور ، وإلاّ فالمشهور القائلون بالتخيير لا يفرّقون في ذلك بين الإفطار على الحلال والحرام .

   وكيفما كان ، فيقع الكلام في مستند هذا القول ، ويُستدلّ له باُمور :

   أحدها : موثّقة سماعة : عن رجل أتى أهله في رمضان متعمّداً «فقال : عليه عتق رقبة وإطعام ستّين مسكيناً وصيام شهرين متتابعين» إلخ(6) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على الأحوط ، وبذلك يظهر الحال في الفروع الآتية .

(2) الشرائع 1 : 219 .

(3) المعتبر 2 : 668 .

(4) الحدائق 13 : 222 .

(5) الفقية 2 : 74 .

(6) الوسائل 10 : 54 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 2 .

ــ[315]ــ

   بعد حملها ـ كما عن الشيخ (قدس سرّه)(1) ـ على إتيان الأهل على وجه محرّم كحال الحيض وبعد الظهار قبل الكفّارة ، واحتمل (قدس سره) أيضاً أن يكون المراد بالواو التخيير دون الجمع، كما احتمل أيضاً الحمل على الاستحباب ، جمعاً بينها وبين نصوص التخيير .

   والجواب عنها ظاهر :

   أمّا أوّلا : فبأنّ هذه الموثّقة مرويّة في كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة بلفظة «أو» دون الواو كما تقدّم نقلها قريباً (2) ، فإنّها عين الرواية السابقة ، فلعلّ نسخة الشيخ المشتملة على الواو مغلوطة، ولايبعد أن يقال : إنّ كتاب أحمد بن محمّد بن عيسى أقرب إلى الصحّة، لكونه أقدم .

   وكيفما كان ، فلم يثبت صدورها بلفظة الواو كي تصلح للاستدلال .

   وثانياً : لو سُلّم اشتمالها على كلمة الواو فبما أنّ حملها على التخيير وكونها بمعنى «أو» خلاف الظاهر فهي معارضة لا محالة لنصوص التخيير ، والجمع بينهما بحمل هذه على الإفطار بالحرام وتلك بالحلال جمعٌ تبرّعي لاشاهد له بعد أن كان التعارض بالإطلاق .

   نعم ، لو ثبت من الخارج كفّارة الجمع في الإفطار بالحرام كان ذلك شاهداً للجمع المزبور ، وخرج عن كونه تبرّعيّاً ، وإلاّ فبنفس هذه الرواية لا يمكن إثبات كفّارة الجمع في المحرّم ، إذ لا وجه لحمل أحد المطلقين المتعارضين على صنف والآخر على صنف آخر من غير قرينة تقتضـيه ، فإمّا أن تُلغى هذه الموثّقة لعدم مقاومتها مع نصوص التخيير كما لا يخفى ، أو تُحمَل على الأفضليّة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهذيب 4 : 208 ـ 209 .

(2) نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى : 68 / 140 .  وقد تقدّمت في ص 311 .

ــ[316]ــ

   ثانيها : ما اعتمد عليه الصدوق في الفقيه ، حيث أفتى بهذا المضمون ، لوجوده في رواية أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسـدي فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري ـ يعني : عن المهدي (عليه السلام) ـ  : فيمن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً بجماع محرّم عليه ، أو بطعام محرّم عليه ، أنّ عليه ثلاث كفّارات(1) .

   ولا يخفى أنّ التفسير المزبور ـ أعني قوله : يعني عن المهدي (عليه السلام) ـ من كلام صاحب الوسائل ، وإلاّ فعبارة الفقيه خالية من ذلك . ومن هنا قد تناقَش في الاستدلال بالرواية بأنّها مقطوعة ، إذ لم يسندها العمري إلى الحجة (عليه السلام) ، ولعلّه كان فتوى منه ، فكيف اعتمد عليه الصدوق ؟!

   ولكن هذا ـ كما ترى ـ بعيدٌ غايته ، إذ لا يحتمل أن يكون ذلك فتوى العمري نفسه الذي هو نائب خاصّ ، وكيف يستند الصدوق إلى هذه الفتوى المجرّدة ؟! فتفسير الوسائل في محلّه والأمر كما فهمه ، لكن عبارته توهم أ نّه من الصدوق ، وليس كذلك كما عرفت .

   وكيفما كان ، فلا إشكال من هذه الجهة ، وإنّما الإشكال في طريق الصدوق إلى الأسدي ، إذ هما ليسا في طبقة واحدة ، فطبعاً بينهما واسطة ، وبما أ نّه مجهول فيصبح الطريق مرسلا ، ولذا عُبّر عنها بالمرسلة ، فلا يُعتمَد عليها ، كما لم يعتمد عليها الفقهاء أيضاً على ما تقدّم ، بل سمعت من المعتبر أ نّه لم يجد عاملا بذلك .

   وكيفما كان ، فلو كان معروفاً ومورداً للاعتماد لنقل الفتوى بمضمونها عن القدماء ، ولم ينقل عن غير الصدوق كما عرفت .

   ثالثها ـ وهى العمدة ـ  : ما رواه الصدوق بنفسه ورواه الشيخ أيضاً في التهذيب عن الصدوق ، عن عبدالواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوري ، عن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 55 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 3 ، الفقيه 2 : 74 / 317 .

ــ[317]ــ

علي بن محمّد بن قتيبة، عن حمدان بن سليمان ، عن عبدالسلام بن صالح الهروي ، قال : قلت للرضا (عليه السلام) : يابن رسول الله ، قد روي عن آبائك (عليهم السلام) فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفّارات ، وروي عنهم أيضاً كفّارة واحدة ، فبأيّ الحديثين نأخذ ؟ «قال : بهما جميعاً ، متى جامع الرجل حراماً أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفّارات : عتق رقبة ، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستّين مسكيناً ، وقضاء ذلك اليوم ، وإن كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفّارة واحدة ، وإن كان ناسياً فلا شيء عليه»(1) .

   ولا إشكال فيها من جهة الدلالة ، إنّما الكلام في السند مع قطع النظر عن أنّ المشهور لم يعملوا بهذه الرواية ، حيث إنّ القول بالجمع حدث بعد العلاّمة كما تقدّم .

   فنقول: قد ناقش فيها صاحب المدارك من جهة أشخاص ثلاثة : عبدالواحد، وابن قتيبة، والهروي(2)، وأمّا حمدان بن سليمان فلا إشكال في وثاقته وجلالته .

   أمّا مناقشته في الهروي : فمبنيّة على مسلكه من اعتبار العدالة في الراوي ، وهذا لرجل ـ وهو أبو الصلت ـ وإن كان ثقة بلا إشكال  كما  نصّ عليه النجاشي(3) إلاّ أنّ الشيخ صرّح بأ نّه عامي(4)، فلأجله لا يُعتمَد على روايته .

   وفيه أوّلا : أ نّا لا نعتبر العدالة في الراوي ، فلا يلزم أن يكون إمامـيّاً ، بل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 53 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب10 ح1 ، الفقيه 3 : 238/ 1128 ، التهذيب 4 : 209 / 605 ، الاستبصار 2: 97 / 316 .

(2) مدارك الأحكام 6 : 84 .

(3) النجاشي : 245 / 643 .

(4) رجال الشيخ : 380 / 14 .

ــ[318]ــ

تكفي مجرّد الوثاقة وان كان عامّياً .

   وثانياً : إنّ ما ذكره الشيخ وهمٌ يقيناً كما تعرّض له علماء الرجال ، فإنّ أبا الصلت الهروي من خلّص شيعة الرضا (عليه السلام) ومن خواصّه ، فتوصيف الشيخ إيّاه بأنّه عامّي اشتباهٌ جزماً ، وإنّما العصمة لأهلها . فالمناقشة من هذه الجهة ساقطة .

   وأمّا علي بن محمّد بن قتيبة : فلم يرد فيه أيّ توثيق أو مدح ، وإنّما هو من مشايخ الكشّي وقد روى عنه في رجاله كثيراً ، ولأجله قيل : إنّه اعتمد عليه في كتابه ، وهذا يكفي في الوثاقة ، بل قيل : إنّه من مشايخ الإجازة المستغنين عن التوثيق .

   أمّا الثاني : فممنوع صغرىً وكبرىً ، فإنّ الرجل ليس من مشايخ الإجازة ، وإنّما هو شيخٌ للكشّي فقط ، وهذا الممقدار لا يجعله شيخاً للاجازة ، فإنّ معنى ذلك : أن يكون للشخص تلاميذٌ يجيز لهم في رواية كتاب أو كتابين كما لا يخفى ، على أنّ كون الشخص من مشايخ الإجازة لا يقتضي الوثاقة ـ كبرويّاً ـ بوجه ، فإنّ شيخ الإجازة راو في الحقيقة ، غايته على نحو الإجمال لا التفصيل ، فيعطي الكتاب لتلميذه ويقول: أنت مجازٌ عنِّي في روايته ، فهو لا يزيد على الراوي بشيء يعتنى بشأنه كي يقتضي الإغناء عن التوثيق .

   وأمّا الأوّل ـ أعني : كونه شيخاً للكشي ـ فصحيح كما عرفت ، بل هو يروي عنه في كتابه كثـيراً كما تقدّم ، إلاّ أنّ ذلك لا يستدعي التوثيق بوجـه ، فإنّ النجاشي عندما يترجم الكشّي يعظّمه ويقول: ولكن يروي عن الضعفاء  كثيراً(1). فليس هو ممّن يروي عن الثقات دائماً كي تكون روايته عن شخص ـ  وإن كثرت  ـ كاشفة عن توثيقه أو الاعتماد عليه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رجال النجاشي : 372 / 1018 .

ــ[319]ــ

   وعلى الجملة : الرواية عن الشخص لا تستلزم الاعتراف بوثاقته بعد ما سمعت عن النجاشي التصريح بأنّ الكشي يروي عن الضعفاء كثيراً ، فإنّ شأن المحدّث : الحديث عن كلّ من سمع منه . وعليه ، فكيف يعتمد على روايته عن ابن قتيبة ، ويستدلّ بذلك على توثيقه بعد جواز كونه من اُولئك الضعفاء ؟!

   وأمّا عبدالواحد بن عبدوس : فقد عمل الصدوق بروايته ، وقد صرّح في مورد من العيون ـ بعد ذكر رواية عنه ورواية عن غيره ـ أنّ روايته أصحّ(1) .

   فلا اشكال في أ نّه يرى صحّة رواية الرجل ، لتصريحه بذلك لا لمجرّد أ نّه شيخه ، ففي مشايخه : أحمد بن حسين أبو نصر ، الذي يقول الصدوق في حقّه : أ نّه لم أرَ أنصب منه(2) ، لأ نّه كان يقول : اللّهمّ صلّى على محمّداً فرداً ، كي لا يدخل فيه الآل عليهم الصلاة والسلام ، فهو محدّث ينقل عن كلّ أحد ولم يلتزم أن يروي عن الثقات فحسب ، بل له مشايخ كثيرون لعلّ عددهم يبلغ الثلاثمائة وفيهم البّر والفاجر ، بل الناصب بالحدّ الذي سمعت .

   وعلى الجملة : فهو يصحّح الرواية عن الرجل المزبور كما عرفت .

   ولكنّ التصحيح غير التوثيق ، فإنّ معناه : حجّيّة الرواية والاعتماد عليها ، ولعلّ ذلك لبناء الصدوق على أصالة العدالة الذي كان معروفاً عند القدماء ، بل أ نّه (قدس سره) لم ينظر في سند الرواية بوجه، وإنّما يعتمد في ذلك على ما رواه شيخه ابن الوليد كما صرّح (قدس سره) بذلك(3)، فهو تابع له ومقلّد من هذه الجهة ، ومن المعلوم أنّ ذلك لا يكفي في الحجّيّة عندنا .

   نعم ، لو وثقّه أو مدحه كفى ، ولكنّه لم يذكر شيئاً من ذلك ، وانّما هو مجرّد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عيون اخبار الرضا عليه السلام 2 : 127 / 2 .

(2) معاني الأخبار : 56 / 4 ، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2 : 279 .

(3) الفقيه 1 : 3 ـ 5 ، و ج 2 : 55 / 18 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net