ــ[334]ــ
الرابع : صوم الاعتكاف (1) ، وكفّارته مثل كفّارة رمضان مخيّرة بين الخصال ، ولكن الأحوط الترتيب المذكور .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا إشكال كما لا خلاف في وجوب الكفّارة بالجماع في صوم الاعتكاف .
إنّما الإشكال في تعيين المقدار ، فالمشهور ـ بل عن بعض دعوى الإجماع عليه ـ أنّها ككفّـارة شهر رمضان مخيّرة بين الخصـال الثلاث ، وعن جماعة ـ منهم صاحب المدارك(1) ـ أنّها كفّارة الظهار .
ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار ، حيث تضمّن بعضها أنّها كفّارة شهر رمضان ، كموثّقة سماعة : عن معتكف واقع أهله «فقال : هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان»(2) .
وموثّقته الاُخرى : عن معتكف واقع أهله «قال : عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً : عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً»(3) .
وبإزاء الموثّقتين صحيحتان دلّتا على أنّها كفّارة الظهار :
إحداهما : صحيحة زرارة : عن المعتكف يجامع أهله «قال : إذا فعل فعليه ما على المظاهر»(4) .
والاُخرى صحيحة أبي ولاّد الحنّاط : عن امرأة كان زوجها غائباً فقدم وهي معتكفة بإذن زوجها ، فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المدارك 6 : 244 .
(2) ، (3) الوسائل 10 : 547 / أبواب الاعتكاف ب 6 ح 2 ، 5 .
(4) الوسائل 10 : 546 / أبواب الاعتكاف ب 6 ح 1 .
ــ[335]ــ
فتهيأت إلى زوجها حتّى واقعها «فقال : إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تقضي ثلاثة أيام ولم تكن اشترطت في اعتكافها ، فإنّ عليها ما على المظاهر»(1) .
هذا، وصاحب المدارك ومن حذا حذوة ـ ممّن لايعملون بالموثّقات ولا يرون حجّيّة غير الصحاح ، لاعتبارهم العدالة في الراوي ـ طرحوا الموثّقتين ، لعدم الحجّيّة وعملوا بالصحيحتين ، فأفتوا بأنّ الكفّارة هي كفّارة الظهار .
وأمّا بناءً على ماهو الصواب من عدم الفرق في الحجيّة بين الصحيح والموثّق ، فلا محالة تقع المعارضة بين الموثّقتين والصحيحتين ، ويدور الأمر بين العمل بإحدى الطائفتين ، ولكن الظاهر هو الأخذ بالموثّقتين والحكم بأنّها كفّارة شهر رمضان كما عليه المشهور ، وذلك من أجل أنّ هذه الكـفّارة هي كفّارة الظهار بعينها ، ولا فرق بينهما إلاّ من حيث التخيير والترتيب، فالاُولى مخيّرة بين الخصال، والثانية يعتبر فيها الترتيب ، فيجب العتق أوّلا، ومع العجز فالصيام ، ولو عجز أيضاً فالإطعام .
وعليه ، فيجمع بين الطائفتين بحمل الأمر بالترتيب على الأفضليّة ، فإنّ الموثّقتين صريحتان في التخيير ، والصحيحتان ظاهرتان في وجوب الترتيب ، فيرفع اليد عن الظاهر بالنصّ ويُحمَل على الندب ، فتأمّل .
بل لو فرضـنا عدم ورود الصحيحتين لقلنا أيضاً بأفضليّة الترتيب ، لورود الأمر به في صحيحة علي بن جعفر التي تقدّمت في نصوص كفّارة شهر رمضان(2) ، المحمول على الأفضليّة جمعاً كما مرّ سابقاً ، فإذا كان صوم الاعتكاف بمنزلة شهر رمضان كما نطقت به الموثّقتان ثبتت الأفضليّة هنا أيضاً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 548 / أبواب الاعتكاف ب 6 ح 1 .
(2) راجع ص 312 .
ــ[336]ــ
هذا ، وكفّارة الاعتكاف مختصّة بالجماع ، فلا تعمّ سائر المفطرات (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونحو هذه الصحيحة رواية المشرقي المتضمّنة للأمر بالعتق(1) ، فإنّها أيضاً محمولة على الاستحباب أو على الوجوب التخييري جمعاً كما مرّ(2) .
نعم ، ناقشـنا سابقاً في سـند هذه الرواية من أجل أنّ المشرقي هو هاشم أو هشام بن إبراهيم العبّاسي غير الثقـة ، وقد اعتمدنا في ذلك على ما ذكره الأردبيلي في جامعه تبعاً للميرزا وللتفريشي من الاتّحاد(3) ، ولكنّه وهم، والصواب أنّهما شخصان كما نبّهنا عليه في المعجم(4) ، فإنّ المشرقي هو هشام بن إبراهيم الختلي البغدادي الذي وثّقه النجاشي صريحاً(5) ، وهو غير هشام بن إبراهيم العبّاسي ، الذي قيل في حقّه أ نّه زنديق ، وقد أقمنا في المعجم شواهد على التعدد .
إذن فرواية المشرقي صحيحة السند من غير غمز فيه .
فتحصّل : أنّ من جامع في صوم الاعتكاف وجبت عليه كفّارة شهر رمضان ـ أعني التخيير بين الخصال ـ وإن كان الأفضل الترتيب ، بل هو الأحوط كما ذكره في المتن .
(1) كما هو المشهور وهو الصحيح ، إذ لا ملازمة بين الحرمة وبين وجوب الكفّارة لو ارتكب ، فإنّها تحـتاج إلى الدليل ولا دليل عليها في غير الجماع ، وعدم الدليل كاف في الحكم بالعدم ، استناداً إلى أصالة البراءة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 49 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 11 .
(2) في ص 312 .
(3) جامع الرواة 2 : 312 ، منهج المقال : 358 ، نقد الرجال 5 : 40 / 5675 .
(4) المعجم 20 : 291 / 13349 .
(5) لاحظ رجال النجاشي : 435 / 1168 .
ــ[337]ــ
والظاهر أنّها لأجل الاعتكاف لا الصوم (1) ، ولذا تجب في الجماع ليلا أيضاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولكن ذهب المفيد والسـيّدان والعلاّمة في التذكرة إلى وجوب الكفّارة مطلقاً (1) ، بل في الغنية دعوى الاجماع على الإلحاق بالجماع .
وهو كما ترى ، ولا عبرة بالإجماع المنقول سيّما إجماعات الغنية المعلوم حالها ، حيث يدّعي الإجماع اعتماداً على أصل أو قاعدة يرى انطباقه على المورد .
ونُسِب إلى الشيخ في كتابيه والعلامّة في التذكرة أيضاً إلحاق خصوص الاستمناء بالجماع(2) .
وهو أيضاً لا دليل عليه . ودعوى الإجماع على الإلحاق موهونة ، سيّما بعد مخالفة مثل المحقق(3) وغيره .
نعم ، ثبت الإلحاق في خصوص شهر رمضان بالنصّ الدالّ على أنّ عليه مثل ما على الذي يجامع كما سبق في محلّه ، وأمّا أنّ كل حكم متعلّق بالجماع ثابت للاستمناء كي يحكم بالكفّارة في المقام فلا دليل عليه بوجه ، فالأقوى اختصاص الحكم بالجماع حسبما عرفت .
(1) فتجب الكفّارة وإن لم يكن صائماً كما لو جامع ليلاً ، وذلك لأجل أنّ موضوع الحكم في النصوص ـ وهي الموثّقتان والصحيحتان ـ هو عنوان المعتكف ، لا عنوان الصائم ، ومقتضى الإطلاق دوران الحكم مدار ذاك العنوان سواء أكان صائماً أم لا .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المقنعة : 363 ، غنية النزوع 2 : 147 ، جمل العلم والعمل (ضمن رسائل الشريف 3) : 61 ، التذكرة 6 : 318 .
(2) المبسوط 1 : 294 ، الخلاف 2 : 238 / 113 ، التذكرة 6 : 318 .
(3) المعتبر 2 : 742 .
ــ[338]ــ
وتؤيّده رواية عبدالأعلى بن أعين : عن رجل وطئ امرأته وهو معتكف ليلاً في شهر رمضان «قال : عليه الكفّارة» قال : قلت : فإن وطئها نهاراً ؟ قال : «عليه كفّاراتان»(1) ونحوها مرسلة الصدوق(2) .
ولكن الرواية ضـعيفة السـند لا تصلح إلاّ للتأييد ، لا من أجل ضعف عبدالأعلى نفسه ، فإنّه وإن لم يُذكَر في كتب الرجال إلاّ أ نّه وثّقه المفيد في رسالته العدديّة المدوّنة لبيان أنّ شهر رمضان قد ينقص وقد لا ينقص ، في قبال من ذهب ـ كالصدوق(3) ـ إلى أ نّه لا ينقص أبداً ، فذكر (قدس سره) ـ بعد أن سرد طائفة من الروايات الدالّة على ذلك ـ : أنّ رواة هذه الأخبار ـ ومنهم : عبد الأعلى بن أعين ـ من أكابر الفقهاء ولا يُطعَن عليهم بشيء(4) . ويكفي هذا المدح البليغ في التوثيق كما لا يخفى .
بل من أجل وقوع محمّد بن سنان في السند .
وأمّا المرسلة فحالها ظاهر .
إذن فالعمدة هي الإطلاقات المتقدّمة الشـاملة لحالتي الصوم وعدمه ، الظاهرة في أنّ موضوع التكفير نفس الاعتكاف ولا مدخل للصوم فى ذلك حسبما عرفت .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ، (2) الوسائل 10 : 547 / أبواب الاعتكاف ب 6 ح 4 ، 3 .
(3) الفقيه 2 : 110 ـ 111 .
(4) الرسالة العددية : 45 ، (ضمن مصنفات الشيخ المفيد ج 9) .
ــ[339]ــ
وأمّا ما عدا ذلك من أقسام الصوم فلا كفّارة في إفطاره (1) ، واجباً كان ـ كالنذر المطلق والكفّارة ـ أو مندوباً ، فإنّه لا كفّارة فيها وإن أفطر بعد الزوال .
[ 2471 ] مسألة 2 : تتكرّر الكفّارة بتكرّر الموجب في يومين (2) وأزيد من صوم له كفّارة ، ولا تتكرّر بتكرّره في يوم واحد في غير الجماع ((1)) وإن تخلّل التكفير بين الموجبين أو اختلف جنس الموجب على الأقوى ، وإن كان الأحوط التكرار مع أحد الأمرين ، بل الأحوط التكرار مطلقاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بلا إشكال فيه ولا خلاف ، سواء أكان واجباً ولو معيّناً ـ كالصوم الاستئجاري ـ أم مندوباً ، لأنّ وجوب الكفّارة حكمٌ آخر يحتاج ثبوته إلى الدليل ، ولا دليل عليه فيما عدا المواضع الأربعة المتقدّمة ، فيرجع إلى أصالة البراءة .
(2) لا ينبغي الإشكال في تكرار الكفّارة بتكرّر الإفطار فيما إذا كان ذلك في يومين فما زاد ، سواء اتّحد الجنس كما لو أفطر بالأكل في كلّ من اليومين ، أم اختلف بأن أكل في يوم وشرب في اليوم الآخر ، وسواء تخلّل التكفير في البين أم لا ، وذلك لإطلاق الأدلّة بعد أن كان كلّ يوم موضـوعاً مستقلا للحكم ، والتداخل على تقدير القول به إنّما يجدي فيما لو اجتمع الموجبان في اليوم الواحد كما سيجيء . فحال تعدّد الإفـطار في يومين حال تكرّره في سنتين الذي لا يحتمل فيه وحدة الكفّارة بالضرورة . وهذا ظاهر جداً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يختصّ تكرّر الكفّارة بتكرّر الجماع بشهر رمضان ، والظاهر تكرّر الكفّارة بتكرّر الاستمناء أيضاً .
|