[ 2483 ] مسألة 14 : إذا جامع زوجته في شهر رمضان وهما صائمان مكرهاً لها كان عليه كفّارتان وتعزيران خمسون سوطاً ((2)) (2) ، فيتحمّل عنها الكفّارة والتعزير .
وأمّا إذا طاوعته في الابتداء فعلى كلّ منهما كفّارته وتعزيره .
ـــــــــــــــــــــــــ (2) أمّا مع المطاوعة فلا إشكال في أنّ على كلّ منهما كفّارةً وتعزيراً .
ــــــــــــ (2) على الأحوط . ــ[363]ــ
وأمّا مع الإكراه فقد يفرض استمرار الإكراه إلى نهاية العمل، واُخرى انضمامه مع المـطاوعة : إمّا بتقدّم الأوّل ـ بأن تكون مكرَهة في الابتداء مطاوعة في الأثناء ـ أو عكس ذلك ، فالصور ثلاث ، وقد حكم (قدس سره) في الصورة الاُولى بتحمّلهما عنها ، فعليه كفّارتان وتعزيران ، وأمّا في الأخيرتين فعلى كلّ منهما كفّارة وتعزير ، وإن كان الأحوط في الصورة الثانية كفّارة منها وكفّارتين منه .
أقول : يقع الكـلام تارةً : فيما تقتضيه القواعد الأوّلية مع قطع النظر عن الرواية الخاصّة الواردة في المقام ، واُخرى : فيما تقتضيه الرواية .
أما بالنظر إلى القاعدة ، فلا شكّ في أنّ مقتضاها وجوب الكفّارة على الزوج فقط وسقوطها عن الزوجة المكرَهة ، لأجل حديث الرفع ، فإنّ الإفطار الذي هو موضوع للكفّارة إذا كان مرفوعاً بالحديث لكونه مكرَهاً عليه فمعناه عدم ترتّب أثر عليه ، فلا تتعلّق به الكفّارة .
نعم ، هو مبطل ، لصدوره عن القصد والاختيار ، ولذا يجب القضاء ، لكونه من آثار ترك المأمور به لا فعل المفطر ، فلا يرتفع بالحديث كما سبق في محلّه وإن صدر الفعل عنها على وجه سائغ ، لكونه مكرَهاً عليه .
وعلى الجملة : فمقتضى الحديث سقوط الكفّارة عنها ، ومعه لا وجه لتحمّل الزوج عنها ، فإنّ انتقال الكفّارة من أحد إلى آخر لا مقتضي له وعلى خلاف القاعـدة فلا يصار إليه ما لم يقم عليه دليل بالخصـوص . وعليه ، فليس على الزوج المكرِه إلاّ كفّارة واحـدة ، ولا شيء على الزوجة أبداً .
هذا كلّه مع استمرار الإكراه .
ــ[364]ــ
وإن أكرهها في الابتداء ثمّ طاوعته في الأثناء (1) فكذلك على الأقوى ، وإن كان الأحـوط كفّارة منها وكفّارتين منه ((1)) . ولا فرق في الزوجـة بين الدائمة والمنقطعة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وأمّا لو اُكرِهت أوّلاً ثمّ طاوعـت في الأثنـاء ، أو بالعكس ، فمقـتضى الإطلاقات ثبوت الكفّارة عليها حينئذ ، لقصور الحديث عن شمول الفرض ، إذ هو بلسان الامتنان ، ومعلومٌ أنّ الامتنان مخصوصٌ بما إذا لم يستند الفعل إلى فاعله إلاّ على سبيل الإكراه ، وأمّا الملفّق منه ومن الاختيار باعتبار اختلاف الحالات ـ فكان مختاراً في بعضه ومكرهاً في بعضه الآخر ، بحيث لم يصدق عليه الإكراه المحض وبالقول المطلق ـ فمثله غير مشمول للحديث ، إذ لا امتنان في رفعه بالإضافة إلى غير حالة الإكراه ، فإنّ الجماع وإن كان بمجموعه فعلا واحداً عرفاً وموجوداً بوجود واحد ، ومن هنا قلنا : إنّه لا تتعدّد الكفّارة بتعدّد الإدخال والإخراج كما سبق ، إلاّ أنّ هذا الفعل الواحد له إضافتان ومنسوب إلى فاعله بإسنادين باعتبار اختلاف الحالتين ، فهو مكرَه في بعض الوقت ومختار في البعض الآخر ، والحديث منصرف عن مثل ذلك جزماً ، فإذا لم يكن في جميع أحواله مكرَهاً لم يشمله الحديث .
ألا ترى أ نّه لو اُكره على شرب الماء بمقدار قليل فشرب حتّى شبع وارتوى ، أو على طبيعي شرب الخمر الصادق على جرعة واحدة فشرب وجبة واحدة مشتملة على جرع عديدة ، أفهل يحكم بعدم وجوب الكفّارة في الأوّل ، أو بعدم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا يترك .
ــ[365]ــ
اسـتحقاق الحدّ في الثاني ، بدعوى أن الشرب المزبور موجود واحد مستمرّ لا يتعدّد بتعدّد الجرع ؟ كلاّ ، فإنّه وإن كان وجوداً واحداً إلاّ أنّ الضرورات تقدّر بقدرها ، فلا إكراه إلاّ في جزء من هذا العمل ، وأمّا الزائد عليه فهو فعل اختياري مستند إلى فاعل مختار ، فيشمله حكمه من الحدّ والكفّارة ونحو ذلك .
ومثله ما لو اُكره على ضرب أحد سوطاً فضربه عشرة أسواط .
وعلى الجملة : فحديث الرفع إنّما يرفع الفعل الصادر عن إكراه حدوثاً وبقاءً ، دون ما كان كذلك حدوثاً فقط أو بقاءً كذلك ، فلو كانت مكرَهة على الجماع في الابتداء ثمّ طاوعته بقاءً يصدق عليها أنّها تعمّدت الجماع ، فيرجع إلى إطلاقات الكفّارة بعد أن لم يكن مثله مشمولا للحديث كما عرفت .
ولو كان بالعكس فالأمر أوضح ، فلو طاوعته أوّلاً ثمّ اُكرهت فحدوث الجماع كان باختيارها فأفطرت عمداً واختياراً ، فيشملها في هذا الآن إطلاق دليل الكفّارة ، ولا أثر للإكراه اللاّحق في رفع الكفّارة السابقة كما هو ظاهر جدّاً .
فتحصّل : أنّ مقتضى القاعدة والأدلّة الأوّلية عدم وجوب أزيد من كفّارة واحدة على الزوج ، إذ لا دليل على تحمّل الكفّارة عن الغير بوجه ، وأمّا الزوجة المكرَهة فلا شيء عليها مع الإكراه المحض المستمرّ إلى الآخر ، أخذاً بحديث الرفع، وأمّا لو طاوعته ولو في الجملة ـ إمّا في أوّل الجماع أو في وسطه أو الآخر ـ فحديث الرفع قاصر الشمول لذلك ، ومقتضى الإطلاقات تعلّق الكفّارة حينئذ بها أيضاً ، لصدق أ نّها جامعت اختياراً ، كما أنّ على كلّ منهما التعزير حسبما عرفت .
هذا ما تقتضيه القاعدة الأوّلية .
ــ[366]ــ
وأمّا بالنظر إلى النصّ الخاصّ الوارد في المقام ، فقد روى الكليني في الكافي عن علي بن محمّد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن عبدالله بن حمّاد ، عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في رجل أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة «فقال : إن كان استكرهها فعليه كفّارتان ، وإن كان طاوعته فعليه كفّارة وعليها كفّارة ، وإن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطاً نصف الحدّ، وإن كان طاوعته ضُرب خمسة وعشرين سوطاً، وضُربت خمسة وعشرين سوطاً»(1) .
قال المحقّق في المعتبر ـ على ما نقل عنه صاحب الوسائل ـ : إنّ سند هذه الرواية ضعيف ، لكن علماءنا ادّعوا على ذلك إجماع الإماميّة ، فيجب العمل بها .
أقول : لا إشكال في أنّ الرواية ضعيفة السند كما ذكره (قدس سره) إلاّ أ نّه لم يُعلم أنّ تضعيفه مستندٌ إلى أيّ راو من رواة السند .
أمّا علي بن محمّد بن بندار الذي هو شيخ الكليني ويروي عنه كثيراً : فهو بهذا العـنوان لم يرد فيه توثيق ولا مدح ، ولكن الظاهر أنّ هذا هو علي بن محمّد بن أبي القاسم بندار ، وبندار لقب لجدّه أبي القاسم ، وقد وثّقه النجاشي صريحاً (2).
وأمّا إبراهيم بن إسحاق الأحمر : فهو ضعيف جدّاً ـ كما تقدّم سابقاً(3) ـ ضعّفه النجاشي والشيخ(4).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 56 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 12 ح 1 ، الكافي 4 : 103 / 9 .
(2) رجال النجاشي : 353 / 947 .
(3) في ص 344 .
(4) رجال النجاشي : 19 / 21 ، فهرست الطوسي : 7 / 9 .
ــ[367]ــ
وأمّا عبدالله بن حمّاد : فهو عبدالله بن حمّاد الأنصـاري ، كما صرّح به في الكافي عند ذكر الرواية في كتاب الحدود ، وأشار إليه في الوسائل أيضاً(1) . وقد ذكر النجاشي أ نّه من شيوخ أصحابنا (2) ، وهو ـ كما ترى ـ مدحٌ بليغ ، وظاهره أ نّه معتمد عليه عند الأصحاب ، ويرجع إليه بما أ نّه راو كما لا يخفى ، على أ نّه مذكور في أسناد كامل الزيارات .
وأمّا المفضّل بن عمر : ففيه كلام طويل الذيل تعرّضنا له في المعجم(3) ، وهو الذي نُسِب إليه كتاب التوحـيد ، والظاهر أ نّه ثقة ، بل من كبار الثقات وإن وردت فيه روايات ذامّة ، إذ بإزائها روايات مادحة تتقدّم عليها، لوجوه تعرّضنا لها في محلّه .
نعم ، ذكر النجاشي أ نّه فاسد المذهب مضطرب الحديث ، قال : وقيل إنّه كان خطّابيّاً(4) . والظاهر أ نّه أراد بهذا القائل ابن الغضائري على ما نُسِب إليه(5) .
وكيفما كان ، فقد عدّه الشيخ المفيد (قدس سره) في إرشاده من شيوخ أصحاب أبي عبدالله (عليه السلام) وخاصّـته وبطانته ومن ثقات الفقهاء الصالحين(6) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 28 : 377 / أبواب بقيّة الحدود ب 12 ح 1 ، الكافي 7 : 242 / 12 .
(2) رجال النجاشي : 218 / 568 .
(3) معجم رجال الحديث 19 : 317 / 12615 .
(4) رجال النجاشي : 416 / 1112 .
(5) رجال ابن داود : 280 / 512 .
(6) إرشاد المفيد 2 : 216 .
ــ[368]ــ
وعدّه الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة من السفراء الممدوحين(1) ، وذكر في التهذيب في باب المهور والاُجور رواية عن محمّد بن سنان عن مفضّل بن عمر ، ثمّ ناقش في سندها من أجل محمّد بن سنان فحسب(2) ، وهو كالصريح في العمل برواية مفضّل وعدم الخدش من ناحيته .
وعدّه ابن شهرآشوب من ثقات أبي عبدالله (عليه السلام) ومن بطانته(3) .
أضف إلى ذلك الروايات المعتبرة الواردة في مدحه كما مرّ، وما خصّه الصادق (عليه السلام) من كتاب التوحيد . وبعد هذا كلّه فلا يُعبأ بكلام النجاشي من أ نّه فاسد المذهب ، كما أنّ ما ذكره من أ نّه مضطرب الرواية غير ثابت أيضاً ، وعلى تقدير الثبوت فهو غير قادح بوثاقة الرجل ، غايته أنّ حديثه مضطرب ، أي قد ينقل ما لا يقبل التصديق أو يعتمد على أشخاص لا ينبغي الاعتماد عليهم . فالظاهر أنّ الرجل من الأجلاّء الثقات ، حتّى أنّ الشيخ ـ مضافاً إلى عدّه إيّاه من السفراء الممدوحين ـ اعتمد عليه في التهذيب كما عرفت .
وعلى أيّ حال ، فلا ينبغي الإشـكال في ضعف الرواية بإبراهيم الأحمر كما مرّ .
ورواها الصدوق بطريق آخر(4) . وهو أيضاً ضعيف بمحمّد بن سنان .
وعليه ، فـتارةً : ندّعي أنّ ضـعفها منجبر بعمل الأصحاب ، فتعامل معها
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كتاب الغيبة : 346 .
(2) التهذيب 7 : 361 / 1464 .
(3) المناقب 4 : 303 .
(4) الفقيه 2 : 73 / 313 .
ــ[369]ــ
معاملة الرواية المعـتبرة ، واُخرى : نلتزم بعدم حجّيّتها ، لعدم تماميّة مسلك الانجبار ، كما لا يبعد أن يكون هذا هو المستفاد من كلام المحقّق في المعتبر حيث تمسّك بالإجـماع كما تقدّم نقله عن صاحب الوسـائل . فإن كان المدرك هو الإجماع وألغـينا الرواية عن درجة الاعتبار ، فما ذكره الماتن من اختصاص التحمّل بالإكراه المستمرّ هو الصحيح ، فإنّ هذا هو المتيقّن من مورد الاجماع ، فلا بدّ من الاقتصار عليه في الحكم المخالف لمقتضى القاعدة ، فيرجع فيما عداه ممّا اشتمل على المطاوعة سابقاً أو لاحقاً إلى ما تقتضيه القواعد من تعلّق الكفّارة والتعزير بكلّ منهما حسبما عرفت ، إذ المخرج عن الإطلاقات الأوّلية المثبتة للكفّارة لكلّ من جامع إنّما هو الإجماع المفروض قصوره عن الشمول للمقام ، فتكون هي المحكّم بطبيعة الحال .
والظاهر أنّ الماتن اعتمد على ذلك ، فيتّجه ما ذكره (قدس سره) من عدم الفرق بين صورتي الاشتمال على المطاوعة واختصاص التحمّل بالإكراه المستمرّ كما عرفت .
وأمّا إذا كان المدرك هو الرواية بناءً على اعتبارها ولو لأجل الانجبار ، فاللاّزم حينئذ التفصيل بين الصورتين :
فإن كانت مطاوعة من الأوّل لم يكن أيّ أثر للإكراه اللاّحق ، بل تجب على كلّ منهما الكفارة ، أخذاً بإطلاق قوله (عليه السلام) : «وإن طاوعته فعليه كفّارة وعليها كفّارة» الصادق عليها إذا طاوعت في ابتداء الجماع ، سواء استمرّت كذلك أم تبدّل طوعها كرهاً ، فصرف وجود الجماع الصادق على أوّل جزء من الدخول المحقّق للجنابة إذا صدر عنها حال كونها مطاوعة فهو محكوم بالكفّارة ، عملا بإطـلاق الرواية ، وعروض الإكراه بعد ذلك لا يوجـب رفع المطاوعة
ــ[370]ــ
الواقعـة في ظرفها ، إذ الشيء لا ينقلب عمّا هو عليه ، فلا يقتضي رفع الحكم الثابت عليها كما هو ظاهر جدّاً .
وأمّا إذا انعكس الأمر ، فكانت مكرهـة من الأوّل مطاوعة في الأثناء ، فالظاهر حينئذ تعدّد الكفّارة على الزوج ، نظراً إلى اندراجه تحت إطلاق قوله (عليه السلام) : «إن كان استكرهها فعليه كفّارتان» ، إذ لا وجه لاختصاصه باستمرار الإكراه إلى الفراغ ، بل صرف وجود الجماع عن كره الصادق على أوّل جزء منه ولو آناً ما مشمولٌ لإطلاق العبارة ، وحصول المطاوعة بعدئذ لا أثر له في نفي ما تحـقّق ، فيصدق من غير أيّة عناية أ نّه أكره زوجته على الجماع ، فالرواية مطلقة من حيث استمرار الإكراه أو التبدّل بالمطاوعة ، فتتعلّق به الكفّارتان لا محالة .
ولكن لا دلالة للرواية على نفي الكفّارة عن الزوجة المستكرهة ، بل هي ساكتة من هذه الجهة ، واقصى ما تدل عليه تعلّق الكفّارتين بالزوج ، فيرجع في الزوجة إلى ما تقتضيه القواعد الأوليّة ، وقد عرفت أنّ مفادها فيما نحن فيه ـ أي في الإكراه المتعقّب بالمـطاوعة ـ تعلّق الكفّارة بها ، لعدم كونه مشمولا لحديث رفع الإكراه .
وهذا هو منشأ احتياط الماتن حيث قال : وإن كان الأحوط كفّارة منها وكفّارتين منه . وهذا هو الصحيح على تقدير العمل بالرواية ، إذ لا ينبغي التأمّل في شمول إطلاقها لهذه الصورة ، لعدم العبرة بمرحلة البقاء لتؤثّر المطاوعة اللاحقة في رفع حكم الإكراه السابق ، فلو فرضنا أنّهما ماتا في الآن الثاني أو كان حدوث الجماع في آخر جزء من النهار ووقع بقاءً في الليل ، فإنّه يصدق أكرهها في نهار رمضـان ، فتتعلّق به الكـفّارتان ، أخذاً بإطلاق الرواية ،
|