لو عجز عن الخصال الثلاث في كفّارة مثل شهر رمضان - حكم من تمكّن من الكفّارة بعد العجز عنها 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 11:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4257


ــ[378]ــ

   [ 2488 ] مسألة 19 : من عجز عن الخصال الثلاث في كفّارة مثل شهر رمضان تخيّر بين أن يصوم ثمانية عشر يوماً أو يتصدّق بما يطيق ((1)) (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لم يبعد الحكم بالجواز حينئذ ، بل لعلّه الأظهر ، كما لو قارب المفطر زوجته الصائمة وهي نائمة ، فإنّ الظاهر أ نّه لا بأس بهذا الجماع ـ وإن استشكل فيه في المتن ـ لكونه من التسبيب نحو صدور الفعل عمّن لا إرادة له ولا اختيار ، فلا يصدر عنه على صفة المبغوضيّة كي يحرم التسبّب إليه ، ولا أقل من الشكّ في ذلك ، والمفروض أنّ الزوج مفطر لا يحرم عليه الجماع من حيث هو ، فلا حرمة في المقام لا من حيث المباشرة ولا من ناحية التسبيب كما أشرنا إليه في التعليق .

   (1) كما لعلّه المشهور ، بناءً منهم على أ نّه مقتضى الجمع بين ما دلّ على أنّ البدل حينئذ هو صوم الثمانية عشر يوماً ، كرواية أبي بصير : عن رجل ظاهر من امرأته فلم يجد ما يعتق ، ولا ما يتصدّق، ولا يقوى على الصيام «قال : يصوم ثمانية عشر يوماً، لكلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام»(2).

   ورواية أبي بصير كما في التهذيب ، وأبي بصير وسماعة بن مهران كما في الاستبصار : عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام ، (ولم يقدر على العتق)(3) ، ولم يقدر على الصدقة : «قال : فليصم ثمانية عشر يوماً عن كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام»(4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأحوط اختيار التصدّق وضمّ الاستغفار إليه .

(2) الوسائل 22 : 372 /  أبواب الكفّارات ب 8 ح 1 .

(3) هذه الجملة غير مذكورة في الاستبصار كما أشار إليها معلق الوسائل .

(4) الوسائل 10 : 381 /  أبواب بقيّة الصوم الواجب ب9 ح1، التهذيب 4 : 312 / 944 ، الاستبصار 2 : 97 / 314 .

ــ[379]ــ

   وهي وإن كانت ضعيفة السند عند القوم لعدم توثيق إسماعيل بن مرّار ولا عبد الجـبّار في كتب الرجال ، ولكنّها معتبرة عندنا ، لكون الأول مذكوراً في أسناد تفسير على بن ابراهيم ، والثاني في أسناد كامل الزيارات .

   وبين ما دلّ على أ نّه التصدّق بما يطيق ، كصحيحة عبد الله بن سنان : في رجل أفطر من شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر «قال : يعتق نسمة ، أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستّين مسكيناً ، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق»(1) .

   وصحيحته الاُخرى : في رجل وقع على أهله في شهر رمضان فلم يجد ما يتصدّق به على ستّين مسكيناً «قال : يتصدّق بقدر ما يطيق»(2) .

   فرفعوا اليد عن ظهور كلّ منهما في الوجوب التعييني بصراحة الاُخرى في جواز الآخر وحملوه على التخيير .

   ولكنّه كما ترى ، لعدم ورود الطائفتين في موضوع واحد لتتحقّق المعارضة ويتصدّى للجمع أو العلاج ، فإنّ رواية أبي بصير الاُولى صريحة في أنّ موردها الظهار الذي كفّارته العتق متعيّناً ، فإن عجز فصيام شهرين ، فإن عجز فإطعام الستّين ، وأين هذا من كفّارة شهر رمضان المخيّرة بين الخصال الثلاث التي هي محلّ الكلام ؟!

   ولعلّ وجوب صوم الثمانية عشر مع التصريح بأنّ لكلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام من أجل أنّ الواجب أخيراً بمقتضى الترتيب هو إطعام الستّين ، فهو الفائت من المظاهر المزبور بعد عجزه عن الأولين ، فذلك جعل بدل كلّ عشرة مساكين صوم ثلاثة أيام حذو ما في كفّارة اليمين ، حيث أنّ الواجب فيها أوّلاً إطعام

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 44 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 1 .

(2) الوسائل 10 : 46 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 3 .

ــ[380]ــ

عشرة مسـاكين ، فإن عجز فصيام ثلاثة أيّام ، فيظهر منها بدليّة الثـلاثة عن العشرة ، فيصير المجموع في المقام ثمانية عشر يوماً كما في الرواية .

   وكذا الحال في روايته الثانية ، فإنّ الظاهر منها أيضاً ذلك ، لأنّ قوله : كان عليه صيام شهرين... إلخ ، لاينطبق على كفّارة شهر رمضان ، إذ ظاهره التعيين ، ولا تعيّن للصيام في هذه الكفّارة فإنّها تخييريّة ، والواجب إنّما هو الجامع ، وإنّما يتعيّن في كفّارة الظهار لدى العجز عن العتق بمقتضى الترتيب الملحوظ هنالك ، فيصحّ حينئذ أن يقال : إنّه كان عليه الصيام ـ أي سابقاً ـ وإن كان فعلا عاجزاً عنه وعن الإطعام أيضاً كما هو المفروض في الرواية .

   ويؤيّده قوله (عليه السلام) أخيراً : «عن كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام» حيث يظهر منه أنّ الفائت منه هو إطعام الستّين ، ولأجله حوسب بدل كلّ عشرة ثلاثة، وهذا إنّما ينطبق على كفّارة الظهار المنتهية أخيراً إلى تعيّن الإطعام لا شهر رمضان حسبما عرفت آنفاً .

   وإن أبيت عمّا استظهرناه من الاختصاص بالظهار ، فغايتها الإطلاق ، فتقيَّد بصحيحتي ابن سنان المتقدّمتين الصريحتين في أنّ البدل في كفّارة شهر رمضان هو التصدّق بما يطيق ، فتحمل رواية أبي بصير على كفّارة الظهار خاصّة ، فلا وجه للحكم بالتخيير أبداً ، بل يعمل بكلّ من الروايتين في موردهما ويحكم بوجوب الصوم ثمانية عشر يوماً في كفّارة الظهار معيّناً ، و بوجوب التصدّق بما يطيق معيّناً أيضاً في كفّارة شهر رمضان ، بل لا وجه له حتّى لو فرضنا ورود الروايتين معاً في مورد واحد ، أي في خصوص كفّارة شهر رمضان لعدم كونه من الجمع العرفي في شيء .

   نعم ، هو متّجه فيما إذا أحرزنا وحدة المطلوب ، وأنّ التكليف المجعول في البين ليس إلاّ تكلـيفاً واحداً مردّداً بين هذا أو ذاك ، كما لو ورد الأمر بالقـصر في رواية وورد الأمر بالتمام في نفس ذلك المورد في رواية أُخرى ، أو ورد الأمر

 
 

ــ[381]ــ

ولو عجز أتى بالممكن منهما (1) ، وإن لم يقدر على شيء منهما استغفر الله ولو مرّةً بدلاً عن الكفّارة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بالظهر في دليل وبالجمعة في دليل آخر ، فإنّه حيث يعلم من الخارج أ نّه لم تجب في يوم واحد إلاّ صلاة واحدة لم يحتمل الجمع بين الأمرين ، فكذلك يجمع بين الدليلين برفع اليد عن ظهور كلّ منهما في الوجوب التعييني بصراحة الآخر في جواز الإتيان بالآخر فيحمل على الوجوب التخييري . وهذا النوع من الجمع ممّا يساعده الفهم العرفي في مثل هذا المورد .

   وأمّا فيما لم تحرز وحدة المطلوب واحتملنا تعدّده وجداناً  كما في المقام ، حيث إنّ من الجائز أن يكون البدل المجعـول في ظرف العجز عن الكفّارة شيئين : الصيام ثمانية عشر يوماً ، والتصدّق بما يطيق ، فمقتضى الجمع العرفي بين الدليلين حينئذ هو الالتزام بكلا الأمرين معاً لا أحدهما مخيّراً كما لايخفى ، ولأجله التزمنا بوجوب ضمّ الاستغفار إلى التصدّق بما يطيق ، لورود الأمر به في صحيحة علي ابن جعفر ، حيث تضمّنت ـ بعد الأمر بالترتيب في كفّارة شهر رمضان المحمول على الاستحباب كما تقدّم سابقاً ـ قوله (عليه السلام) : «فإن لم يجد فليستغفر الله»(1) .

   فإنّ مقتضى الجمع العرفي بين هذه الصحيحة وبين صحيحتي ابن سنان المتقدّمتين المتضمّنتين للتصدّق بما يطيق هو الجمع بين الأمرين وضمّ أحدهما إلى الآخر ، وهذا هو الأقوى .

   (1) في العبارة مسامحة ظاهرة ، إذ لا معنى للإتيان بالممكن من الصدقة لدى العجز عن التصدّق بما يطيق ، ويريد بذلك ـ والله العالم ـ أ نّه لدى العجز أتى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 48 /  أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 9 .

ــ[382]ــ

بالممكن منهما ، أي من مجمـوع الأمرين : من الصوم ثمانية عشر يوماً ، ومن التصدّق بما يطيق ، والممكن من هذا المجموع هو الصوم دون هذا العدد بمقدار ما يتيسّر ولو يوماً واحداً . فقوله (قدس سره) : منهما ، أي من المجموع لا من الجميع وكلّ واحد من الأمرين ليتوجّه الإشكال المزبور .

   نعم ، العبارة قاصرة عن إفادة ذلك ، ولأجله قلنا : إنّ فيها مسامحة ظاهرة .

   وأمّا توجيهها بأنّ المراد من التصدّق بما يطيق التصدّق على الستّين بأقلّ من المدّ فيكون البدل حال العجز عن ذلك هو الإتيان بما يمكنه من هذا العدد .

   فبعيدٌ غايته ، ولا تتحمّله العبارة بوجه ، كما لا يساعده الدليل .

   وكيفما كان ، فلم يُعرَف مستند لما ذكره (قدس سره) من الاتيان بالممكن منهما إلاّ قاعدة الميسور التي هي غير تامّة في نفسها ، كما تعرّضنا له في محلّه ، فمقتضى القاعدة حينئذ ـ بناءً ما اختاره من الوجوب التخييري ـ سقوط التكليف رأساً لمكان العجز .

   وأمّا ما ذكره (قدس سره) من الانتقال إلى الاستغفار لدى العجز عن البدل فهو أيضاً لا يمكن المساعدة عليه ، إذ لم يجعل هو بدلا عن البدل في شيء من النصوص ، وإنّما جعل بدلا عن نفس الكفّارة في صحيحة ابن جعفر المتقدّمة ، فهو في عرض التصدّق بما يطيق ، وكلاهما بدل عن الكفّارة لدى العجز عنها ، ولذا قلنا بوجـوب الجمع بينهما ، لا أ نّه في طول التصدّق ليكون بدلا عنه كما ذكره في المتن .

   وكيفما كان ، فلا ينبغي الاشكال في كفاية الاسـتغفار مرّةً واحدة ، عملا بإطلاق الصحيحة .

 ــ[383]ــ

وإن تمكّن بعد ذلك منها أتى بها ((1)) (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لو عجز عن الكفّارة فانتقل إلى البدل ـ وهو الصوم ثمانية عشر يوماً ، أو التصدّق بما يطيق حسبما ذكره ، أو خصوص التصدّق بضميمة الاستغفار كما هو المختار ـ ثمّ تجددت القدرة عليها ، فهل يجتزىء بما أتى به من البدل ، أو تجب الكفّارة حينئذ ؟

   اختار الثاني في المتن ، وهو الصحيح ، فإنّ دليل البدليّة إنّما يقتضي الإجزاء فيما إذا كان المبدل منه من المؤقّتات ، فلو كان له وقت معيّن وكان عاجزاً عن الإتيان به في وقته وقد جعل له بدل فمقتضى دليل البدليّة بحسب الفهم العرفي وفاء البدل بكلّ ما يشتمل عليه البدل منه من الملاك الذي نتيجته الإجزاء ، فلا حاجة إلى التدارك والقضاء لو تجدّدت القدرة بعد خروج الوقت .

   ومن المعلوم أنّ المبدل منه في المقام غير مؤقت بزمان خاصٌ ولا فوري ، بل يستمرّ وقته ما دام العمر . وعليه ، فلا ينتقل إلى البدل إلاّ لدى العجز المستمرّ، فلو تجدّدت القدرة كشف ذلك عن عدم تحـقّق موضوع البدل ، وعدم تعلّق الأمر به من الأوّل ، وإنّما كان ذلك أمراً خياليّاً أو ظاهريّاً ، استناداً إلى استصحاب بقاء العجز ـ بناءً على جـريانه في الاُمور الاستقباليّة كما هو الصحيح ـ وكلّ ذلك يرتفع لدى انكشاف الخلاف ويعلم به أنّ الواجب عليه من الأوّل كان هو الكفّاة نفسها ، غاية الأمر أ نّه كان معذوراً في تركها إلى الآن لمكان العجز ، وقد عرفت أنّ العجز غير المستمرّ لا يؤثّر في سقوط الأمر عن الواجب غير المؤقّت ، فيجب الإتيان به حينئذ بطبيعة الحال .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على الأحوط .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net