ــ[399]ــ
ولا يكفي في كفّارة واحدة إشباع شخص واحد مرّتين أو أزيد أو إعطاؤه مدّين أو أزيد، بل لا بّد من ستّين نفساً(1).
نعم ، إذا كان للفقير عيال متعدّدون ولو كانوا أطفالا صغاراً (2) يجوز إعطاؤه بعدد الجميع لكّل واحد مدّاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هبته بيعه وصرف ثمنه في حاجياته حتّى بيعه من المعطي نفسه ، والظاهر تسالم الأصحاب على ذلك من غير خلاف ، فيدفع للفقير بعنوان التمليك لا بعنوان التوكيل ليحتفظ به حتّى يأكله .
(1) الخامسة : لا يخفى أنّ الروايات صريحة في الأمر بإطعام ستّين مسكيناً ، ومن المعلوم أنّ الستّين لاينطبق على الأقل منه كالخمسين أو الأربعين أو الثلاثين ونحو ذلك ، ومقتضاه لزوم مراعاة هذا العدد وإطعام ستّين شخصاً ، فلا يجدي التكرار بالنسبة إلى شخص واحد بأن يطعم فقيراً ستّين مرة أو فقيرين ثلاثين مرّة أو ثلاثة عشرين مرّة أو نحو ذلك ، بل لا بدّ من المحافظة على عدد الستّين ، عملا بظاهر النصّ .
ويدل عليه ـ مضافاً إلى ما عرفت من عدم الصدق ـ : موثّقة إسحاق بن عمّار المتقدّمة ، قال : سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن إطعام عشرة مساكين أو إطعام ستّين مسكيناً ، أيجمع ذلك لإنسان واحد يعطاه ؟ «قال : لا ، ولكن يعطي إنساناً إنساناً كما قال الله تعالى» إلخ(1) .
(2) السادسة : لا فرق في المسكين بين الصغير والكبير ولا بين الرجل والمرأة ، فلا يُعتبَر البلوغ ولا الرجوليّة ، لإطلاق الأدلّة ، بل قد يظهر من بعض الروايات
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 22 : 386 / أبواب الكفّارات ب 16 ح 2 .
ــ[400]ــ
المفروغيّة من ذلك ، ففي صحيح يونس بن عبد الرحمن : «ويتمّم إذا لم يقدر على المسلمين وعيالاتهم تمام العدّة التي تلزمه أهل الضعف ممّن لا ينصب»(1) .
فيظهر منها المفروغيّة عن جواز إعطاء العيال بما فيهم من الصغار والنساء .
ونحوها صحيحة الحلبي الواردة في كفّارة اليمين عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ : (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ)(2) «قال : هو كما يكون أن يكون في البيت من يأكل المدّ ، ومنهم من يأكل أكثر من المدّ ، ومنهم من يأكل أقلّ من المدّ ، فبين ذلك» إلخ(3) .
وفي صحيحة يونس الاُخرى التصريح بعدم الفرق بين الصغار والكبار والنساء والرجال وأنّهم في ذلك سواء(4) .
وعلى الجملة : فيظهر من هذه الروايات وغيرها المفروغيّة عن أصل الحكم ، وهو الذي يقتضيه أخذ عنوان المسكين موضوعاً للحكم في النصوص من غير تقييده في شيء منها بالبلوغ أو الرجوليّة .
هذا ، ومن المعلوم أ نّه لا بدّ وأن يكون الإعطاء للصغار إعطاءً صحيحاً ممضى عند الشارع ليصدّق أ نّه أعطى المسكين ، وإلاّ فلا أثر له ، فلو أعطى الأمداد لرئيس العائلة وفيهم الكبار والصغار فهو إنّما يحتسب عليهم ويعدّ اعطاءً لهم فيما إذا كان المعطى وكيلا عن الكبار وليّاً على الصغار ، فيكون الدفع إليه دفعاً إليهم بمقتضى الوكالة والولاية ، وإلاّ فلا أثر له ، لعدم تسلّم المسكين حينئذ لا بنفسه ولا بوكيله ولا بوليه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 22 : 388 / أبواب الكفّارات ب 18 ح 1 .
(2) المائدة 5 : 89 .
(3) الوسائل 22 : 381 / أبواب الكفّارات ب 14 ح 3 .
(4) الوسائل 22 : 387 / أبواب الكفّارات ب 17 ح 3 .
ــ[401]ــ
والحاصل : أ نّه لا بدّ من تحقّق الإعطاء إمّا للمسكين مباشرةً أو لمن يقوم مقامـه وكالةً أو ولايةً ، فلو لم يكن المعطى وكيلا عن زوجتـه أو عن أولاده الكبار ولا وليّاً على الصغار فليس الدفع إليه دفعاً لهم ، فالبلوغ وإن لم نعتبره في المقام إلاّ أ نّه يُعتَبر أن يكون الإعطاء للصغير إعطاءً صحيحاً شرعيّاً بأن يعطى لوليّه ـ مثلا ـ بما هو ولي كما هو الحال في زكاة الفطرة .
هذا ، وقد ظهر لك ممّا تقدّم أنّ الإطعام قد يتحقّق بإعطاء الطعام واُخرى ببذله ليؤكل من دون أن يملك ، كما في قوله تعالى : (أَطْعَمَهُم مِن جُوع)(1) إذ ليس المراد به إعطاء الطعام تمليكاً ، بل رفع الجوع ببذل الطعام ليؤكل ، فالمكلّف مخيّر بين الإعطاء وبين الإطعام الخارجي ، ويظهر من اللغـويّين أيضاً صحّة إطلاقه على كلّ منهما ، فهو اسم للأعمّ من التسبيب إلى الأكل ببذل الطعام فيكون المسبّب الباذل هو المطعِم ومن الإعطاء والتمليك ، والواجب هو الجامع بينهما ، ولذلك اُطلق الإطعام في موثّقة سماعة على إعطائه الطعام لكلّ مسكين مدّ ، فإنّه أيضاً إطعامٌ لا أ نّه بذل له ، فالإطعام مفهوم جامع بين التسليم وبين البذل ، ولعلّ هذا المعنى الجامع هو المراد من قوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً) إلخ(2) .
وحينئذ فإن كان على سبيل الإعطاء فحدّه مدّ لكلّ مسكين ، من غير فرق بين الصغير والكبير والرجل والمرأة ، لإطلاق الأدلّة حسبما مرّ .
وأمّا إذا كان بنحو البذل فلم يُذكَر له حدّ في هذه الأخبار ، فهو ينصرف بطبيعة الحال إلى الإطعام المتعارف الذي حدّه الإشباع وإن اختلفت الكمّيّة الموصلة إلى هذا الحدّ بحسب اختلاف الناس ، فقد يأكل أحد مدّاً ، وآخر أقلّ ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قريش 106 : 4 .
(2) الانسان 76 : 8 .
ــ[402]ــ
وثالث أكثر، ولأجل كون الحدّ الوسط هو المدّ فقد جُعِل الاعتبار في الإعطاء بذلك، كما أُشير إليه في صحيحة الحلبي(1)، وإن كان الغالب في زماننا ـ ولعلّه في السابق أيضاً كذلك ـ أنّ الإنسان العادي لا يأكل المدّ بل ولا نصفه .
وكيفما كان ، فلا إشكال في انصراف الإطعام إلى الإشباع كما في قوله تعالى : (أَطْعَمَهُم مِن جُوع) ، وقد تقدّم أنّ «طعَم» بفتح العين بمعنى شبع .
وعليه ، فالإشباع معتبر في مفهوم الإطعام لو كان مأخوذاً من هذه المادّة ، وهو المناسب لقوله تعالى : (إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ)(2) ، إذ من المعلوم أن إطعام الأهل بالإشباع .
ويدلّ عليه ما في صحيحة أبي بصير الواردة في كفّارة اليمين من التصريح بالإشباع، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أوسط ما تطعمون أهليكم ؟ «قال : ما تقوتون به عيالكم من أوسط ذلك» قلت : وما أوسط ذلك ؟ «فقال : الخلّ والزيت والتمر والخبز ، يشبعهم به مرّةً واحدة» إلخ(3) .
إذ لا يُحتمل اختصاص ذلك بكـفّارة اليمين ، لعدم احتمال الفرق بين إطعام عشرة مسـاكين وبين إطعام السـتّين من هذه الجهة بالضرورة ، فإنّه تفسـيرٌ للإطعام الذي لا يفرق فيه بين مقام ومقام كما هو ظاهر .
وأمّا الاكتفاء بالإشباع مرّةً واحدة فهو ـ مضافاً إلى التصريح به في هذه الصحيحة ـ مقتضى الإطلاق في سائر الأدلّة ، لصدق المفهوم وانطباق الواجب الملحوظ على نحو صرف الوجود عليها ، فلو دعا ستّين مسكيناً وأطعمهم مرّةً واحدةً يصحّ أن يقال : إنّه أطعم ستّين مسكيناً ، فما لم يكن دليل على اعتبار
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 22 : 381 / أبواب الكفّارات ب 14 ح 3 .
(2) المائدة 5 : 89 .
(3) الوسائل 22 : 381 / أبواب الكفّارات ب 14 ح 5 .
ــ[403]ــ
الزيادة على ذلك فمقتضى الإطلاق الاكتفاء بما تصدق عليه الطبيعة .
نعم ، روى العيّاشي في تفسير الآية المباركة الواردة في كفّارة اليمين يشبعهم يوماً واحداً (1) ، ولكنّه مضافاً إلى الإرسال محمولٌ على الأفضليّة ، لصراحة صحيحة أبي بصير المتقدّمة بكفاية المرّة الواحدة كما عرفت .
وهل يُعتبَر في البذل أن يكون من يبذل له كبيراً أو يجزئ الصغير أيضاً كما كان كذلك في الإعطاء ؟
لا شكّ أنّ مقتضى الإطلاق الاكتفاء بكلّ ما صدق عليه إطعام المسـكين وإن كان صغيراً ، فإنّه أيضاً مسكينٌ أطعمه ، إلاّ أ نّه ربّما لا يتحقّق هذا الصدق بالإضافة إلى الصغير الذي لا يأكل إلاّ قليلا جدّاً ، كمن كان عمره ثلاث سنين ونحوه ممّن كان في أوان أكله ، فإنّ صدق إطعام المسكين بالنسبة إليه مشكل جداً ، بل ممنوع عرفاً ، فلو دعا عشرة رجال وكان معهم ابن ثلاث سنين أو أربع لا يقال : إنّه أطعم أحد عشر شخصاً كما لا يخفى .
أمّا إذا كان الصبي أكبر من ذلك بحيث يقارب طعامه طعام الكبار صدق على إطعامه أ نّه إطعام المسكين ، بل قد يأكل المراهق المقارب للبلوغ أكثر ممّا يأكله ابن أربعين سنة ، فالبلوغ غير معتبر هنا جزماً كما هو معتبر في بعض الموارد مثل الطلاق والبيع والنكاح ونحوها ، لعدم دلالة أيّ دليل عليه ، بل العبرة بصدق إطعام المسكين ، فإن صدق كمن كان عمره أربع عشرة سنة كفى وشمله الإطلاق من غير حاجة إلى قيام دليل عليه بالخصوص ، وإن لم يصدق كالصغير جدّاً لم يكف ، مثل : ما لو جمع ستّين مسكيناً صغيراً تتراوح أعمارهم بين الثلاث والأربع سنين فإنّ النصّ من الكتاب والسنّة منصرف عن مثل ذلك قطعاً ، وكذا الحال فيما لو شكّ في الصدق كما لو كان عمره أكثر من ذلك بقليل ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 22 : 382 / أبواب الكفّارات ب14 ح 8 ، تفسير العيّاشي 1 : 337 / 171 .
ــ[404]ــ
فما نُسِب إلى المفيد من عدم كفاية إطعام الصغير(1) صحيحٌ لو أراد هذا الفرض دون الأوّل .
وعلى الجملة : فالحكم دائر مدار الصدق العرفي ، فكلّ ما صدق عليه جزماً إطعام المسكين كفي ، وما لم يصدق أو شكّ في الصدق لا يُجتزأ به .
هذا هو مقتضى القاعدة ، وأمّا بالنظر إلى النصوص الخاصّة فهناك روايات وردت في كفّارة اليمين ، منها : صحيحة يونس المصرّحة بعدم الفرق بين الكبير والصغير(2) ، ولكنّها ناظرة إلى صورة الإعطاء وأجنبيّة عن محلّ الكلام .
والعمدة روايتان :
إحداهما : موثّقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : لا يجزئ إطعام الصغير في كفّارة اليمين ، ولكن صغيرين بكبير»(3) .
والاُخرى : موثّقة السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه (عليه السلام) : «أنّ عليّاً (عليه السلام) قال : من أطعم في كفّارة اليمين صغاراً وكباراً فليزوِّد الصغير بقدر ما أكل الكبير»(4) .
هذا والمحقّق في الشرائع فصّل في الصغير بين المنضمّ إلى الكبير وبين المنفرد عنه، فالأوّل كما في صغار العائلة يُحسَب مستقلاًّ، وفي الثاني كلّ صغيرين بكبير(5) .
ولا يُعرَف لما ذكره (قدس سره) وجهٌ أصلا فإنّ صحيحة يونس(6) الآمرة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جواهر الكلام 33 : 267 .
(2) ، (3) الوسائل 22 : 387 / أبواب الكفّارات ب 17 ح 3 ، 1 .
(4) الوسائل 22 : 387 / أبواب الكفّارات ب 17 ح 2 .
(5) الشرائع 3 : 71 .
(6) الوسائل 22 : 388 / أبواب الكفّارات ب 18 ح 1 .
ــ[405]ــ
بالتتميم ليست في مقام البـيان من هذه الجهـة ، بل غاية ما تدلّ عليه كفاية احتساب العائلة بما فيها من الصغار في الجملة ، ولم يُعلَم أنّ مورد السؤال هو الإعطاء أو الإطعام ، ولم يرد أيّ دليل يقتضي التفصيل بين الانضمام والانفراد .
بل أنّ موثّقة السكوني المزبورة الآمرة بالتزويد لعلّ شمولها لصورة الانضمام أولى ، لقوله (عليه السلام) : «صغاراً وكباراً» أي هما معاً، كما ذكره في الجواهر(1) ، فليس هنا دليل على الاجتزاء بالصغير وحده واحتسابه مستقلا .
وأمّا موثّقة غياث فهي مطلقة من حيث الانضمام وعدمه ، بل أنّ حملها على عدم الانضمام ـ كما عن بعض ـ في غاية البعد ، إذ قلّما يتّفق خارجاً أن يجمع أحدٌ الصغارَ فقط فيعطعمهم .
إذن فالروايتان ـ وهما معتبرتان، لأنّ غياثاً وثّقه النجاشي وإن كان بتريّاً(2) ، والنوفلي الذي يروي عن السكوني مذكور في أسناد كامل الزيارات ـ مطلقتان من حيث الانضمام وعدمه ، ومقتضى الصناعة حينئذ الأخذ بهما والحمل على التخيير جمعاً ، فيتخيّر بين احتساب صغيرين بكبير ، وبين تزويد الصغير بقدر ما أكل الكبير ، فلو أكل ثلث ما أكل الكبير يُعطى له الثلثان الباقيان ، إمّا فعلا أو في مجلس آخر .
وهذا فيما إذا تعدّينا عن مورد الروايتين ، وهو كفّارة اليمين إلى المقام .
وأمّا إذالم نتعدّ ـ كما هو الأظهر ، إذ لم نعرف له وجهاً أصلا بعد أن لم يكن هنا اجماع على عدم الفصل بين الكفّارتين من هذه الجهة ، لعدم كون المسألة منقّحة في كلماتهم كما صرّح به في الجواهر(3) ـ فيُرجع حينئذ إلى ما ذكرناه أوّلاً
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 33 : 268 .
(2) رجال النجاشي : 305 / 833 .
(3) الجواهر 33 : 269 .
|