ــ[406]ــ
[ 2494 ] مسألة 25 : يجوز السفر في شهر رمضان لا لعذر وحاجة ، بل ولو كان للفرار من الصوم ، لكنّه مكروه (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في بيان مقتضى القاعدة من التفصيل بين صدق إطعام المسكين وعدمه ، فيُجتزأ بصغير واحد مع الصدق ، ولايُجتزأ بجمع من الصغار فضلا عن الصغيرين بدونه .
(1) المشهور جواز السفر في شهر رمضان من غير حاجة ، ونُسِب الخلاف إلى الحلبي فمنعه إلاّ لضرورة (1) ، فهو عنده محرّم يسوّغه الاضطرار .
والكلام يقع تارةً : فيما يستفاد من الآية المباركة، واُخرى: بالنظر إلى الروايات الخاصّة الواردة في المقام .
أمّا الأوّل : فقد قال تبارك وتعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ا لَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامَاً مَعْدُودَات فَمَن كَانَ مِنكُم مَرِيضَاً أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّام أُخَرَ وَعَلَى ا لَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين ) إلخ(2) .
والمستفاد منها تقسيم المكلّفين إلى أقسام ثلاثة :
قسم يجب عليه الصيام متعيّناً .
وقسم يتعيّن في حقّه القضاء ، وهو المريض والمسافر .
وقسم لا يجب عليه لا هذا ولا ذاك وانّما تجب عليه الفدية فقط ، وهم الذين يطيقونه ، أي من يكون الصوم حرجاً عليه كما هو معنى الإطاقة، كالشيخ والشيخة .
وبما أنّ موضوع الحكم الثاني هو المريض والمسافر فبمقتضى المقابلة وأنّ التفصيل قاطع للشركة بكون موضوع الحكم الأوّل هو من لم يكن مريضاً ولا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مستمسك العروة 8 : 380 .
(2) البقرة 2 : 183 ـ 184 .
ــ[407]ــ
مسافراً ، فيكون المكلّف بالصيام هو الصحيح الحاضر ، فقد اُخذ في موضـوع الحكم أن لا يكون المكلّف مسافراً فيكون الوجوب مشروطاً به بطبيعة الحال ، لأنّ الموضوع ـ كما ذكرناه في الواجب المشروط ـ هو ما كان مفروض الوجود عند تعلّق الحكم ، سواء أكان غير اختياري كدلوك الشمس بالإضافة إلى وجوب الصلاة ، أم كان اختياريّاً كالسفر والحضر والاستطاعة ونحوها ، فمعنى قولنا : المستطيع يحجّ : أ نّه على تقدير تحقّق الاستطاعة وعند فرض وجودها يجب الحجّ ، فلا يجب التصدّي لتحصيله ، لعدم وجوب تحصيل شرط الوجوب .
وعليه ، فيجوز للحاضر السفر ولا يجب على المسافر الحضر ، لعدم وجوب تحصيل شرط التكليف لا حدوثاً ولا بقاءً ، فلو كنّا نحن والآية المباركة لقلنا بجواز السفر في شهر رمضان ولو لغير حاجة لأنّ الواجب مشروط ولا يجب تحصيل الشرط كما عرفت .
وأمّا بالنظر إلى الروايات الخاصّة الواردة في المقام فقد دلّت روايتان معتبرتان على جواز السفر ولو من غير حاجة على ما هو صريح إحداهما وظاهر الاُخرى .
فالاُولى : صحيحة الحلبي: عن الرجل يدخل شهر رمضان وهو مقيم لايريد براحاً ، ثمّ يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر ، فسكت ، فسألته غير مرّة «فقال : يقيم أفضـل إلاّ أن تكون له حاجة لا بدّ له من الخروج فيها أو يتخوّف على ماله»(1) .
وهي ـ كما ترى ـ صريحة في جواز السفر من غير حاجة مع أفضليّة الإقامة ، لدرك فضل الصيام في شهر رمضان الذي هو من أهمّ أركان الإسلام ، وقد تضمّن بعض الأدعية المأثورة طلب التوفيق لذلك بدفع الموانع من فرض أو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوساائل 10 : 181 / أبواب من يصح منه الصوم ب 3 ح 1 .
ــ[408]ــ
سفر ، إلاّ مع الحاجة فلا أفضليّة حينئذ للإقامة .
والثانية : صحيحة محمّد بن مسلم : عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان وهو مقيم وقد مضى منه أيّام : «فقال : لا بأس بأن يسافر ويفطر ولا يصوم»(1) .
وهذه ليست في الدلالة كالسابقة ، فإنّها انّما تدلّ بالإطلاق على جواز السفر ولو من غير حاجة، فهي قابلة للحمل على فرض الحاجة كما قد لا يأباه التعبير بـ : «يعرض» ، فليست صريحة في السفر الاختياري كما في صحيحة الحلبي .
وبإزاء هاتين الصحيحتين عدّة روايات ، منها : رواية أبي بصير، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الخروج إذا دخل شهر رمضان «فقال : لا ، إلاّ فيما اُخبرك به : خروج إلى مكّة ، أو غزو في سبيل الله ، أو مال تخاف هلاكه ، أو أخ تخاف هلاكه»(2) .
وقد عُبِّر عنها بالصحيحة ولكنّها ضعيفة السند جدّاً ، فإنّ في السند علي بن أبي حمزة البطائني ، وكان واقفياً كذّاباً متّهماً ، بل كان أحد عمد الواقفة وكان يكذب على الإمام في بقاء موسى بن جعفر (عليه السلام) وأ نّه لم يمت ، طمعاً فيما بيده من أمواله (عليه السلام) ، وقد ضعفّه الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة صريحاً(3) ، وروى في حقّه روايات ذامّة ، منها : قول الإمام (عليه السلام) له : «انّك لا تفلح» .
فالرواية ساقطة عن درجة الاعتبار ، لا تصلح للاستدلال بوجه .
ومنها : ما رواه في الخصال في حديث الأربعمائة قال : «ليس للعبد أن يخرج
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوساائل 10 : 181 / أبواب من يصح منه الصوم ب 3 ح 2 .
(2) الوسائل 10 : 181 / أبواب من يصح منه الصوم ب 3 ح 3 .
(3) كتاب الغيبة : 55 .
ــ[409]ــ
إلى سفر إذا دخل شهر رمضان ، لقول الله عزّ وجلّ : (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)(1) .
وهذه الراوية وإن كانت ضعيفة عند القوم إلاّ أنّها معتبرة عندنا ، إذ ليس في السند من يُغمَز فيه إلاّ الحسن بن راشد جدّ القاسم بن يحيى ، ولكنّه لا بأس به ، فان هذا الاسم مشترك بين أشخاص ثلاثة : أحدهم الطفاوي وهو ضعيف ، والآخر من أصحاب الجواد وهو ثقة ، والثالث هو جدّ القاسم بن يحيى الواقع في هذا السند ، ولم يرد في حقّه توثيقٌ في كتب الرجال ، ولكنّه مذكور في أسناد كامل الزيارات بنفس العنوان المذكور في سند هذه الرواية ، أي القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن بن راشد .
وعليه ، فالرواية معتبرة على المختار وواضحة الدلالة على المنع ، لكنّها محمولة على الكراهة ، جمعاً بينها وبين صحيحة الحلبي المتقدّمة المصرّحة بالجـواز مع أفضليّة البقاء ، بل قد يقال : إنّه لا يكون أفضل فيما إذا كان السفر لزيارة الحسين (عليه السلام) ، كما قد يُسـتظهَر ذلك من رواية أبي بصـير : يدخل عليّ شهر رمضان فأصوم بعضـه فتحضرني نيّة زيارة قبر أبي عبدالله (عليه السلام) ، فأزوره وأفطر ذاهباً وجائياً أو اُقيم حتّى أفطر وأزوره بعد ما أفطر بيوم أو يومين ؟ فقال له : «أقم حتّى تُفطر» فقلت له : جُعلتُ فداك : فهو أفضل ؟ «قال : نعم ، أما تقرأ في كتاب الله : (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)»(2) .
بناءً على أنّ السـؤال ناظر إلى أ نّه هل يخفّف الزيارة فيقتصر على الأقلّ الممكن بأن يذهب صباحاً ويزور ويرجع مساءً ـ مثلا ـ أو أ نّه يقيم هناك يوماً
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 182 / أبواب من يصح منه الصوم ب 3 ح 4 ، الخصال : 614 . والآية في البقرة 2 : 185 .
(2) الوسائل 10 : 183 / أبواب من يصح منه الصوم ب 3 ح 7 .
ــ[410]ــ
أو يومين؟ فأجاب (عليه السلام) بأنّ الإقامة أفضل وأ نّه لا بأس بفوات الصيام عنه ، لأ نّه مكتوب على من شهد الشهر ، أي كان حاضراً في بلده ، وهذا ليس كذلك ، وعليه فيُعدّ هذا من خصائص زيارة الحسين (عليه السلام) .
ولكنّ الأمر ليس كذلك ، بل السؤال ناظر إلى أ نّه هل يخرج إلى زيارته (عليه السلام) ويفطر في ذهابه وإيابه ـ بطبيعة الحال ـ أو أ نّه يقيم في وطنه ولا يخرج حتّى يفطر ، أي يكمل صيامه لشهر رمضان ويفطر بحلول عيد الفطر ، ويؤجّل الزيارة بعد ما أفطر من شوال بيوم أو يومين ، فأجاب (عليه السلام) بأ نّه يقـيم ، وأنّ هـذا ـ أي الإقامـة في البلد واخـتيار الصيام على الخروج للزيارة ـ أفضل لقوله تعالى : (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) .
وبالجملة : فالرواية دالّة على خلاف ما ذُكِر ، ومضمونها مطابق لبقيّة الروايات الدالّة على أنّ الأفضل ترك السفر من غير ضرورة ، غير أنّها ضعيفة السند بالحسن بن جميلة أو جبلة ، فإنّه مجهول ، ولولا ضعفها لكانت مؤكِّدة لتلك النصوص.
ومنها : رواية الحسين بن المـختار عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «قال : لا تخرج في رمضان إلاّ للحجّ أو العمرة ، أو مال تخاف عليه الفوت ، أو لزرع يحين حيث صاده»(1) .
وهي ضعيفة السند بعلي ابن السندي ، فإنّه لم يوثّق إلاّ من قبل نصر بن صباح ، ولكنّه بنفسه غير موثّق فلا أثر لتوثيقه .
نعم ، قيل : هو علي بن إسماعيل الثقة . وليس كذلك ، لاختلاف الطبقة حسبما فصّلنا القول حوله في المعجم(2) ، ولم يتعرّض له الشيخ والنجاشي مع كثرة رواياته،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 183 / أبواب من يصح منه الصوم ب 3 ح 8 .
(2) معجم رجال الحديث 13 : 50 / 8195 .
ــ[411]ــ
[ 2495 ] مسألة 26 : المدّ ربع الصاع ، وهو ستمائة مثقال وأربعة عشر مثقالا وربع مثقال(1)، وعلى هذا فالمدّ مائة وخمسون مثقالا وثلاثة مثاقيل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا يخلو ذلك من الغرابة .
وكيفما كان ، فالصحيح ـ على ما يقتضيه الجمع بين النصوص ـ هو جواز السفر على كراهة ، بل مقتضى الإطلاق ولا سيّما في صحيحة الحلبي هو الجواز وإن كان لغاية الفرار عن الصيام كما ذكره في المتن .
ثمّ أنّ السيّد الماتن (قدس سره) كرّر هذه المسألة في فصل شرائط وجوب الصوم ـ الآتي(1) ـ غير أ نّه قيّد الكراهة هناك بما قبل مضيّ ثلاثة وعشرين يوماً من شهر رمضان ، فلا كراهة بعد ذلك ، وكأنّ الأيام الباقية في الأهمّيّة دون الماضية .
ولم يُعرَف له أيّ وجه ما عدا رواية واحدة ضعيفة السند جدّاً ، للإرسال ولسهل بن زياد ، وهي الرواية السادسة من روايات الباب الثالث من أبواب من يصحّ منه الصوم من الوسائل ، فلا موجب لرفع اليد بها عن إطلاقات النصوص المتضمّنة لأفضليّة البقاء أو كراهة الخروج ، ولا سيّما مع التعليل فيها بقوله تعالى : (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) إلخ ، المقتضي لعدم الفرق بين ما قبل الثالث والعشرين وما بعده ، فالأظهر ثبوت الكراهة مطلقاً .
(1) بلا خلاف فيه ولا إشكال كما تعرّضنا له في مبحث الكرّ وقلنا : أ نّه بحسب الوزن ألف ومائتا رطل عراقي ، وأنّ كل رطل منه مائة وثلاثون درهماً ، وكلّ عشرة دراهم خمسة مثاقيل وربع بالمثقال الصيرفي ، فالرطل ثمانية وستّون مثقالا وربع المثقال ، فإذا ضُرِب هذا في تسعة ـ لكون الصاع تسعة أرطال
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح العروة 22 : 31 .
ــ[412]ــ
ونصف مثقال وربع ربع المثقال ، وإذا أعطى ثلاثة أرباع الوقيّة من حُقّة النجف فقد زاد أزيد من واحد وعشرين مثقالا ، إذ ثلاثة أرباع الوقيّة مائة وخمسة وسبعون مثقالا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عراقيّة ـ يكون المجموع ستمائة وأربعة عشر مثقالا وربع المثقال وزن الصاع بالمثقال الصيرفي ، والمدّ ربعه كما صُرّح به في جملة من الأخبار التي منها ما تقدّم في نصوص الكفّارة .
وعليه ، فالواجب ربع هذا المقدار ، وهو مائة وخمسون مثقالا وثلاثة مثاقيل ونصف مثقال وربع ربع المثقال ، كما أثبته في المتن ، المساوي لثلاثة أرباع الكيلو تقريباً .
|