وجوب إمساك جزء من الليل في كلّ من الطرفين لحصول الجزم بتحقّق المأمور به 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 11:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4608


ــ[445]ــ


فصل

في الزمان الذي يصحّ فيه الصّوم

    وهو النهار من غير العيدين (1) ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) أمّا أنّ مورده النهار فضروري ، وتدل عليه الآية المباركة ، قال تعالى : (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ) إلخ ، إلى قوله : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الليْلَ)(1) فيظهر منها أنّ ظرف الصوم في الشريعة الإسـلاميّة متخلّل ما بين طلوع الفجر إلى الليل ، وهو معنى النهار، والأخبار مطبقة على ذلك، وفي بعضها : أ نّه إذا طلع الفجر فقد دخل وقت الصلاة والصيام(2) ، وهذا من الواضحات .

   وأمّا استثناء العيدين من أيّام السنة فقد نطقت به جملة وافرة من النصوص ، وأ نّه لا يشرّع الصيام في هذين اليومين ، حتّى ورد في بعضها : أنّ من جعل على نفسـه صوم كلّ يوم حتّى يظهر القائم (عجّل الله تعالى) فرجه لا يصحّ نذره بالإضافة إلى يومي العيدين(3) ، وقد ورد في روايات النذر : أنّ من نذر صوم يوم معيّن فصادف العيد أو السفر ينحلّ نذره ، لأنّ الله قد وضع عنه الصيام في هذه الأيّام(4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة 2 : 187 .

(2) انظر الوسائل 4 : 207 /  أبواب المواقيت ب 26 ح 2 .

(3) الوسائل 10 : 515 /  أبواب الصوم المحرم والمكروه ب 1 ح 8 .

(4) الوسائل 23 : 310 /  كتاب النذر والعهد ب 10 ح 1 .

ــ[446]ــ

ومبدأه طلوع الفجر الثاني ، ووقت الإفطار ذهاب الحمرة من المشرق ((1)) (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   والظاهر أنّ اقتصاره (قدس سره) في الاستثناء على العيدين من أجل أنّ ذلك حكم لعامّة المكلّفين ، فإنّ صوم أيّام التشريق أيضاً حرام ولكن لمن كان بمنى لا لغيره ، فاليوم المحرّم صومه على كل أحد هو يوما العيدين كما ذكره (قدس سره).

   (1) تقدّم الكلام من حيث المبدأ والمنتهى في مبحث الأوقات من كتاب الصلاة مفصّلا ، إذ لا فرق بين الصوم والصلاة من هذه الجهة ، وقلنا : إنّ المبدأ هو الفجر المعترض في الاُفق المعبّر عنه في الآية المباركة بالخيط الأبيض، والمشبّه في بعض النصوص بنهر سورا وبالقبطيّة البيضاء .

   وأمّا المنتهى : فالمستفاد من أكثر الأخبار أنّ الاعتبار بغروب الشمس ، أي بغيبوبة القرص تحت الأرض ، أي تحت دائرة الاُفق ، ودخولها في قوس الليل .

   وقلنا في محلّه : إنّ ما في جملة من الأخبار من التعبير بارتفاع الحمرة يراد به الحمرة من دائرة الاُفق من ناحية المشرق ، حيث إنّ الشمس حينما تغيب يظهر آنذاك سواد من ناحية المشرق وبذلك ترتفع الحمرة من تلك الناحية كما لاحظنا ذلك مراراً ، وهو مقتضى طبع كرويّة الأرض ، وقد اُشير إلى ذلك في بعض الأخبار بأنّ المشرق مطلّ على المغرب .

 هذا ، ولكن نُسِب إلى المشهور أنّ العبرة بذهاب الحمرة المشرقيّة عن قمّة الرأس أو عن ربع الفلك ، والظاهر من عـبارة المحقّق في الشرائع عدم صحّة النسبة ، حيث قال بعد اختيار الاستتار : وقيل بالحمرة المشرقيّة(2) ، فيظهر من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على الأحوط .

(2) الشرائع 1 : 72 .

ــ[447]ــ

ويجب الإمساك من باب المقدّمة (1) في جزء من الليل في كلّ من الطرفين ، ليحصل العلم بإمساك تمام النهار .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإسناد إلى القيل أنّ ذلك قولٌ غير مشهور .

   وكيفما كان ، فالجمود على ظواهر النصوص يقتضي بأنّ الاعتبار بسقوط القرص ، ولكن الأحوط رعاية ذهاب الحمرة المشرقية ولو لأجل احتمال ذهاب المشهور إليه ، لكن هذا الاحتياط إنّما هو بالنسبة إلى الصوم وصلاة المغرب ، وأمّا تأخير الظهرين إلى ما بعد السقوط فغير جائز كما ذكرناه في محلّه .

   (1) أي العلميّة كما يشير إليه ، لحكومة العقل بلزوم إحراز الامتثال بعد تنجّز التكليف ووصوله ، فإنّ الاشتغال اليقيني يستدعي فراغاً مثله ، فلا يكتفي باحتمال الامتـثال بل لا بدّ من الجـزم به ، المتوقّف على دخول جزء من غير الواجب وضمّه إلى الواجب ، ليحصل بذلك الجزم بتحقّق المأمور به ، ولأجل ذلك يحكم بوجوب ضمّ مقدار من خارج الحدّ في غسل الوجه واليدين في الوضوء .

   وعليه يبتني وجوب الاجتناب عن أطراف العلم الإجمالي في الشبهات التحريميّة ، ووجوب الإتيان بها في الشبهات الوجوبيّة فهذه الكبرى ـ أعني : حكم العقل بوجوب المقدّمة العلميّة من باب الاحتياط وتحصيلا للجزم بالامتثال ـ ممّا لا غبار عليها .

   إنّما الكلام في تطبيقها على المقام ، فقد طبّقها عليه في المتن ، ولأجله حكم (قدس سره) بوجوب الإمساك في جزء من الليل في كل من الطرفين ، ولكن الظاهر أ نّه لا يتمّ على إطلاقه .

   امّا من حيث المنتهى : فالأمر كما ذكر ، فلا يجوز الإفطار إلاّ بعد مضيّ زمان

ــ[448]ــ

يتيقّن معه بدخول الليل، ويكفي فيه استصحاب بقاء النهار وعدم دخول الليل ، ومع الغضّ عنه يدلّ عليه قوله تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الليْلِ) ، فلا بدّ من اليقين بدخول الليل ليحرز امتثال الأمر بالإتمام إلى الليل ، وعليه فلا مناص من الاحتياط .

   وأمّا من حيث المبدأ : فلا نرى وجهاً للاحتياط بالإمساك في جزء من الليل ليتيقّن بحصول الإمساك من أوّل جزء من الفجر بعد جريان استصحاب بقاء الليل وعدم طلوع الفجر الذي نتيجته جواز الأكل ما لم يتيقّن بالفجر ، فإنّه بهذا الاستصحاب الموضوعي يحرز عدم دخول النهار شرعاً وبقاء الليل تعبّداً ، ومعه لا مجال للرجوع إلى الاحتياط المزبور كما لا يخفى .

   هذا ، مضافاً إلى قوله تعالى : (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ) إلخ ، حيث جُعِلت الغاية التبيّن ، فما لم يتبيّن وكان شاكّاً جاز له الأكل والشرب ولم يجب الإمساك وإن كان الفجر طالعاً واقعاً ، فهو في مرحلة الظاهر مرخّص في الأكل إلى أن يتبيّن الفجر وينكشف .

   نعم ، لو لم يراع الفجر بنفسه ثمّ انكشف الخلاف وجب القضاء ولا يجب مع المراعاة . وهذا حكم آخر لا ربط له بوجوب الإمساك تكليفاً لدى الشكّ وعدمه الذي هو محلّ الكلام كما لا يخفى .

   نعم ، يتّجه الاحتياط المزبور فيما لو سقط الاستصحاب فارتفع المؤمّن الشرعي ، كما لو علم من نفسه أ نّه لو لم يحتط بالإمساك في جزء من الليل واستمرّ في التعويل على الاستصحاب لأفطر في جزء من النهار يقيناً ولو في يوم واحد من مجموع الشهر ، كما لا يبعد حصول هذا العلم لغير واحد من الأشخاص ، فهو يعلم بحصول الإفطار إمّا في هذا اليوم أو في الأيّام الآتية ، ففي مثله لا يجوز الرجوع إلى الاستصحاب ، لسقوطه في أطراف العلم الإجمالي ،




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net