ــ[457]ــ
الثالث : عدم الإصباح جنباً أو على حدث الحيض والنفاس بعد النقاء من الدم على التفصيل المتقدّم (1) .
الرابع : الخلو من الحيض والنفاس في مجموع النهار ، فلا يصحّ من الحائض والنفساء إذا فاجـأهما الدم ولو قبل الغروب بلحظة أو انقطع عنهما بعد الفجر بلحظة (2) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يبعد الثاني ، فإنّ الدليل على عدم صحّة الصوم من المجنون إذا كان هو اشتراط التكليف بالعقل كما ذكرنا فمثل هذا الاشتراط لم يرد في السكران ولا المغمى عليه ، ولا سيّما إذا كان السكر والإغماء بالاختيار ، فإذا كان التكليف مطلقاً من هذه الجهة ولم يكن مشروطاً بعدمها فلا إشكال إلاّ من ناحية النيّة ، وقد عرفت أنّ النيّة المعتبرة في الصوم تغاير ما هو المعتبر في العبادات الوجوديّة وأنّها سنخ معنى لا تنافي النوم، فإذن لا تنافي السكر والإغماء أيضاً ، لعين المناط .
وعلى الجملة : فحال السكران والمغمى عليه حال النائم من هذه الناحية ، فإن تمّ إجماع على بطلان صـومهما ـ ولم يتمّ ـ فهو ، وإلاّ فمقتضى الإطلاقات شمول التكليف لهما ، وصحّة العمل منهما كمن غلب عليه النوم ، فالحكم بالبطلان فيهما مبني على الاحتياط، وإلاّ فلا يبعد صحّة صومهما من غير فرق بين المستمرّ وغيره .
(1) كما تقدّم الكلام حوله مستقصىً في مبحث المفطرات ، وقد عرفت أنّ الاخبار دلّت على الكفّارة حينئذ فضلا عن القضاء ، فلاحظ(1) .
(2) بلا خلاف فيه ولا إشكال ، فلو رأت الدم في جزء من النهار ولو لحظة من الأوّل أو الأخير أو الوسط فضلا عن مجموعه بطل صومها ، كما دلّت عليه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 185 ـ 205 .
ــ[458]ــ
ويصحّ من المستحاضة ((1)) إذا أتت بما عليها من الأغسال النهاريّة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النصوص المتضافرة الناطقة بأنّ نفس رؤية الدم توجب الإفطار ، وهي قويّة السند واضحة الدلالة .
ومنها : صحيحة الحلبي : عن امرأة أصبحت صائمة فلمّا ارتفع النهار أو كان العشي حاضت ، أتفطر؟ «قال: نعم ، وإن كان وقت المغرب فلتفطر» قال : وسألته عن امرأة رأت الطهر في أوّل النهار في شهر رمضان فتغتسل (لم تغتسل) ولم تطعم، فما تصنع في ذلك اليوم؟ «قال : تفطر ذلك اليوم ، فإنّما فطرها من الدم»(2) .
وقد دلّت على الحكم من الطرفين، ونحوها غيرها كما لا يخفى على من لاحظها .
نعم، يستفاد من بعضها استحباب الإمساك من غير أن تعتدّ بالصوم ، كموثّقة عمّار: في المرأة يطلع الفجر وهي حائض في شهر رمضان ، فإذا أصبحت طهرت ، وقد أكلت ثمّ صلّت الظهر والعصر ، كيف تصنع في في ذلك اليوم الذي طهرت فيه ؟ «قال : تصوم ولا تعتدّ به»(3) .
ونحوها معتبرة محمّد بن مسلم عن المرأة ترى الدم غدوة أو ارتفاع النهار أو عند الزوال «قال : تفطر ، وإذا كان ذلك بعد العـصر أو بعد الزوال فلتمض على صومها ولتقض ذلك اليوم»(4) .
هذا ، ولكن رواية أبي بصير تضمّنت التفصيل بين ما قبل الزوال وما بعده ، وأنّها لو رأت الدم بعد الزوال تعتدّ بصوم ذلك اليوم، فتكون معارضة للنصوص
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) على تفصيل تقدّم .
(2) الوسائل 10 : 227 / أبواب من يصح منه الصوم ب 25 ح 1 .
(3) الوسائل 10 : 231 / أبواب من يصح منه الصوم ب 28 ح 2 .
(4) ، الوسائل 10 : 232 / أبواب من يصح منه الصوم ب 28 ح 3 .
ــ[459]ــ
المتقدّمة، فقد روى عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال: إن عرض للمرأة الطمث في شهر رمضان قبل الزوال فهي في سعة أن تأكل وتشرب ، وإن عرض لها بعد زوال الشمس فلتغتسل ولتعتدّ بصوم ذلك اليوم ما لم تأكل وتشرب»(1) .
وهي ـ كما ترى ـ واضحة الدلالة ، معتبرة السند ، إذ ليس فيه من يغمز فيه ما عدا يعقوب بن سالم الأحمر الذي هو عمّ علي بن أسباط ، حيث إنّه لم يتعرّض له في كتب الرجال بمدح أو ذمّ ، ولكن وثّقه المفيد في رسالته العدديّة صريحاً ، حيث ذكر جماعة من رواة أنّ شهر رمضان قد ينقص وقد يكمل كبقيّة الشهور، ومنهم الرجل ، وقال في حقّهم : إنّهم فقهاء أعلام اُمناء على الحلال والحرام لا يُطعَن فيهم بشيء(2) .
وهذا ـ كما ترى ـ من أعلى مراتب االتوثيق . فالظاهر أنّ السند ممّا لا إستشكال فيه كالدلالة .
ولكن الذي يهوّن الخطب أنّها رواية شاذّة لا عامل بها ، بل قد بلغت من الهجر مرتبةً لم يتعرّض لها في الجواهر ، بل ولا صحاب الحدائق مع أنّ دأبه التعرّض لكلّ رواية تناسب المسألة وإن ضعفت أسانيدها .
وعليه ، فلا تنهض للمقاومة مع الصحاح المتقدّمة كصحيحة الحلبي وغيرها الصريحة في أنّها تفطر حين تطمث من غير فرق بين ما قبل الزوال وما بعده ، والمسألة مسلّمة لا خلاف فيها .
وقد عالج الشيخ تلك الرواية بحملها على وهم الراوي(3)، فكأنّ العبارة كانت هكذا: «ولاتعتدّ» فتخيّل أنّها «ولتعتدّ».
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 231 / أبواب من يصح منه الصوم ب 28 ح 4 .
(2) الرسالة العددية (ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9) : 42 ، 46 .
(3) التهذيب 1 : 393 ، الاستبصار 1 : 146 .
|