ــ[485]ــ
السادس : عدم المرض أو الرَّمَد (1) الذي يضرّه الصوم ، لإيجابه شدّته أو طول بُرئه أو شدّة ألمه أو نحو ذلك ، سواء حصل اليقين بذلك أو الظنّ ، بل أو الاحتمال الموجب للخوف ، بل لو خاف الصحيح من حدوث المرض لم يصحّ منه الصوم ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلو فرضنا انتفاء القصر لجهة من الجهات إمّا لعدم كونه ناوياً للإقامة ، أو لأ نّه كثير السفر كالمكاري ، أو أنّ سفره معصية ونحو ذلك ممّا يتم معه المسافر صلاته ، وجب عليه الصوم أيضاً ، وقد ورد التصريح بذلك في عدّة من الأخبار الواردة في نيّة الإقامة وأنّ المسافر لو نوى إقامة عشرة أيّام أتمّ وصام ، وفيما دونه يقصّر ويفطر .
وعلى الجملة : فهذه الملازمة ثابتة من الطرفين إلاّ ما خرج بالدليل ، كالسفر بعد الزوال كما تقدّم ، أو بدون تبـييت النيّة على كلام ، فإن قام الدليـل على التفكيك فهو ، وإلاّ فالعمل على الملازمة حسبما عرفت .
(1) بلا خلاف فيه ، بل هو في الجملة من الضروريّات ، وقد نطق به قبل النصوص المسـتفيضة الكتاب العزيز ، قال تعالى : (وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّام أُخَرَ)(1) بناءً على ماعرفت من ظهور الأمر في الوجوب التعييني ، ولذلك استدلّ في بعض الأخبار على عدم الصحّة من المريض ولزوم القضاء لو صام بالآية المباركة ، كما في حديث الزهري(2) ، والنصوص مذكورة في الوسائل باب 20 من أبواب من يصحّ منه الصوم .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البقرة 2 : 185 .
(2) الوسائل 10 : 224 / أبواب من يصح منه الصوم ب 22 ح 1 .
ــ[486]ــ
هذا، ومقتضى إطلاق الأدلّة عموم الحكم لكلّ مريض، ولكنّه غير مراد جزماً، بل المراد خصوص المرض الذي يضرّه الصوم ، للانصراف أوّلا ، ولاستفادته من الروايات الكثـيرة ثانياً ، حيث سُئل في جملة منها عن حدّ المرض الذي يجب على صاحبه فيه الإفطار ، فأجاب (عليه السلام) بألسنة مختلفة :
مثل قوله (عليه السلام) : «هو أعلم بنفسه ، إذا قوي فليصم» كما في صحيحة محمّد بن مسلم(1) .
وقوله (عليه السلام) : «هو مؤتمن عليه ، مفوّض إليه ، فإن وجد ضعفاً فليفطر ، وإن وجد قوّة فليصمه» كما ورد في موثّقة سماعة(2) .
وقوله (عليه السلام) : «الانسان على نفسه بصيرة ، ذاك إليه هو أعلم بنفسه» كما في صحيحة عمر بن اُذينة(3) ، وغير ذلك .
فيستفاد من مجموعها أ نّه ليس كلّ مرض مانعاً ، وإنّما المانع خصوص المرض المضرّ ، ولذا اُحيل إلى المكلّف نفسه الذي هو على نفسه بصيرة .
ثمّ إنّه لا فرق في الضرر بين أقسامه من كونه موجباً لشدّة المرض أو طول البرء أو شدّة الألم ونحو ذلك ، للإطلاق .
إنّما الكلام في طريق إحراز الضرر ، فالأكثر ـ كما حكي عنهم ـ على أ نّه الخوف الذي يتحقّق بالاحتمال العقلائي المعتدّ به ، وذكر جماعة اعتبار اليقين أو الظنّ ، بل عن الشهيد التصريح بعدم كفاية الاحتمال(4) ، والصحيح هو الأوّل ، لأ نّه ـ مضافاً إلى أنّ الغالب عدم إمكان الإحراز ، والخوف طريق عقلائي ، كما
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 219 / أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 3 .
(2) الوسائل 10 : 220 / أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 4 .
(3) الوسائل 10 : 220 / أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 5 .
(4) لاحظ الدروس 1 : 271 .
ــ[487]ــ
في السفر الذي فيه خطر ـ تكفينا صحيحة حريز عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر»(1) .
فإذا ثبت الاكتفاء بالخوف في الرمد وهو في عضو واحد من الجسد ، ففي المرض المستوعب لتمام البدن الذي هو أشدّ وأقوى بطريق أولى كما لا يخفى .
على أنّ التعبير بالخوف واردٌ في موثّقة عمّار أيضاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في الرجل يصيبه العطاش حتّى يخاف على نفسه «قال : يشرب بقدر ما يمسك رمقه، ولا يشرب حتّى يروى»(2).
إذ لا وجه لتخصيص الخوف المذكور فيها بخوف الهلاك ، بل يعمّ ما دونه أيضاً من خوف المرض والإغماء ونحو ذلك كما لا يخفى .
وعلى الجملة : فالمستفاد من الأدلّة أنّ العبرة بمجرّد الخوف ، ولا يلزم الظنّ أو الاطمئنان فضلا عن العلم ، بل لا يبعد أن يكون هذا طريقاً عقلائيّاً في باب الضرر مطلقاً ، كما يفصح عنه ما ورد في مقامات اُخر غير الصوم ، مثل ما ورد في لزوم طلب الماء وفحصه للمتيمّم على الخلاف في مقدار الفحص في الفلاة من أ نّه يكفّ عن الفحص إذا خاف من اللصّ أو السبع ، فيدلّ على سقوطه لدى كونه في معرض الخطر ، وإلاّ فلا علم ولا ظنّ بوجود اللصّ أو السبع ، ولذا عبّر بالخوف .
ومثل ما ورد في صحيحتين في باب الغسل من أ نّه إذا خاف على نفسه من البرد بتيمّم(3) ، فيكون هذا الخوف بمجرّده محقّقاً للفقدان المأخوذ في موضوع
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 218 / أبواب من يصح منه الصوم ب 19 ح 1 .
(2) الوسائل 10 : 214 / أبواب من يصح منه الصوم ب 16 ح 1 .
(3) الوسائل 3 : 347 ـ 348 / أبواب التيمم ب 5 ح 7 و 8 .
ــ[488]ــ
وجوب التيمّم ، ومعلومٌ أ نّه ليس بمعنى الخوف من الهلاك فقط ، بل الغالب فيه خوف المرض والضرر ونحو ذلك .
فمن استقصاء هذه الموارد يكاد يطمئنّ الفقيه بأنّ الاعتبار بمجرّد الخوف ، وهو كاف في إحراز الضرّر المسوّغ للإفطار ، ولا يعتبر الظنّ فضلا عن العلم .
بقي هنا شيء، وهو أنّ موضوع الحكم في الكتاب والسنّة هو المريض، وظاهره ـ بطبيعة الحال ـ هو المريض الفعلي كما في المسافر ، فالمحكوم بالإفطار هو من كان مريضاً أو مسافراً بالفعل ، فإذن ما هو الدليل على جواز الإفطار للصحيح الذي يخاف من حدوث المرض لو صام ؟
الدليل عليه أمران :
الأوّل : أ نّه يستفاد ذلك من نفس هذه الأخبار، فإنّ تجويز الإفطار للمريض لا يستند إلى مرضه السابق ، ضرورة عدم تأثيره فيما مضى ، إذ لا علاقة ولا ارتباط للصوم أو الإفطار الفعليّين بالإضافة إلى المرض السابق ، وإنّما هو من أجل سببيّة الصوم وإيجابه للمرض بقاءً بحسب الفهم العرفي ، ولا أثر له في رفع السابق كما هو ظاهر .
وعليه ، فلا فرق بين الوجود الثاني والوجود الأوّل ـ أي الحدوث ـ لوحدة المناط فيهما .
الثاني : أ نّه يستفاد ذلك من صحيحة حريز المتقدّمة الواردة في الرمد ، فإنّ قوله (عليه السلام) : «إذا خاف على عينيه من الرمد» إلخ ، ظاهرٌ في الحدوث ، أي يخاف أ نّه إذا صام يحدث الرمد ، لا أ نّه يخاف من شدّته أو بطء برئه ونحو ذلك كما لا يخفى ، فإذا كان الحكم في الرمد كذلك ففي غيره بطريق أولى .
|