ــ[494]ــ
ولا يكفي الضعف ، وإن كان مفرطاً ما دام يُتحمّل عادةً (1) . نعم ، لو كان ممّا لا يُتحمّل عادةً جاز الإفطار .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأمّا بناءً على المختار من صحّة الترتّب وإمكانه بل لزومه ووقوعه وأنّ تصوّره مساوق لتصديقه حسبما فصّلنا القول حوله في الاُصول وشيّدنا أساسه وبنيانه(1) ، فلا مناص من الحكم بالصحّة بمقتضى القاعدة ، إذ المزاحمة في الحقيقة إنّما هي بين الإطلاقين لا بين ذاتي الخطابين ، فلا مانع من تعلّق الأمر بأحدهما مطلقاً ، وبالآخر على تقدير عصـيان الأوّل ومترتّباً عليه، فالساقط إنّما هو إطلاق الأمر بالمهمّ وهو الصوم ، وأمّا أصله فهو باق على حاله ، إذ المعجز ليس نفس الأمر بالأهمّ، بل امتثاله .
فعلى ما ذكرناه كان الأولى ذكر هذا في شرائط الوجوب لا في شرائط الصحّة، فانّ الوجوب مشروط بعدم المزاحمة بالأهمّ ، وإلاّ فهذه المزاحمة لا تستوجب فساد الصوم بعد البناء على الترتّب .
(1) قد يفرض : أنّ الضعف جزئي لا يعتنى به ، وحكمه ظاهر ، واُخرى : يكون أكثر من ذلك ولكن لا يبلغ حدّ الحرج ، لكونه ممّا يُتحمّل عادةً وإن كان مفرطاً ، وهذا أيضاً لا يضرّ بالصوم ، بمقتضى إطلاق الأدلّة من الكتاب والسنّة بعد أن لم يكن المتّصف به مريضاً حسب الفرض ، وإنّما هو صحيحٌ اعتراه الضعف ، ولم يخرج عن عموم الآية إلاّ المريض والمسافر .
وعلى الجملة : مجرّد الضعف لا يستوجب السقوط ولا سيّما مع كثرته في الصائمين ، حيث إنّ الغالب منهم يعتريهم مثل هذا الضعف من جوع أو عطش ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محاضرات في اُصول الفقه 3 : 101 ـ 102 .
ــ[495]ــ
خصوصاً أيّام الصيف البالغة ما يقرب من ستّ عشرة أو سبع عشرة ساعة ، بل سُمِع في بعض البلدان أ نّه قد يصل طول النهار إلى إحدى وعشرين ساعة ويكون مجموع الليل ثلاث ساعات .
وكيفما كان ، فمقتضى إطلاق الأدلّة عدم قدح الضعف المزبور كما عرفت .
نعم ، في موثقة سماعة الواردة في حدّ المرض : «فإن وجد ضعفاً فليفطر»(1) .
ولكن من الواضح أ نّه ليس المراد به مطلق الضعف ، بل بقرينة المقابلة بقوله (عليه السلام) : «وإن وجد قوّة فليصمه» يراد به : الضعف عن الصوم ، الذي هو كناية عن تضرّر المريض المفروض في السؤال ، وأنّه ممّن لا يقوى على الصيام ، فمرجع الموثّقة إلى تفويض أمر المريض إلى نفسه من حيث تشخيص التمكّن من الصيام وعدمه لأ نّه مؤتمن عليه ، فإن وجد قوّة صام ، وان وجد ضعفاً ـ أي لم يَرَ من نفسه قوّة على الصيام ـ فليفطر ، فلا دلالة لها على أنّ كلّ ضعف ولو من غير المريض موجب للإفطار ، بل موضوعه المريض فقط كما هو ظاهر .
هذا كلّه فيما إذا كان الضعف ممّا يُتحمّل عادةً .
وأمّا إذا لم يُتحمّل بأن بلغ حدّ الحرج ، فلا شكّ في جواز الإفطار حينئذ ، بمقتضى عموم دليل نفي الحرج، وهو المراد من قوله تعالى: (ا لَّذِينَ يُطِيقُونَهُ)(2)، فإنّ الإطاقة هو إعمال القدرة في أقصى مرتبتها، المساوق للحرج الغالب حصوله في الشيخ والشيخة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 220 / أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 4 .
(2) البقرة 2 : 184 .
ــ[496]ــ
ولو صام بزعم عدم الضرر فبان الخـلاف بعد الفراغ من الصوم ففي الصحّة إشكال (1) ، فلا يُترك الاحتياط بالقضاء .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وهو في محلّه ، بل لعلّ الأظهر العدم ، فإنّ الحكم بالصحّة يتوقّف على أحد أمرين : إمّا إثبات الأمر بالصوم ، أو أن يستكشف بدليل قطعي أو ما في حكمه أ نّه محبوب وواجد للملاك وإن لم يؤمَر به لمانع ، وشيء منهما لا يمكن إحرازه في المقام .
أمّا الأمر : فواضح ، ضرورة أنّ ظاهر الآية المباركة بقرينة المقابلة بين المريض وغيره اختصاص الأمر بالصوم بالصحيح الحاضر، فالمريض أو المسافر غير مأمور بذلك جزماً .
وأمّا الملاك : فلا طريق إلى إحرازه ـ لعدم علمنا بالغيب ـ إلاّ من ناحية الأمر والمفروض انتفاؤه ، وليس المقام من باب المزاحمة قطعاً ليكون الملاك محرزاً ، كيف ؟! وفي ذاك الباب قد تعلّق تكليفان كلّ منهما مطلق ، غايته أ نّه لا يمكن الجمع بينهما في مقام الامتثال .
وأمّا في المقام فليس إلاّ أمر واحد متعلّق بالمقيّد بغير المريض والمسافر ، ومعه كيف يمكن استكشاف الملاك في فاقد القيد ؟ ! وإذ لم يثبت الأمر ولم يحرز الملاك فلا مناص من الحكم بالبطلان ، لخروج المريض عن حريم موضوع الأمر بالصوم واقعاً ، سواء علم به أم جهل .
نعم ، لو فرضنا أنّ عدم تعلّق الأمر بالمريض لم يكن لأجل تقيّد موضوع الحكم بعدمه ، وإنّما كان ذلك مستنداً إلى قاعدة نفي الضرر ، اتجّه الحكم بالصحّة فيما لو صام باعتقاد عدم الضرر .
ومن هنا التزمنا في محلّه بصحّة الوضوء أو الغسل الضرريّين فيما إذا اعتقد
ــ[497]ــ
عدم الضرر ، وذلك لأنّ هذه القاعدة إنّما شُرِّعت بلسان الامتنان ، ولا امتنان في الحكم بفساد العمل الصادر باعتقاد عدم الضرر، بل هو على خلاف الامتنان ، فلا يكون مشمولا للقاعدة .
وبالجملة : الضرر الواقعي ما لم يصل لا يكون رافعاً للتكليف ، لعدم الامتنان ، فإذا كان التكليف باقياً على حاله وقد أتى به المكلّف على وجهه فلا مناص من الحكم بالصحّة .
وأمّا في المـقام فقد عرفت أنّ البطلان لم يكن بدليل نفي الضرر ، وإنّما هو لأجل التخصيص في دائرة الموضوع وتقييده بغير المريض . إذن لا وجه للحكم بصحّة صوم المريض بمجرّد اعتقاد عدم الضرر ، بل لا بدّ إمّا من الحكم بالبطلان جزماً ، أو لا أقلّ من الاحتياط اللزومي كما صنعه في المتن .
وملخّص الكلام : أنّ الصوم باعتقاد عدم الضرر مع انكشاف الخلاف قد يُفرَض في موارد التزاحم، واُخرى في مورد الحكومة وثالثة في مورد التخصيص .
لا إشكال في الصحّة في مورد المزاحمة مع الجهل بالأهمّ ، فإنّ المعجز هو التكليف الواصل ولم يصل فيقع المهمّ على ما هو عليه من المحبوبيّة وتعلّق الأمر به ، بل هو كذلك حتّى مع الوصول والتنجّز ، غايته أ نّه عصى في ترك الأهمّ فيصحّ المهمّ بناءً على الترتّب .
وأمّا في مورد الحكومة ـ أعني : ارتفاع الأمر بالصوم بلسان نفي الضرر الحاكم على جميع الأدلّة الأوّلية من الواجبات والمحرّمات ـ فحاله ـ مع عدم الوصول كما هو المفروض ـ حال التزاحم ، فإنّ تشريع نفي الضرر إنّما هو لأجل الامتنان ، فكلّ تكليف من قبل المولى ينشأ منه الضرر فهو مرفوع .
وأمّا لو فرضنا جهل المكلّف بكون الحكم ضرريّاً فامتثله ثمّ انكشف الخلاف
ــ[498]ــ
فهو غير مشـمول لدليل نفي الضرر ، إذ لا امتنان في رفعه حينئذ ، ضرورة استناداً الوقوع في الضرر الواقعي في مثله إلى جهل المكلّف نفسه لا إلى إلزام الشارع ، فنفي الحكم بعد هذا مخالفٌ للامتنان إذ لازمه البطلان ، ولا امتنان في الحكم بالفساد ، فلا مناص من الالتزام بالصحّة .
وأمّا في مورد التخصيص الراجع إلى تضييق منطقة الحكم من لدن جعله ، وثبوته في بعض الموارد دون بعض كما في المقام ، حيث خصّت الآية المباركة التكليف بالصيام بالأصحّاء دون المرضى ، فلو أخطأ المكلفّ وتخيّل عدم مرضه أو عدم الإضرار به فصام ثمّ انكشف الخلاف ، فمتقضى القاعدة هو البطلان ، لأنّ هذا مأمور واقعاً بالإفطار والقضاء ، وإجزاء غير المأمور به عن المأمور به يحتاج إلى دليل ، ولا دليل .
ولو انعكس الفرض ، فاعتقد أنّ الصـوم مضرّ ومع ذلك صام ثمّ انكشف الخلاف ، فهل يحكم بالصحّة أو بالفساد ؟
الظاهر هو الحكم بالصحّة ، لعين ما ذُكر ، لأ نّه مأمور بالصوم واقعاً وقد أتى به ، فلا قصور لا من ناحية الأمر ولا من ناحية الانطباق على العمل ، غاية الأمر أنّ الإشكال من جهة النيّة وتمشّي قصد القربة مع اعتقاد الضرر الموجب لاعتقاد سقوط الأمر ، فلا بدّ من فرضه على نحو يتمشّى منه ذلك ، كما لو تخيّل أنّ رفع الحكم عن المريض ترخيصي لا إلزامي ، فاعتقد أ نّه مخيّر بين الصوم وعدمه لا أنّ تركه عزيمة ، وإلاّ فلو لم تصحّح النيّة ولم يقصد القربة بطل العمل لا لخلل فيه في نفسه ، بل لأمر خارجي وهو فقدان النيّة كما عرفت . وأمّا مع مراعاتها فلا مناص من الحكم بالصحّة .
|