اشتراط صحّة الصوم المندوب أن لا يكون عليه صوم واجب 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 11:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3844


ــ[503]ــ

   [ 2504 ] مسألة 3 : يشترط في صحّة الصوم المندوب ـ  مضافاً إلى ما ذكر  ـ أن لا يكون عليه صوم واجب من قضاء أو نذر أو كفّارة أو نحوها (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) يقع الكلام تارةً : فيما إذا كان عليه قضاء شهر رمضان ، واُخرى : فيما إذا كان عليه صوم واجب آخر غيره من كفّارة أو نذر ونحوهما .

   أمّا في الأوّل : فلا إشكال في عدم صحّة الصوم المندوب ، لصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن ركعتي الفجر ، قال : قبل الفجر ـ  إلى أن قال :  ـ أتريد أن تقايس ؟ لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوّع إذا دخل عليك وقت الفريضة ؟! فابدأ بالفريضة»(1) فكأنّ الحكم في المقيس عليه أمر مقطوع به مفروغ عنه .

   وصحيحة الحلبي المرويّة عن الكافي ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة ، أيتطوّع ؟ «فقال : لا ، حتّى يقضي ما عليه من شهر رمضان»(2) .

   المؤيّدتين برواية أبي الصباح الكناني : عن رجل عليه من شهر رمضان أيّام ، أيتطوّع ؟ «فقال : لا ، حتّى يقضي ما عليه من شهر رمضان»(3) .

   وإن كانت الرواية ضعيفة السـند لما مرّ من أنّ الراوي عن الكناني ـ وهو محمّد بن الفضيل ـ مردّد بين الثقة وغيره ، ومحاولة الأردبيلي لإثبات أ نّه محمّد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 345 /  أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح 1 .

(2) الوسائل 10 : 346 /  أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح 5 ، الكافي 4 : 123 /  2 ، التهذيب 4 : 276 / 835 .

(3) الوسائل 10 : 346 /  أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح 6 ، الكافي 4 : 123 / 1 ، التهذيب 4 : 276 / 836 .

ــ[504]ــ

ابن القاسم بن الفضيل(1) غير مسموعة .

   وكيفما كان ، ففي الصحيحتين غنىً وكفاية .

   وأمّا الثاني ـ أعني : غير القضاء من مطلق الصوم المفروض ـ  : فيستدّل له بما رواه في الفقيه بإسناده عن الحلبي وبإسناده عن أبي الصباح الكناني جميعاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، أنّه : «لا يجوز أن يتطوّع الرجل بالصيام وعليه شيء من الفروض»(2) .

   فإنّ الفرض المذكور فيها يعمّ القضاء وغيره ، فلا بدّ من الأخذ بهذا الإطلاق ، لعدم التنافي بينه وبين الصحيحتين المتقدّمتين ، الواردتين في خصوص القضاء ، لكونهما مثبتتين ، فلا يكون ذلك من موارد حمل المطلق على المقيّد كما هو ظاهر .

   ولكن قد يُناقش فيه بأنّ الموجود في الفقيه شيء آخر غير ما هو المذكور في الوسائل، فإنّ الصدوق قد أخذ الإطلاق في عنوان بابه فقال : باب الرجل يتطوّع بالصيام وعليه شيء من الفرض . وقال : وردت الأخبار والآثار عن الأئمّة (عليهم السلام) أ نّه لا يجوز أن يتطوّع الرجل بالصيام وعليه شيء من الفرض ، وممّن روى ذلك الحلبي وأبو الصباح الكناني عن أبي عبدالله (عليه السلام) .

   ولأجل ذلك احتمل أن يكون المعنى بالروايتين كلامه (قدس سره) هو روايتا الكافي والتهذيب عن الحلبي والكناني المتقدّمتان آنفاً عن الوسائل الواردتان في القضاء، ولكن الصدوق اجتهد وفهم أنّ الحكم لا يختّص بالقضاء ، بل يعمّ مطلق الفرض .

   وبعبارة اُخرى : لم يذكر الصدوق هذا بعنوان الرواية وإنّما ذكره بعنوان الفتوى ، فقال : باب كذا ، وبعده يقول: وممّن روى ذلك... فمن المحتمل أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جامع الرواة 2 : 177 ـ 183 .

(2) الوسائل 10 : 346 / أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح 2 ، الفقيه 2 : 87 / 392 .

ــ[505]ــ

المظنون قويّاً أ نّه يشير إلى الروايتين الواردتين في خصوص القضاء بعد إعمال الاجتهاد فيهما باستنباط الإطلاق .

   وعليه ، فليس في البين دليل يُعتمد عليه في الحكم بعدم الجواز في غير القضاء الذي عليه المشهور .

   أقول : الظاهر أنّ المناقشة في غير محلّها، إذ الاحتمال المزبور من البُعد بمكان ، لتصريحه بأنّه وردت به الأخبار والآثار ، فكيف يمكن أن يقصد بهذا التعبير ـ  الذي هو بصيغة الجمع  ـ خصوص هاتين الروايتين المرويّتين في الكافي ؟!

   والذي يكشف كشفاً قطعيّاً عن عدم كونه ناظراً إلى هاتين الروايتين أنّ طريق الصدوق إلى الحلبي بجميع من في سلسلة السند مغاير مغايرةً تامّة مع طريق الكليني إليه في تمام أفراد السند بحيث لا يوجد شخص واحد مشترك بينهما ، ومعه كيف يمكن أن يريد به تلك الرواية المرويّة في الكافي ؟!

   نعم ، طريقه إلى الكناني مجهول، وأمّا إلى الحلبي فصحيح بإسناد مباين لإسناد الكليني وإن كان طريقه إليه أيضاً صحيحاً .

   وكيفما كان ، فالظاهر أنّ هذه رواية اُخرى ولا مانع من عنوان الباب بنحو ما عرفت بعد أن عقّبه بقوله : روى ذلك الحلبي ، الظاهر في أنّ الحلبي روى عين ما ذكره لا مضمون ما عنونه بحيث يكون المروي شيئاً آخر هو مدرك استنباطه واجتهاده ، فإنّ هذا خلاف الظاهر جدّاً ، والصدوق في عدّة موارد من كتاب الفقيه يفعل كذلك بأن يعنون الباب ثمّ يقول : رواه فلان وفلان .

   وعليه ، فالظاهر أنّ ما في الفقيه رواية اُخرى بسند آخر مغايرة لما في الكافي ، فلا مانع من الأخذ بإطلاقها .

   فما ذكره الماتن تبعاً للمشهور من عدم صحّة الصـوم المندوب ممّن عليـه مطلق الفرض هو الصحيح .

ــ[506]ــ

مع التمكّن من أدائه ، وأمّا مع عدم التمكّن منه ـ كما إذا  كان مسافراً وقلنا بجواز الصوم المندوب في السفر أو كان في المدينة وأراد صيام ثلاثة أيّام للحاجة ـ فالأقوى صحّته (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) بعد الفراغ عن عدم جواز الصوم المندوب ممّن عليه الواجب إمّا مطلقاً أو خصوص القضاء على الخلاف المتقدّم ، فهل يختصّ ذلك بمن كان متمكناً من أداء الواجب ، أو يعمّ غير المتمكّن ، سواء كان عدم التمكّن مستنداً إلى اختيار المكلّف نفسه فله تحصيل القدرة لكون مقدّمتها اختياريّة كما لو كان مسافراً يتمكّن من قصد الإقامة والإتيان بالصوم الواجب بعد ذلك ، أم كان العجز لأمر خارج عن الاختيار كما لو كان الواجب عليه صوم الكفّارة شهرين متتابعين ولم يتمكّن من ذلك لحلول شهر رمضان خلالهما المانع من حصول التتابع ، فهل يجوز له حينئذ التصدّي للصوم المندوب ؟

   لعلّ المعروف هو الجواز ، ولكن ناقش فيه بعضهم ، منهم صاحب الجواهر (قدس سره) (1) ، نظراً إلى إطلاق دليل المنع الشامل لصورتي التمكّن من أداء الواجب وعدمه .

   ولا يبعد أنّ ما ذكره المشهور هو الصحيح ، لانصراف الدليل إلى فرض التمكّن ، فكأنّ الإمام (عليه السلام) في مقام بيان قضيّة معروفة في الأذهان بحكم الارتكاز من أولويّة الفريضة وعدم مزاحمتها بالنافلة وأنّ تفريغ الذمّة من الواجب أهمّ من الاشتغال بالمستحبّ ، لا أن ذلك مجرّد تعبّد صرف .

   ومن الواضح أنّ مورد الارتكاز هو من كان متمكّناً من الواجب ولا يعمّ العاجز بوجه ، فدليل المنع منصرف عنه بطبيعة الحال .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 16 : 338 ـ 339 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net