ــ[507]ــ
وكذا إذا نسي الواجـب وأتى بالمندوب فإنّ الأقوى صـحّته إذا تذكّر بعد الفراغ (1) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كما هو المشهور أيضاً ، لما عرفت من الانصراف إلى فرض التمكّن المنتفي لدى النسيان .
هذا ، وصاحب الجواهر وافق المشهور هنا ، فإنّه وإن احتمل العدم لكنّه أخيراً أفتى بالصحّة(1) ، وحينئذ يُسأل عن الفارق بين المقام وبين عدم التمكّن من غير ناحية النسيان حيث خالف المشهور ثمّة كما مرّ ووافقهم فيما نحن فيه ؟
والظاهر أنّ نظره الشريف في التفرقة إلى أنّ الموضوع في النهي عن صوم التطوّع هو من عليه القضـاء أو من عليه الفرض كما تضمّنته النصـوص ، وهذا الموضوع مطلق يشمل صورتي التمكّن من أداء الفريضة وعدمه ، فإنّ العجز عن الأداء مانع خارجي لا يوجب سقوط التكليف ، غايته أ نّه لا يتمكّن من امتثاله فعلا ، فالمسافر لم يسقط عنه وجوب القضاء بسفره ولكن لا يمكن إيجاده فعلا ، لأنّ السفر مانع عن الصحّة ، فالواجب مشروط بقصد الإقامة أو دخول البلد ، وبما أ نّه موسّع يجـوز له التأخـير ، لا أنّ الوجوب مشروط بشيء ، فأصل الوجوب موجود بالفعل ومتحقّق في صورتي التمكّن الفعلي من أداء الواجب وعدمه ، فلأجله يشمله إطلاق النهي عن التطوّع لصدق أنّ عليه الفرض كما عرفت ، والانصراف الذي يدّعيه المشهور يمنعه (قدس سره) .
وهكذا الحـال فيمن لم يتمكّن من التتابع لدخول شـعبان ، فإنّ التكليف بالكفّارة لم يسـقط ، غايته أ نّه يجب الامتـثال متأخّراً ، فالتكليف بالكفّارة أو القضاء موجود لكن مشروطاً لا مطلقاً ، فيشمله إطلاق الدليل حسبما عرفت .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 17 : 23 .
ــ[508]ــ
وأمّا إذا تذكّر في الأثناء قطع (1) ويجوز تجديد النيّة حينئذ للواجب مع بقاء محلّها ، كما إذا كان قبل الزوال .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأمّا في فرض النسيان فالتكليف غير موجود من أصله ، لامتناع توجيه الخطاب نحو الناسي ، فهو مرفوع عنه حتّى واقعاً ما دام ناسياً ، لحديث رفع النسيان ، فيختصّ وجوب القضـاء كسائر التكاليف بغير الناسي . فهو إذن لا قضاء عليه وليس عليه فرض ، فلا يشـمله دليل النهي عن التطـوّع ممّن عليه القضاء ، أو من عليه الفرض .
وعلى الجملة : النسيان يوجب رفع التكليف من أصله ، وبعد الذكر يحدث تكليف جديد .
وأمّا العـجز عن الفرد مع سعة الوقت كما هو الفرض ، فهو لا يوجب سقوط التكليف من الأصل حتّى ما دام العجز باقياً ، غايته أ نّه لا يتمكّن من الإتيان فعلا ، فانّ متعلّق التكليف هو الطبيعي لا خصوص هذا الفرد الذي هو مورد للعجز ، كما هو الحال في الصلاة ، فإنّه لو عجز عن الإتيان بتمام أجزائها في ساعة معيّنة لم يستوجب ذلك سقوط الأمر كما هو ظاهر .
وكيفما كان ، فما ذكره المشهور من الصحّة في كلتا الصورتين ـ أعني : صورتي العجز والنسيان ـ هو الصحيح ، لما عرفت من الانصراف ، وإن كان الأمر في النسيان أظهر من غيره حسبما بيّناه .
(1) لصدق أنّ عليه الفرض بعدما تذكّر فيشمله إطلاق النهي عن التطوّع ، فليس له الإتمام ندباً ، وحينئذ فإن كان التذكّر قبل الزوال جاز له تجديد النيّة والعدول به إلى القضاء ، لما عرفت في محلّه من التوسعة في أمر النيّة بالنسـبة إليه ، بل حتّى لو كان عازماً على عدم الصوم فبدا له فيه ولم يحدث شيئاً ، فإنّه
ــ[509]ــ
ولو نذر التطوّع على الإطلاق صحّ وإن كان عليه واجب ، فيجوز أن يأتي بالمنذور قبله بعدما صار واجباً ، وكذا لو نذر أيّاماً معيّنة يمكن إتيان الواجب قبلها .
وأمّا لو نذر أيّاماً معيّنة لا يمكن إتيان الواجب قبلها ففي صحّته إشكال من أ نّه بعد النذر يصير واجباً ، ومن أنّ التطوّع قبل الفريضة غير جائز فلا يصحّ نذره ولا يبعد أن يقال((1)) : إنّه لا يجوز بوصف التطوّع ، وبالنذر يخرج عن الوصف ، ويكفي في رجحان متعلّق النذر رجحانه ولو بالنذر . وبعبارة اُخرى : المانع هو وصف الندب وبالنذر يرتفع المانع(1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يجوز التجديد فيما بينه وبين الزوال .
وأمّا إذا كان التذكّر بعد الزوال فقد فات محلّ العدول إليه ، فلا مناص من رفع اليد والحكم بالبـطلان ، لما عرفت من عدم جواز الإتمام ندباً بعد أن كان مشمولا لإطلاق دليل النهي .
(1) نذر التطوّع ممّن عليه الفرض على أقسام ثلاثة :
فتارةً : يتعلّق بالطبيعي ، كأن يصوم يوماً من هذا الشهر أو من هذه السنة ، فكان المتعلّق مطلقاً وهو متمكّن من تفريغ الذمّة عن الفرض ثمّ الإتيان بالمنذور .
واُخرى: يتعلّق بشخص يوم معيّن كالعاشر من هذا الشهر ـ مثلا ـ مع فرض التمكّن المزبور.
وثالثةً : يتعلّق بالشخص ، ولا يمكن إتيان الواجب قبله ، كما لو نذر أوّل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تقدّم الكلام في ذلك في مسألة التطوّع في وقت صلاة الفريضة .
ــ[510]ــ
شعبان أن يصوم يوم العشرين منه ، وعليه من القضاء خمسة عشر يوماً .
لا إشكال في صحّة النذر وانعقاده في القسمين الأولين ، لأن متعلّقه مقدور عقلا وراجح شرعاً ، ومن الواضح أنّ اشتغال الذمّة بالواجب إن كان مانعاً فإنّما يمنع عن جواز التطوّع قبل تفريغ الذمّة عن الفريضة لا عن صحّة النذر من أصله ، فلا يتصوّر في البين أيّ موجب لبطلان النذر .
وإنّما الكلام في أ نّه هل يجوز الإتيان بالمنذور قبل الواجب كما اختاره في المتن أو أ نّه يتعيّن العكس ؟ وستعرف الحال في ذلك .
وأمّا في القسم الثالث : ففي انعقاد النذر إشكال من أنّ متعلّقه ليس براجح لولا النذر لكونه من التطوّع في وقت الفريضة ، فهو غير مشروع في نفسه ، ومن أ نّه بالنذر يخرج عن وصف التطوّع ويصير واجباً ، ويكفي في رجحان المتعلّق رجحانه ولو بالنذر، وهذا هو الذي اختاره الماتن أخيراً، وقد عنون (قدس سره) المسألة هنا وفي باب الصلاة بناءً على عدم جواز التطوّع في وقت الفريضة في الصلاة أيضاً ، كما قد تدلّ عليه صحيحة زرارة المتقدّمة(1) : «أتريد أن تقايس» إلخ . وعبارته (قدس سره) في كلا المقامين قاصرة ، إذ لا شكّ ولا ريب في أنّ الرجحان لا بدّ وأن يكون مع قطع النظر عن النذر وإلاّ لجاز تعلّق النذر بكلّ ما هو غير مشروع في نفسه كالصلاة بغير وضوء أو إلى غير القبلة ، بل بكلّ ما هو منهي عنه كالكذب وشرب الخمر ، فيقال : إنّه راجح من قبل النذر ، وهذا ممّا لا يلتزم به أيّ فقيه ، بداهة أنّ غير المشروع لا يكون مشروعاً بالنذر ، إذ كيف يجعل لله ما يبغضه الله ، أو لم يردّه الله كالصلاة ستّ ركعات بسلام واحد مثلا ؟!
وهذا واضح لا يحتاج إلى دليل .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 503 .
ــ[511]ــ
ولذا كتبنا في التعليقة في بحث الصلاة أنّ في العبارة قصوراً ، وهذا الظاهر غير مراد جزماً ، بل يريد أن متعلّق النذر راجح في نفسه وإنّما كان هناك أمر آخر موجباً لعدم جوازه وهو يرتفع بالنذر تكويناً كما سيتّضح ذلك إن شاء الله تعالى .
وكيفما كان ، فإذا بنينا على صحّة النذر في القسم الأخير فالأمر في الأولين واضح ، إذ الإشكال فيهما لم يكن إلاّ من ناحية جواز الإتيان بالمنذور قبل الواجب ، وإلاّ فقد عرفت أنّ النذر فيهما منعقد في نفسه قطعاً ، فإذا بنينا على الصحّة هنا المستلزم لجواز إيقاع المنذور قبل الواجب مع الضـيق ففيهما ـ مع سعة الوقت ـ بطريق أولى .
وأمّا إذا بنينا هنا على عدم الصحّة ، نظراً إلى اعتبار الرجحان اللازم حصوله قبل النذر ، المفقود في المقام ، لعدم كون العمل قابلا للتقرّب بعد كونه مبغوضاً للمولى ، لكونه من التطوّع في وقت الفريضة المنهيّ عنه ، فهل الأمر في القسمين الأولين أيضاً كذلك فلا يصحّ الإتيـان بالمنذور خارجاً قبل تفريغ الذمّة عن الفريضة وإن كان النذر في حدّ نفسه صحيحاً كما عرفت ، أو أ نّه يصحّ ؟
اخـتار الثاني في المتن ، نظراً إلى أ نّه بعد فرض صحّـة النـذر فما يأتي به مصداقٌ للمنذور الذي هو محكوم بالوجوب وليس من التطوّع في شيء ، فلا تشمله الأدلّة الناهية عن التطوّع في وقت الفريضة .
ولكن قد يناقَش فيه بأنّه بناءً على عدم الصحّة في القسم الأخير لا يصحّ ذلك في الأولين أيضاً ، لانّ تعلّق النذر بالتطوّع قبل الفريضة لو كان ممنوعاً ـ كما هو المفروض في هذا المبنى ـ لم يكن ذلك مشـمولا للإطلاق أيضاً ، فلا محالة يتقيّد المنذور بالتطوّع المأتي به بعد الفريضة ، فلا بدّ من الإتيان بالواجب من باب المقدّمة ليتمكّن من الوفاء بالنذر . ومعه كيف يكون مصداقاً للواجب حتّى يقال : إنّه ليس بتطوّع ؟!
ــ[512]ــ
وهكذا الحال في القسم الثاني ، فإنّ نذر اليوم المعيّن لا يمكن أن يشمل إطلاقه الإتيان به قبل الواجب ، بل لابدّ من تقييده بما بعده ، فلو أتى به قبله لم يكن وفاءً للنذر .
وعلى الجملة : إذا كان تقييد النذر بالإتيان بالمنذور قبل الفريضة ممتنعاً كان الإطلاق أيضاً ممتنعاً ، فلا مناص من التقييد بالخلاف . ومن أجله لم يسغ له التقديم على الواجب .
أقول : هذه دعوى كبرويّة ، وهي استلزام استحالة التقييد استحالة الإطلاق ، قد تعرّضنا لها في الاُصول في بحث التعبّدي والتوصّلي وأنكرنا الاستلزام(1) بل قد يكون التقييد مستحيلا والإطلاق ضروريّاً ، وقد ينعكس ، فلا ملازمة بين الإمكانين في شيء من الطرفين ، لأنّ التقابل بين الإطلاق والتقـييد ليس من تقابل العدم والملكة وإن أصرّ عليه شيخنا الاستاذ (قدس سره)(2) ، وإنّما هو من تقابل التضادّ، فإنّ معنى الإطلاق ليس هو الجمع بين القيود ولحاظها بأجمعها ، بل معناه رفض القيود برمّتها وعدم دخالة شيء من الخصوصيّات في متعلق الحكم بحيث لو أمكن بفرض المحال وجود الطبيعة معرّاة عن كلّ خصـوصيّة لكفى ، فالحاكم إمّا أن يلاحظ القيد أو يرفضه ولا ثالث .
وعلى تقدير تسليم كونه من تقابل العدم والملكة فالأمر أيضاً كذلك ، أي لا ملازمة بين الأمرين ، وإن اعتبرت معه قابليّة المحلّ فإنّ قابليّة كلّ شيء بحسبه ، والقابليّة الملحوظة هنا نوعيّة لا شخصيّة ، وإلاّ لاتّجه النقض بعدّة موارد ذكرنا أمثلتها في الاُصول كالعلم والجهل ، والغنى والفقر ، والقدرة والعجز ، فإنّ التقابل بين هذه الاُمور من العدم والملكة مع أنّ استحالة بعضها تستلزم ضرورة الآخر ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محاضرات في اُصول الفقه 2 : 150 .
(2) أجود التقريرات 1 : 113 ، وانظر المحاضرات 2 : 150 .
ــ[513]ــ
فإن علمنا بذات الباري مسـتحيل والجهل به ضروري ، وغنانا عنه تعالى مستحيل والفقر ضروري، كما أنّ القدرة على الطيران، إلى السماء مستحيل والعجز ضروري، والحلّ ما عرفت من أنّ القابليّة النوعيّة كافية وإن تعذّرت الشخصيّة ، فإنّ علم الممـكن بنوع المعلومات ممكن وإن كان علمه بشخص ذاته تعالى مستحيلا ، وكذا الحال في سائر الأمثلة .
وعلى الجملة : فمعنى الإطلاق رفض القيود لا الجمع بينها .
وعليه ، فقد تعلّق النذر في المقام بطبيعي التطوّع غير الملحوظ فيه الوقوع قبل الواجب أو بعده بتاتاً ، ولا ريب أنّ هذا الطبيعي مقدور له وإن كان بعض أفراده غير مقدور قبل فعليّة النذر، ضرورة أنّ الجامع بين المقدور وغير المقدور مقدور ، وبعد انعقاد النذر ينقلب غير المقدور إلى المقدور وينطبق عليه الطبيعي المنذور بطبيعة الحال ، إذ متعلّق النذر هو نفس الطبيعي لا المقيّد بما بعد الفريضة ، وبعد صحّة النذر يتّصف بالوجوب فيخرج عن كونه تطوّعاً في وقت الفريضة .
وبعبارة اُخرى : إذا لم يؤخذ قيد في متعلّق النذر كما هو الفـرض وكان لا يشرط فبعد أن طرأ عليه وصف الوجوب خرج عن موضوع التطوّع في وقت الفريضة، ومعه لا مانع من الإتيان به قبل الواجب بعد أن كان بنفسه مصداقاً للواجب.
نعم ، لو قلنا بأنّ استحالة التقييد تستلزم استحالة الإطلاق لأشكل الأمر ، إذ المنذور يتقيّد لا محالة بما بعد الفريضة ، فلا ينطبق على المأتي به قبلها .
فتحصّل من جميع ما سردناه : أنّ ما ذكره الماتن من جواز الإتيان بالمنذور قبل الفريضة هو الصحيح ، فإنّ الإطلاق مرجعه إلى رفض القيود لا الجمع بينها ، فمركز التكليف هو الطبيعي الجامع المنطبق على الأفراد الخارجـيّة ، وما
ــ[514]ــ
يؤتى به خارجاً إنّما هو مصداق للطبيعي المأمور به ، وليس هو بنفسه واجباً ، ولا يستكشف وجوب الفرد بماله من الخصوصيّة حتّى بعد الانطباق ، لما عرفت من تعلّق الأمر بالكلّي الجامع ، فإذا فرضنا أنّ بعض أفراده لم يكن مقدوراً قبل النذر ولكنّه مقدور بعده ينطبق الطبيعي عليه بطبيعة الحال ، وقد عرفت أنّ الجامع بين المقدور وغير المقدور مقدور ، فإذا كان الجامع مقدوراً وتعلّق به النذر والمأمور به هو الطبيعي الملغى عنه كلّ خصوصيّة فهو لا محالة قابل للانطباق على ما يؤتى به بعدها بمناط واحد ، فإنّ الممنوع إنّما هو التطوّع ، وهذا وإن كان تطوّعاً قبل النذر ولكنّه ليس منه بعده بوجه ، فلا وجه لتقييد متعلّق النذر بما بعد الفريضة أبداً بعد أن لم يكن هناك مانع من التطبيق على كلّ منهما .
وأمّا الكلام في القسم الأخير ـ أعني : ما لو تعلّق النذر بالتطوّع في يوم معيّن ولم يمكن إتيـان الواجب قبله ـ : فالظاهر هو الانعقاد كما ذكره الماتـن ، لا لما يتراءى من ظاهر عبارته من كفاية الرجحان الآتي من قبل النذر ، إذ قد عرفت ما فيه وأنّه غير قابل للتصديق بوجه ، بل لثبوت الرجحان في متعلّق النذر في نفسه ، غير أ نّه مقترن بمانع يرتفع بعد النذر تكويناً .
وتوضيحه : أ نّه قد يفرض تعلّق النذر بعنوان التطوّع بما هو تطوّع بحيث يكون الوصف العـنواني ملحوظاً حين النذر ، فيجعل لله على نفسـه أن يأتي خارجاً بما هو مصداق للتطوّع بالفعل .
واُخرى : متعلّق بذات ما هو تطوّع في نفسه وإن كان الوصف مخلوعاً عنه فعلا .
أمّا الأوّل : فهو نذر لأمر مستحيل ، سواء كانت الذمّة مشـغولة بالفريضة وكان عليه صوم واجب أم لا ، ضرورة أنّ المنذور يجب الوفاء به بعد انعقاد النذر ، فيتّصف فعلا بصفة الوجوب بطبيعة الحال ، ومعه كيف يمكن الإتيان به
ــ[515]ــ
بالفعل على صفة التطوّع والاستحباب ؟! فإنّ الوجوب والاستحباب متضادّان لا يمكن اجتماعهما بحدّهما في موضوع واحد .
فلو نذر الإتيان بنافلة الليل ـ مثلا ـ على قيد الاستحباب الفعلي فهو نذر لأمر غير مقدور ، فلا ينعقد النذر في نفسه ، بل هو باطل ، فليس هذا الفرض محلّ كلامنا ، وهذا ظاهر جدّاً .
فلا مناص من فرض تعلّق النذر على الوجه الثاني ـ أعني : تعلّقه بما هو تطوّع في ذاته ـ ومع قطع النظر عن النذر فإنّ الصوم كذلك فإنّه عبادة في نفسه وجُنّة من النار ، كما أنّ الصلاة خير موضوع وقربان كلّ تقي ، فهو أمر عبادي وراجح في حدّ نفسـه ، غير أنّ التصـدِّي إلى هذه العـبادة ممـنوع ممّن عليـه الفريضة ، لما دلّ على النهي عن التطوّع من مثل هذا الشخص .
ولكن الظاهر من دليل النهي اختصاصه بما هو تطوّع بالفعل ، لظهور القضايا بأسرها في الفعلـيّة ، فالممنوع هو الموصوف بالتطوّع فعلا وحين الاتيان به خارجاً لا ما هو كذلك شاناً وذاتاً ، وبما أنّ النذر بوجوده الخارجي يزيل هذا الوصف تكويناً ويوجب قلب التطوّع فرضاً والندب وجوباً فأي مانع من انعقاده وصحّته بعد ارتفاع المانع بطبيعة الحال ؟! غايته أنّ من عليه الفريضة قد أتى بما هو تطوّع في طبعه وفي حدّ نفسه ، وهذا غير مشمول لدليل النهي قطعاً حسبما عرفت آنفاً ، فانّه مخصوص بالتطوّع الفعلي وهو منفي تكويناً .
وعلى الجملة : فلا منافاة بين متعلّق النذر وبين متعلّق دليل النهي ، ولا مصادمة بينهما بوجه .
والظاهر أنّ هذا هو مراد الماتن (قدس سره) وإن كانت العبارة قاصرة هنا وفي باب الصلاة ، فيكفي الرجحان حين العمل ، ولا يلزم الرجحان الفعلي حين النذر ، فلو كان راجحاً في نفسه آنذاك مقروناً بمانع فعلي يزول تكويناً بالنذر
|