ــ[40]ــ
بل في صورة التعذّر ((1)) أيضاً التكفير بدل كلّ يوم (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فأحبّ أن يعمل بوظيفته البدليّة ، فإنّ من المعلوم أنّ الله ورسوله وأولياءه يحبّون أن يعمل الناس بطاعاتهم وواجباتهم .
وكيفما كان ، فيكفينا ضعف الرواية . إذن فالقول بعدم الوجوب في غاية الضعف .
(1) الجهة الثانية : هل يختصّ وجوب الفداء بمن يشقّ عليه الصيام ـ أي يتمكّن منه مع المشقّة الشديدة ، وهو المراد بالإطاقة كما تقدّم(2) ـ أو يعمّ العاجز المعذور الذي لا يتمكّن منه حتّى مع المشقّة ؟
المشهور هو الثاني واختاره في المتن .
إنّما الكلام في مستنده .
أمّا الآية المباركة : فهي قاصرة الدلالة على ذلك ، نظراً إلى توجيه الخطاب فيها إلى المتمكّنين خاصّة إمّا بلا مشقّة ، أو عن المشقّة كما هو معنى الإطاقة على ما مرّ ، وأ نّه يجب الصوم على الأوّل إمّا أداءً كما في الصحيح الحاضر ، أو قضاءً كما في المريض أو المسافر ، والفداء على الثاني ، فهي ناظرة إلى بيـان الوظيفة الفعليّة لجميع المكلّفين المتمكّنين بشتى أنحائهم، وأمّا من لم يكن متمكّناً من الصيام فهو خارج عن موضوع الآية المباركة رأساً ، ومقتضى ذلك عدم توجيه تكليف إليه بتاتاً لا أداءً ولا قضاءً ولا فداءً كما لا يخفى .
وأمّا الروايات : فهي على طائفتين : إحداهما ما يدّعى إطلاقها للمعذور ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا يبعد عدم الوجوب في هذه الصورة .
(2) في ص 34 ـ 35 .
ــ[41]ــ
والاُخرى ما وردت في خصوص العاجز .
أمّا الطائفة الاُولى : فالظاهر عدم صحّة الاسـتدلال بها ، لأنّها بين ما لا إطلاق لها ، وبين ما هو شرح للآية المباركة ـ التي عرفت عدم الإطلاق فيها ـ من غير أن يتضمّن حكماً جديداً .
فمن القسم الأوّل : صحيحة عبدالله بن سنان : عن رجل كبير ضعف عن صوم شهر رمضان «قال : يتصدّق كلّ يوم بما يجزئ من طعام مسكين»(1) .
فإنّها في نفسها غير شاملة للعاجز ، إذ الضعف في مقابل القوّة لا في مقابل القدرة ، وإنّما المقابل لها العجز دون الضعف .
وبالجملة : الضعف غير العجز ، ولذا يقال : ضعيف في كتابته أو في مشيه ، ولا يقال : عاجز ، بل هو قادر ولكن عن مشقّة .
على أنّ التعبير فيها بـ «طعام مسكين» المطابق للآية الشريفة لا بـ «المدّ» فيه إشارة إلى أنّها في مقام بيان ما ورد في الآية الكريمة ، التي عرفت أنّها خاصّة بالضعيف ولا تعمّ العاجز .
ومن القسم الثاني : صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : «الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من طعام ، ولا قضاء عليهما ، وإن لم يقدرا فلا شيء عليهما»(2) ، فإنّ دعوى الإطلاق فيها للعاجز غير بعيدة .
إلاّ أنّها وردت في سند آخر أيضاً عن علاء بن رزين ، عن محمّد بن مسلم ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 211 / أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 5 .
(2) الوسائل 10 : 209 / أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 1 .
ــ[42]ــ
عن أبي جعفر (عليه السلام) ، ولكن تفسيراً لقول الله عزوجل : (وَعَلَى ا لَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين) «قال : الشيخ الكبير والذي يأخذه العطاش» إلخ(1) .
فيظهر من ذلك أنّ الإمام (عليه السلام) لم يكن بصدد بيان حكم جديد ، بل في مقام ذكر ما ورد في الآية الكريمة التي عرفت عدم الإطلاق لها . وليس لدينا أىّ رواية اُخـرى معـتبرة تدلّنا على لزوم الفداء للشـيخ الكبير كي يتمسّك بإطلاقها .
وأمّا الطائفة الثانية فهي روايتان :
إحداهما : ما رواه الشيخ بإسناده عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال : قلت له : الشيخ الكبير لا يقدر أن يصوم «فقال : يصوم عنه بعض ولده» قلت : فإن لم يكن له ولد ؟ «قال : فأدنى قرابته» قلت : فإن لم تكن له قرابة ؟ «قال : يتصدّق بمدّ في كلّ يوم ، فإن لم يكن عنده شيء فليس عليه شيء»(2) ، فإنّها وردت في خصوص العاجز .
ولكن الاستدلال بها ضعيف جدّاً :
أمّا أوّلا : فلضعف السند على المشهور ، فإنّ يحيى بن المبارك الواقع فيه لم يرد فيه توثيق ولا مدح .
وأمّا ثانياً : فللقطع بعدم ورودها في صوم شهر رمضان ، إذ أىّ معنى حينئذ لصيام بعض ولده أو قرابته عنه ؟ ! فإنّه إن كان متمكّناً وجب عليه الصيام عن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 210 / أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 3 .
(2) الوسائل 10 : 213 / أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 11 ، التهذيب 4 : 239 / 699 ، الاستبصار 2 : 104 / 340 .
ــ[43]ــ
نفسه ، وإلاّ كان ساقطاً عنه أيضاً ، فهذا لا ينطبق على صوم رمضان أبداً ، مضافاً إلى أنّ النيابة عن الحىّ في الصيام غير ثابتة ، فإنّها تحتاج إلى دليل قاطع كما ثبت في الحجّ .
فلا بدّ إذن من فرض الرواية في مورد آخر ، ولا يبعد حملها على صوم النذر ، فإنّه المحكوم ـ وجوباً أو استحباباً ـ بمدّ أو مدّين بدل الصوم عن كلّ يوم ، على الخلاف المقرّر في محلّه . ويمكن القول بأنّه مع العجز عن الصوم بنفسه يصوم عنه بعض ولده أو قرابته وإلاّ فيتصدّق . والمهمّ أنّها ضعيفة الدلالة .
الثانية : ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى في نوادره ، عن القاسم بن محمّد ـ والظاهر أ نّه الجوهري ولا بأس به ـ عن علي ، عن أبي بصير ، قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : «أ يّما رجل كان كبيراً لا يستطيع الصيام ، أو مرض من رمضان إلى رمضان ، ثمّ صحّ ، فإنّما عليه لكلّ يوم أفطر فيه فدية إطعام ، وهو مدّ لكلّ مسكين»(1) .
وهي وإن كنت واضحة الدلالة إلاّ أنّها قاصرة السند جدّاً ، فإنّ الراوي عن أبي بصير هو قائده علي بن أبي حمزة البطائني الذي ضعّفه الشيخ قائلا : إنّه وضع أحاديث في أنّ موسى بن جعفر (عليه السلام) لم يمت(2) ، ليكون ذريعة إلى الامتناع عن إعطاء أمواله (عليه السلام) إلى الرضا (عليه السلام) ، فهي غير صالحة للاستدلال بها بوجه .
ومن جميع ما ذكرنا تعرف أن الأظهر اختصاص الفداء بمن يشقّ عليه الصوم ، ولا يشمل المعذور العاجز عنه رأساً ، فإنّه لا يجب عليه أىّ شيء .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 213 / أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 12 ، نوادر أحمد بن محمّد ابن عيسى : 70 / 146 .
(2) الغيبة للشيخ الطوسي : 42 ـ 46 .
|