ــ[47]ــ
الثالث : من به داء العطش ، فإنّه يفطر (1) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكلام هنا هو الكلام في الشيخ والشيخة بعينه ، لوحدة المستند ، وإنّما يفترق عنه في جهة ، وهي احتمال اندراج المقام في عنوان المريض المحكوم بوجوب القضاء بعد البرء ، فلو ارتفع داء العطش الناشئ من خلل في كبده ونحو ذلك بمعالجة أو مجيء فصل الشتاء ـ مثلا ـ لزمه القضاء حينئذ ولا يكفيه الفداء ، بخلاف الشيخ والشيخة فإنّهما يندرجان في عنوان من لا يطيق دون المريض كما تقدّم .
ويندفع : بأنّ العطاش وإن كان ناشئاً من أمر عارض في البدن لا محالة إلاّ أ نّه لا يندرج بذلك في عنوان المريض ليكون محكوماً بالقضاء .
وذلك لما أسلفناك من أنّ المريض المحكوم عليه بالإفطار والقضاء هو الذي يضرّ به الصوم بحيث يوجب ازدياد المرض أو طول برئه ، وذو العطاش ليس كذلك ، فإنّه لا يتضرّر من ناحية الصوم ، وإنّما يقع من أجله في مشقّة شديدة وحرج عظيم ، فهو إذن يغاير المريض موضوعاً ، ويشارك الشيخ والشيخة في الاندراج تحت قوله تعالى : (وَعَلَى ا لَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) إلخ ، كما يغايره حكماً ، فلا يجب عليه إلاّ الفداء ، كما لا يجب على المريض إلاّ القضاء لو تمكّن . نعم ، يجب عليه أيضاً الفداء لو لم يتمكّن ، إلاّ أنّ ذلك فدية التأخير لا فدية الإفطار ، وذلك أمر آخر على ما سيجيء في محلّه إن شاء الله .
والذي يرشـدك إلى ذلك صحيحة محمّد بن مسلم ـ حيث جعل فيها ذو العطاش في مقابل المريض ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) : في قول الله عزّوجلّ : (وَعَلَى ا لَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين) «قال : الشيخ الكبير والذي يأخذه العطاش» وعن قوله عزّ وجل : (فَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ
ــ[48]ــ
سواء كان بحيث لا يقدر على الصبر(1) أو كان فيه مشقّة ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِسْكِيناً )(1) «قال : من مرض أو عطاش»(2) .
حيث جعل ذو العطاش مرادفاً للشيخ ومقابلا للمريض المذكور في الآية الكريمـة قبل ذلك ، كما أنّ عطف العطاش على المرض في الذيل كاشـفٌ عن المغايرة .
وقد وقعت المقابلة بينهما أيضاً في بعض الروايات الضعيفة ، كرواية داود بن فرقد عن أبيه ـ وضعفها من أجل أبيه ، فإنّه لم يوثّق ـ في حديث : فيمن ترك صوم ثلاثة أيّام في كلّ شهر «فقال : إن كان من مرض فإذا برئ فليقضه ، وإن كان من كبر أو عطش فبدل كلّ يوم مدّ»(3) ورواها أيضاً عن أخيه(4) .
وعلى الجملة : فلا ينبغي التأمّل في خروج ذي العطاش عن عنوان المريض وموضوعه ، وعدم صدق اسمه عليه عرفاً .
ومع الغضّ عن ذلك وتسليم الاندراج والصدق فلا شكّ في خروجه عنه حكماً ، للتصريح في صحيحة ابن مسلم المتقدّمة باندراجه كالشيخ الكبير تحت قوله تعالى : (وَعَلَى ا لَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) إلخ ، فغايته استثناء هذا المريض عن بقيّة أقسامه في اختصاصه بالفداء وعدم وجوب القضاء عليه حسبما عرفت .
(1) الكلام هنا من حيث اختصاص الحكم بمن يشقّ عليه الصبر أو الشمول
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المجادلة 58 : 4 .
(2) الوسائل 10 : 210 / أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 3 .
(3) الوسائل 10 : 432 / أبواب الصوم المندوب ب 10 ح 1 .
(4) الوسائل 10 : 435 / أبواب الصوم المندوب ب 11 ح 8 .
ــ[49]ــ
ويجب عليه التصدّق بمدّ ((1)) ، والأحوط مدّان ، من غير فرق بين ما إذا كان مرجوّ الزوال أم لا ، والأحوط بل الأقوى وجوب القضاء عليه ((2)) إذا تمكّن بعد ذلك (1) ، كما أنّ الأحوط أن يقتصر على مقدار الضرورة (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للعاجز عنه ، وكذا من حيث كون الفداء مدّاً أو مدّين هو الكلام المتقدّم في الشيخ والشيخة بعينه ، لوحدة المستند ، فلا نعيد .
(1) بل الأقوى عدمه كما مرّ الكلام حوله آنفاً ، فلاحظ .
(2) بل قد أفتى بعضهم بالوجوب وعدم جواز الارتواء ، استناداً إلى موثّقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في الرجل يصيبه العطاش حتّى يخاف على نفسه «قال : يشرب بقدر ما يمسك رمقه ، ولا يشرب حتّى يروى»(3) .
ولكنّك خبير بأنّ مورد الموثّقة أجنبي عن محلّ الكلام ، ضرورة أنّ المبتلى بداء العطاش لا يخاف على نفسه من هلكة أو ضرر كما تقدّم ، وإنّما يقع من جرّاء الصبر والإمساك عن الشرب في ضيق وحرج ومشقّة شديدة ، وهو معنى الإطاقة ، فيندرج في قوله تعالى : (وَعَلَى ا لَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) إلخ .
وأمّا مورد الموثّقة فهو من يصيبه العطش أثناء النهار لأمر عارضي من شدّة الحرّ أو همّ عظيم ونحو ذلك بحيث يخاف على نفسه ، ولأجله يضطرّ إلى الشرب حذراً من الهلاك أو ما في حكمه ، فموضوعها الاضطرار لا التمكّن مع المشقّة الذي هو محلّ الكلام .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا يبعد عدم الوجوب مع عدم القدرة كما في الشيخ والشيخة .
(2) في القوّة إشكال وإن كان القضاء أحوط .
(3) الوسائل 10 : 214 / أبواب من يصح منه الصوم ب 16 ح 1 .
|