ــ[55]ــ
الخامس : المرضعة القليلة اللبن (1) إذا أضرّ بها الصوم أو أضرّ بالوالد ، ولا فرق بين أن يكون الولد لها أو متبرّعة برضاعه أو مستأجرة . ويجب عليها التصدّق بالمدّ أو المدّين أيضاً من ملها والقضاء بعد ذلك ، والأحوط بل الأقوى الاقتصار على صورة عدم وجود من يقوم مقامها في الرضاع تبرّعاً أو باُجرة من أبيه أو منها أو من متبرّع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهي المخاطبة بوجوب الفداء وإخراج المدّ ، سواء أكان المدّ من مالها أم من مال غيرها وكانت مجازة عنه في التصدّق ، ووجهه ظاهر ، فإنّه المنسبق من الأمر الوارد في ظاهر الدليل كما لا يخفى .
(1) لصحيح محمّد بن مسلم المتقدّم في الحامل المقرب(1) ، ولأجله يجري البحث السابق بخصوصيّاته هنا أيضاً بمناط واحد بعد وحدة المستند .
كما أنّ الكلام من حيث الاختصاص بخوف الضرر على الولد أو الشمول للخوف على النفس هو الكلام المتقدّم بعينه .
وقد عرفت أنّ الأظهر هو الأوّل ، نظراً إلى أنّ تقييد المرضعة بكونها قليلة اللبن قرينة واضحة على ذلك ، ضرورة عدم الفرق في الخوف على النفس بين كونها قليلة اللبن أو كثيرته ، مرضعة أو غير مرضعة ، فإنّ الخوف المزبور أنّى عرض ولأىّ شخص تحقّق فهو داخل في عنوان المريض ـ حسبما مرّ ـ ومحكوم بالإفطار والقضاء دون الفداء .
فالنصّ إذن لا إطلاق له، بل منصرف إلى خصوص صورة الخوف على الولد .
ولو منعنا الانصراف وسلّمنا الإطلاق يجري أيضاً ما تقدّم من المعارضة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع ص 51 .
ــ[56]ــ
بينها وبين ما دلّ على نفي الفدية عن المريض من الكتاب ـ باعتبار أنّ التفصيل قاطع للشركة ـ ومن السنّة ، وهي الروايات الكثيرة الواردة في اقتصار المريض على القضاء ، وفي أنّ من استمرّ به المرض إلى القابل يتصدّق ، الكاشف عن اختصاص الصدقة به ، أمّا غير المستمرّ فعليه القضاء فحسب .
وبما أنّ النسبة بينهما عموم من وجه ويتعارضان في مادّة الاجتماع ـ وهي المرضعة القليلة اللبن التي تخاف على نفسها ، حيث إنّ مقتضى الأوّل وجوب الفداء ، ومقتضى الثاني عدمه ـ فلا جرم يتساقطان ، ويرجع في وجوب الفدية إلى أصالة العدم حسبما تقدّم .
نعم ، يختصّ المقام بالبحث عن أمرين .
أحدهما : في أنّ الحكم هل يختصّ بالاُمّ أو يعمّ مطلق المرضعة بتبرع أو استئجار ؟
الظاهر هو الثاني ، بل لا ينبغي التأمّل فيه ، لإطلاق النصّ .
ثانيهما : في أنّ الحكم هل يختصّ بصورة الانحصـار وعدم وجود من يقوم مقامها في الرضاع ، أو يعمّ صورة وجود المندوحة من مرضعة اُخرى ، أو الانتفاع من حليب الدواب أو من الحليب المصنوع كما هو المتداول في العصر الحاضر بحيث يمكن التحفّظ على حياة الطفل من غير تصدّي هذه المرأة بخصوصها للإرضاع ؟
ذهب جماعة إلى الثاني ، عملا بإطلاق النصّ ، وجماعة آخرون ـ ومنهم الماتن ـ إلى الأوّل ، وهو الأظهر .
لا لمكاتبة علي بن مهزيار التي يرويها صاحب الوسائل عن ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا عن كتاب مسائل الرجال ، قال : كتبت إليه ـ يعني : علي بن محمّد (عليهما السلام) ـ أسأله عن امرأة ترضع ولدها وغير ولدها في
ــ[57]ــ
شهر رمضان فيشتدّ عليها الصوم وهي ترضع حتّى يُغشى عليها ولا تقدر على الصيام ، أترضع وتفطر وتقضي صيامها إذا أمكنها ، أو تدع الرضاع وتصوم ؟ فإن كانت ممّن لا يمكنها اتّخاذ من يرضع ولدها فكيف تصنع ؟ فكتب : «إن كانت ممّن يمكنها اتّخاذ ظئر استرضعت لولدها وأتمّت صيامها ، وإن كان ذلك يمكنها أفطرت وأرضعت ولدها وقضت صيامها متى ما أمكنها»(1) .
فإنّها وإن كانت واضحة الدلالة على الاختصاص بصورة الانحصار وعدم التمكّن من الظئر ، أمّا معه فتتمّ الصيام ولا تفطر ، كما أنّها مؤيّدة لما ذكرناه من الاختصاص بصورة الخوف على الولد ، أمّا مع الخوف على النفس كما هو مورد المكاتبة بشهادة قوله : حتّى يُغشى عليها ، فليس عليها إلاّ القضاء دون الفداء .
إلاّ أنّها ضعيفة السند ، لجهالة طريق ابن إدريس إلى الكتاب المزبور .
وتوضيحه : أنّ صاحب الوسائل تعرّض في خاتمة الكتاب للكتب التي روى عنها وقسّمها إلى قسمين :
فقسم وصل الكتاب بنفسه إليه فروى عنه مباشرةً ، كالكتب الأربعة وجملة من كتب الصدوق ونحو ذلك .
وقسم آخر لم يصل إليه وإنّما نقل عنه مع الواسطة ، ومن جملته هذا الكتاب الحاوي لمجموعة روايات أحمد بن محمّد بن الجوهري وعبدالله بن جعفر الحميري عن علي بن مهزيار ، المسمّى بكتاب مسائل الرجال ، كما نصّ عليه صاحب الوسائل في المقام ، أو مشاغل الرجال ، كما صرّح به في الخاتمة(2) ، ولعلّ الأصحّ هو الأوّل .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 216 / أبواب من يصح منه الصوم ب 17 ح 3 ، مستطرفات السرائر : 67 / 11 .
(2) الوسائل 30 : 161 .
ــ[58]ــ
وكيفما كان ، فهذا الكتاب لم يصل بنفسه إلى صاحب الوسائل ، وإنّما يروي عنه بواسطة ابن إدريس ، وبما أنّ الفصل بينه وبين الحميري طويل فهو طبعاً ينقل عنه مع الواسطة ، وحيث إنّها مجهولة عندنا فلا جرم يتّصف الطريق بالضعف ، غايته أن يكون هو متيقّناً بالصحّة ، ولكن يقينه لا يكون حجّة علينا ، فلا علم لنا إذن باستناد الكتاب المزبور إلى الحميري .
ودعوى عدم الحاجة إلى معرفة الطريق فيما يرويه ابن إدريس الذي نعلم بأ نّه لا يعمل بأخبار الآحاد ، فلعلّه بلغه على سبيل التواتر أو بالطريق المحفوف بالقرينة القطعيّة .
كما ترى ، فإنّ التواتر بعيد جدّاً في المقام كما لا يخفى ، والقرينة القطعيّة المحفوف بها الطريق ، غايتها أن تكون قطعيّة بالإضافة إليه كما سمعت ، ومن الجائز عدم إفادتها القطع لنا لو عثرنا عليها .
وعلى الجملة : فليس المستند في المسألة هذه المكاتبة ، لعدم كونها نقيّة السند .
بل المستند فيها التعليل الوارد في صحيح ابن مسلم المتقدّم، قال (عليه السلام): «الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان، لأنّهما لا تطيقان الصوم»(1) .
فإنّ نفي الحرج كناية عن نفي العقاب ، لا الحرج المصطلح كما هو واضح ، ومن البيّن اختصاص صدق عدم الإطاقة بصورة الانحصار والاضطرار إلى الإرضاع ، وإلاّ فمع وجود المندوحة والتمكّن من الإرضاع بلبن آخر لم يكن التصدّي وقتئذ مصداقاً لعدم الإطاقة ، فإنّه نظير من يجلس اختياراً في الشمس طول النهار ، حيث إنّه وإن لم يتمكّن من الصوم حينئذ لشدّة العطش إلاّ أ نّه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 215 / أبواب من يصح منه الصوم ب 17 ح 1 .
ــ[59]ــ
لا يندرج بذلك في عنوان من لا يطيق ، ولا يصحّ إطلاق هذا الاسم عليه عرفاً بعد تمكّنه من الانحراف إلى الظلّ واستناد العجز المزبور إلى إرادته واختياره .
فالصحيحة بلحاظ الاشتمال على التعليل قاصرة الشمول لهذه الصورة ، فنبقى نحن والقواعد ، ومن الواضح أنّ مقتضاها وجوب الصوم بعد فرض التمكّن منه ، إذ السقوط يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل حسب الفرض .
|