حكم ما لو كانت في السماء علّة - اشتراط توافق الشاهدين في الأوصاف 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 12:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5653


ــ[70]ــ

وبين وجود العلّة في السماء وعدمها (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   فما ذهب إليه المشهور من حجّيّة البيّنة على الهلال من غير فرق بين ما إذا كانت في السماء علّة أم لا هو الصحيح .

   (1) حسبما عرفت آنفاً .

   نعم ، يستثنى من ذلك صورة واحدة جرياً على طبق القاعدة من غير حاجة إلى ورود الرواية ، وهي ما لو فرضنا كثرة المستهلّين جدّاً ، وليست في السماء أيّة علّة ، وادّعى من بين هؤلاء الجمّ الغفير شاهدان عادلان رؤية الهلال وكلّما دقّق الباقون وأمعنوا النظر لم يروا ، فمثل هذه الشهادة والحالة هذه ربّما يطمأنّ أو يجزم بخطئها ، إذ لو كان الهلال موجوداً والمفروض أنّ هذين لا مزيّة لهما على الباقين فلماذا اختصّت الرؤية بهما ؟ ! فلا جرم تكون شهادتهما في معرض الخطأ ، ولا سيّما وأنّ الهلال من الاُمور التي يكثر فيها الخطأ ، ويخيّل للناظر لدى تدقيق النظر ما لا واقع له ، وقد شوهد خارجاً كثيراً أنّ ثقةً بل عدلا يدّعي الرؤية ويحاول إراءة الناس من جانب ومن باب الاتّفاق يرى الهلال في نفس الوقت من جانب آخر .

   وعلى الجملة : فنفس دليل الحجّيّة قاصر الشمول من أوّل الأمر لمثل هذه الشهادة، لاختصاصها بما إذا لم يعلم أو لم يطمأنّ بخطأ الحجّة ، والسيرة العقلائيّة أيضاً غير شاملة لمثل ذلك البتّة .

   فهذه الصورة خارجة عن محلّ الكلام وأجنبيّة عمّا نحن فيه من غير حاجة إلى ورود نصّ خاصّ حسبما عرفت .

ــ[71]ــ

نعم ، يشترط توافقهما في الأوصاف (1) ، فلو اختلفا فيها لا اعتبار بها . نعم ، لو أطلقا أو وصف أحدهما وأطلق الآخر كفى .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) قد يفرض أنّ كلاًّ من الشـاهدين يخبر عن رؤية الهلال على سبيل الإطلاق .

   واُخرى : يقيّده أحدهما خاصّة فيقول : رأيته وكان جنوبيّاً ـ مثلا ـ ويطلق الآخر .

   وثالثةً : يقيّد كلّ منهما بقيد يطابق الآخر ، فيقول الآخر في المثال المزبور : إنّه كان جنوبيّاً أيضاً .

   وحكم هذه الصور واضح، لصدق قيام البيّنة على شيء واحد كما هو ظاهر .

   ورابعةً : يقيّد كلّ منهما بقيد يخالف الآخر ، وهذا على نحوين :

   إذ تارةً : يكون القيد من الاُمور المقارنة غير الدخيلة في حقيقة الهلال ، كما لو أخبر أحدهما عن وجود سـحابة قريبة منه بحيث انحلّت شهادته إلى شهادتين : شهادة بأصل وجود الهلال ، وشهادة اُخرى بوجود السحاب قريباً منه ، وأنكر الآخر وجود السحاب .

   وهذا أيضاً لا إشكال في عدم قدحه في تحقّق البيّنة الشرعيّة بعد اتّفاقهما على الشهادة بأصل رؤية الهلال ، فغايته إلغاء الضميمة التي هي مورد المعارضة، إذ لا ضير فيه بعد أن كانت أجنبيّة عن نفس الهلال .

   وهذا نظير ما لو شهد أحدهما على الطلاق وأنّ المطلّق كان لابساً للباس أصفر ، ويقول الآخر : إنّ لباسه كان أبيض ، فإنّ هذه الحيثيّة أجنبيّة عن حريم الطلاق بالكلّيّة ، فيؤخذ بالشهادة على وقوع أصل الطلاق الذي هو مورد

ــ[72]ــ

للاتّفاق بلا إشكال .

   واُخرى : يكون القيد من الخصوصيّات الفرديّة ومتعلّقاً بشخص الهلال وحقيقته ، كما لو شهد أحدهما بأنّه كان جنوبيّاً ، ويقول الآخر بأ نّه كان شماليّاً ، بحيث كانت لكلّ منهما شهادة واحدة متعلّقة بفرد خاص مغاير لما تعلّق بالفرد الآخر ، ونحوه ما لو أخبر أحـدهما بأ نّه كان مطوّقاً ، أو كانت فتحته نحو الأرض ، وقال الآخر بأنّ فتحته نحو السماء ، أو أ نّه لم يكن مطوّقاً ، ونحو ذلك ممّا يتعلّق بخصوصيّات نفس الهلال ـ دون الحالات المقارنة معه ـ بحيث إنّ أحدهما يخبر عن فرد ، ويخبر الآخر عن فرد آخر .

   فبطبيعة الحال يقع التكاذب حينئذ بين الشهادتين ، لأنّ ما يثبته هذا ينفيه الآخر وبالعكس ، إذ لا يمكن أن يكون الهلال في آن واحد متّصفاً بخصوصيّتين متضادّتين ، فمن يدّعي الجنوبيّة ينفي الشمالية ، فكلّ منهما مثبت وناف لمدلول الآخر ، فلم يتّفقا على شيء واحد لتتحقّق بذلك البيّنة الشرعيّة .

   نعم ، قد يقال : إنّهما وإن اختلفا في المدلول المطابقي وهو الإخبار عن فرد خاصّ من الهلال ، إلاّ أنّهما متّفقان في المدلول الالتزامي وهو الاخبار عن أصل وجود الهلال والكلّي الجامع القابل للانطباق على كلّ من الفردين ، ولا فرق في حجّـية البيّـنة ـ كغيرها ممّا هو من مقولة الحـكاية ـ بين المدلول المـطابقي والالتزامي، فإذا سقطت المطابقة عن الحجّية ـ إمّا لأجل المعارضة ، أو لعدم حصول الشهادة الشرعيّة ـ لا مانع من الأخذ بالمدلول الالتزامي .

   ولكنّه يندفع بما تعرّضنا له مستقصىً في مبحث المياه عند التكلّم حول الشهادة على النجاسة وثبوتها بالبيّنة(1) ، وقلنا ثمّة ما ملخّصه : إنّ الدلالة الالتزاميّة كما أنّها تابعة للمطابقيّة في الوجود ـ أي في أصل الدلالة وتحقّقها ـ كذلك تتبعها في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 2 : 260 ـ 266 .

ــ[73]ــ

الحجّيّة ، فإنّ ذلك هو مقتضى ما هو المستند لحجّيّة البيّنة وغيرها من السيرة العقلائيّة ونحوها ، فإنّها ناطقة بأنّها تدور مدارها ثبوتاً وسقوطاً ، وجوداً وحجّيّةً ، فمع سقوط المطابقيّة عن الحجّيّة لا دليل على حجّيّة الكلام في الدلالة الالتزاميّة حتّى فيما إذا كان اللزوم بيّناً بالمعنى الأخصّ، بل هي تتبعها في السقوط لا محالة .

   فلو فرضنا قيام البيّنة على أنّ الدار التي هي تحت يد زيد لعمرو ، فلا شك في أنّ المال يؤخذ حينئذ منه ويُعطى لعمرو ، لتقدّم البيّنة على اليد .

   وهذه الشهادة الدالّة بالمطابقة على أنّ الدار لعمرو لها دلالة التزاميّة باللزوم البيّن بالمعنى الأخصّ ، وهي أنّها ليست لزيد ، لامتناع اجتماع ملكيّتين مستقلّتين على مال واحد .

   وحينئذ فلو فرضنا أن عمرواً اعترف بأنّ الدار ليست له فلا ريب في سقوط البيّنة عندئذ عن الحجّيّة ، لتقدّم الإقرار عليها ، بل على غيرها أيضاً من سائر الحجج حتّى حكم الحاكم .

   أفهل يمكن القول حينئذ بأنّ الساقط هو الدلالة المطابقيّة ـ وهو كونها لعمرو  ـ دون الالتزاميّة ـ أعني : عدم كونها لزيد ـ فتؤخذ الدار من يده ، ويعامل معها معاملة مجهـول المالك باعتبار أنّ البيّنة أخبرت بالالتزام بأنّها ليست لزيد ولم يعرف مالكها ؟

   ليس كذلك قطعاً ، والسرّ فيه ما ذكرناه هناك من أنّ الشهادة على الملزوم وإن كانت شهادة على اللازم ـ ولا سيّما في اللزوم البيّن بالمعنى الأخصّ كالمثال المتقدّم  ـ إلاّ أنّها ليست شهادة على اللازم مطلقاً وأينما سرى ، بل حصّة خاصّة منه ، وهي اللازم لهذا الملزوم المجتمع معه في الوجود . فمن يخبر في المثال عن أنّ الدار لعمرو فهو يخبر طبعاً عن عدم كونها لزيد ، ذاك العدم الذي هو لازم

ــ[74]ــ

لملكيّة عمرو ، لا أ نّه يخبر عن عدم ملكيّة زيد على سبيل الإطلاق ، فهو يخبر عن حصّة خاصّة من اللازم التي هي من شؤون الشهادة على الملزوم ، فإذا سقط الملزوم بمقتضى الاعتراف تبعه سقوط اللازم بطبيعة الحال ، فيكون اعتراف المقرّ له إنكاراً للاّزم .

   وكذلك الحال في بقية اللوازم ، فمن أخبر عن أنّ هذا ثلج فقد أخبر عن بياضه لا عن طبيعي البياض الجامع بين الثلج والقطن ، بل خصوص هذه الحصّة المقارنة معه ، فإذا علمنا من الخارج أنّ ذاك الجسم لم يكن ثلجاً ليس لنا أن نقول : إنّه أبيض .

   وعلى الجملة : الإخبار عن الملزوم في باب الشهادة وغيرها إنّما يكون إخباراً عن اللازم فيما هو لازم له ، أي عن الحصّة الخاصّة الملازمة لهذا الملزوم ، لا عن الطبيعي .

   وعليه ، فمن يشهد برؤية الهلال في طرف الجنوب لا يخبر ـ بالدلالة الالتزاميّة ـ عن وجود جامع الهلال ليشاركه في هذا الإخبار من يشهد برؤيته في طرف الشمال فتتحقّق بذلك البيّنة الشرعيّة ، وإنّما يخبر عن الحصّة المقارنة لهذا الفرد ، والمفروض عدم ثبوته ، لكونه شاهداً واحداً ، وهكذا الشاهد الآخر ، فما يخبر به كلّ منهما غير ما يخبر به الآخر . إذن فلم تثبت رؤية الهلال بالبيّنة الشرعيّة ، لعدم تعلّق الشهادتين بموضوع واحد ، لا بالدلالة المطابقيّة ولا الالتزاميّة حسبما عرفت .

   ونظير ذلك ما لو ادّعى كلّ من زيد وعمرو أنّ بكراً باعه داره ، ولكلّ منهما شاهد واحد ، فإنّه لا يثبت بذلك تحقّق البيع ، وتردّد المالك بين زيد وعمرو بدعوى توافق الشاهدين على هذا المدلول الالتزامي، إذ ليس اللازم هو الجامع ، بل الحصّة الخاصّة المغايرة للحصّة الاُخرى كما عرفت .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net