ــ[146]ــ
فصل
في أحكام القضاء
يجب قضاء الصوم ممّن فاته بشروط، وهي : البلوغ ، والعقل ، والإسلام ، فلا يجب على البالغ ما فاته أيّام صباه(1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا الحكم من القطعيّات بل الضروريّات الغنيّة عن تجشّم الاستدلال ، بداهة أنّ القضاء لو كان واجباً على الصبيان بعد بلوغهم لاستقرّ عليه عمل المتشرّعة وكان من الواضحات الأوليّة ولأمر به الأولياء والأئمّة (عليهم السلام) صبيانهم ، مع أ نّه لم يرد أىّ أمر به حتّى على سبيل الاستحباب .
على أ نّه لا مقتضي له حتّى مع الغضّ عن ذلك ، فانه سبحانه قسّم المكلّفين في قوله تعالى: (يَا أَ يُّهَا ا لَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) إلخ، إلى ثلاثة أقسام:
قسم يجب عليه الأداء، وهو الصحيح الحاضر الذي وضع عليه قلم التكليف طبعاً .
وقسم يجب عليه القضاء ، وهو المريض أو المسافر .
وقسم ثالث يجب عليهم الفداء ، وهم الذين لا يطيقون الصوم .
ومعلوم أنّ الصغير خارج عن هذه العناوين ، فإنّ القلم مرفوع عنه يحتلم .
ثمّ قد ثبت بالأدلّة القاطعة إلحاق جمع بالمريض والمسافر في وجوب القضاء،
ــ[147]ــ
نعم ، يجب قضاء اليوم الذي بلغ فيه قبل طلوع فجره (1) أو بلغ مقارناً لطلوعه إذا فاته صومه .
وأمّا لو بلغ بعد الطلوع في أثناء النهار فلا يجب قضاؤه وإن كان أحوط((1)) (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كمن ترك الصوم عامداً أو ناسياً أو جاهلا عن عذر أو غير عذر بحيث كان المقتضي ثابتاً في حقّه ، غير أ نّه لم يصم لمانع إمّا مع الإثمّ أو بدونه .
وأمّا الصغير فلم ينهض أىّ دليل على وجوب قضائه بعدما بلغ ، ومقتضى الأصل البراءة عنه .
(1) بلا إشكال فيه ولا خلاف، لاندراجه بذلك تحت قوله سبحانه : (يَا أَ يُّهَا ا لَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) إلخ ، فإذا كان بالغاً مأموراً بالصوم ولم يصم وجب عليه القضاء بطبيعة الحال ، سواء أكان البلوغ مقارناً للطلوع أم سابقاً عليه ، لوحدة المناط .
(2) مورد هذا الاحتياط ما لو أفطر أثناء النهار ، إمّا قبل البلوغ أو بعده ، وأمّا إذا لم يفطر بل صام استحباباً فبلغ في النهار وأتمّ صومه فمثله لا يحتمل في حقّه القضاء بتاتاً ، لأنّه إن كان مكلّفاً بالأداء فقد امتثله حسب الفرض ، وإلاّ فلا قضاء عليه حتّى واقعاً ، فمورد الاحتياط غير هذه الصورة جزماً .
هذا ، والظاهر عدم وجوب القضاء سواء تناول المفطر قبل البلوغ أم بعده ، لعدم صدق الفوت بعد أن كان الصوم واجباً وحدانيّاً ارتباطيّاً محدوداً ما بين الطلوع إلى الغروب ، وهذا لم يكن مكلّفاً به ولو باعتبار فقد شرط البلوغ في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا وجه للاحتياط إذا صام اليوم الذي بلغ فيه .
ــ[148]ــ
ولو شكّ في كون البلوغ قبل الفجر أو بعده (1) فمع الجهل بتأريخهما لم يجب القضاء ، وكذا مع الجهل بتأريخ البلوغ.
وأمّا مع الجهل بتأريخ الطلوع بأن علم أ نّه بلغ قبل ساعة ـ مثلا ـ ولم يعلم أ نّه كان قد طلع الفجر أم لا فالأحوط القضاء ، ولكن في وجوبه إشكال((1)) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جزء منه ، فإذا لم يكن مكلّفاً بالصوم ولم يشمله الخطاب في قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) إلخ ، فلم يفت عنه أىّ شيء ، ومعه لا موضوع لوجوب القضاء لو كان قد تناول المفطر .
كما لا دليل على وجوب الإمساك بعد بلوغه لو لم يكن متناولا .
وعلى تقدير الالتزام بوجوب الإمساك فلا دليل على وجوب قضائه ، فإنّ الثابت بحسب الأدلّة إنّما هو قضاء الصوم لا قضاء الإمساك الواجب عليه خلال بضع ساعات وإن لم يكن صوماً ، فالاحتياط المزبور وإن كان حسناً هنا إلاّ أ نّه غير لازم المراعاة حسبما عرفت .
(1) قد يفرض الشكّ في تأريخ كلّ من البلوغ والطلوع، واُخرى يكون أحدهما معلوم التأريخ .
أمّا في صورة الجهل بالتأريخين فلا مجال لشيء من الاستصحابين ، إمّا لعدم المقتضي لجريانهما كما هو خيرة صاحب الكفاية (قدس سره)(2) ، أو لوجود المانع وهو التعارض الموجب للتساقط . وعلى التقديرين فلم يحرز تكليفه بالصوم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) والأظهر عدمه .
(2) كفاية الاُصول : 419 .
ــ[149]ــ
ليجب القضاء لو أفطر ، ومقتضى الأصل البراءة عنه .
وأوضح حالا ما لو كان تأريخ الفجر معلوماً ، لجريان استصحاب عدم البلوغ إلى ما بعد الطلوع المنتج لعدم الوجوب من غير معارض .
وأمّا لو انعكس الأمر فكان تأريخ البلوغ معلوماً دون الطلوع . فبناءً على ما هو الحقّ من عدم الفرق في تعارض الاستصحابين في الحادثين المتعاقبين بين الجهل بالتأريخـين ، أو العلم بأحدهما ، نظراً إلى أنّ المعلوم وإن لم يجر فيه الاستصحاب بالنظر إلى عمود الزمان لعدم الشكّ فيه ، إلاّ أ نّه بالقياس إلى الزمان الواقعي للحادث الآخر فهو طبعاً مشكوك التقدّم عليه والتأخّر عنه . فلا مانع من جريان الاستصحاب بهذه العناية ، ولا أساس للتفصيل بين المعلوم والمجهول كما فصّلنا البحث حوله مستقصىً في الاُصول(1) .
فعلى هذا المبنى جرى عليه حكم مجهولي التأريخ وقد تقدّم .
وأمّا على المبنى الآخر والالتزام بعدم الجريان في المعلوم بتاتاً فاستصحاب عدم طلوع الفجر إلى ما بعد البلوغ وإن كان سليماً وقتئذ عن المعارض ، إلاّلا أثر له ، إذ لا يثبت به كونه بالغاً حال الفجر ليجب عليه الصوم ويجب قضاؤه لو فاته، فإنّه من أو ضح أنحاء الاُصول المثبتة التي لاتقول بحجّيّتها ، فالاستصحاب المزبور غير جار في نفسه، ومعه كانت أصالة البراءة عن وجوب القضاء محكّمة .
والحاصل : أنّ الأثر مترتّب على البلوغ حال الفجر لا على عدم الفجر حال البلوغ ، ولا يكاد يثبت الأوّل بالاستصحاب الجاري في الثاني إلاّ على القول بالأصل المثبت .
فتحصّل : أنّ في شيء من فروض الشكّ لا يجب القضاء ، وإنّما يجب فيما إذا أحرز البلوغ قبل الفجر أو عنده وقد أفطر أو لم ينو الصوم .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الاُصول 3 : 203 ـ 206 .
|