ــ[150]ــ
وكذا لا يجب على المجنون ما فات منه أيّام جنونه (1) ، من غير فرق بين ما كان من الله أو من فعله على وجه الحرمة أو على وجه الجواز (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الدليل عليه هو الدليل المتقدّم تقريره في الصبي، حيث عرفت أنّ المستفاد من الآية المباركة أنّ المفروض في حقّه الصوم أداءً أو قضاءً هو الذي كُتب عليه الصيام ، فغير المكتوب عليه لصغر أو جنون خارجٌ عن الحكمين .
نعم ، ثبت بدليل خاصّ وجوب القضاء في طائفة من غير المكلّفين كالنائم والغافل والناسي ونحوهم ، الكاشف عن فوات الملاك عنهم وكفايته في وجوب القضاء عليهم وإن لم يتعلّق الأمر بهم ، وأمّا من لم يكن مكلّفاً ولم يثبت القضاء في حقّه بدليل خارجي ـ كالمجنون ـ فلا مقتضي لوجوب القضاء عليه ، سيّما بعد ملاحظة أنّ العقل ـ كالبلوغ ـ ممّا له دخل في ملاك التكليف على ما يفصح عنه قوله (عليه السلام) : «أول ما خلق الله العقل قال له : أقبِل فأقبَل ، ثمّ قال له : أدبِر فأدبَر ، فقال : بك اُثيب وبك اُعاقب»(1) وغير ذلك ممّا دلّ على اشتراطه به وارتفاع القلم عن فاقده .
وبعبارة اُخرى : القضاء إمّا بالأمر الأوّل أو بأمر جديد ، فإن كان الأوّل فلم يتعلّق أمر بالمجنون حال جنونه ليجب قضاؤه ، وإن كان الثاني فبما أنّ موضوعه الفوت ولم يفت عنه شيء لا خطاباً ولا ملاكاً بعد كون العقل شرطاً في التكليف ودخيلا في المقتضي ولم يقم عليه دليل من الخارج ، إذن لا مقتضي للقضاء بتاتاً ، سواء أقلنا بوجوبه على المغمى عليه أم لا ، فلا يناط الحكم به ولا يكون مترتّباً عليه .
(2) لوحده المناط في الكلّ بعد إطلاق الدليل ، وعدم وجوب حفظ شرط
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر الكافي 1 : 10 / 1 .
ــ[151]ــ
وكذا لا يجب على المغمى عليه ، سواء نوى الصوم قبل الإغماء أم لا (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التكليف ، فإنّه بالآخرة مجنون بالفعل مرفوع عنه القلم ، وإن حصل بتسـبيبه المحرّم فإنّه كالتسبيب إلى الموت ، فكما أنّ الميّت لا تكليف عليه وإن كان موته بانتحاره فكذا لو جنّ المجنون باختياره .
(1) خلافاً لما نُسب إلى جماعة من التفصيل بين ما كان مسبوقاً بالنيّة وما لم يكن ، فيقضي في الثاني .
وكأنّه مبني على ما تقدّم من عدم اشتراط الصوم بعدم الإغماء ، فإنّه بناءً عليه وأنّ حال الإغماء حال النوم لا حال الجـنون ، غايته أ نّه نوم شديد لا يستيقط بسرعة ، وقد كان مسبوقاً بالنيّة ، صحّ صومه ، ولم يكن أىّ موجب للقضاء ، فإنّه كمن نوى الصوم ونام ولم يستيقظ إلاّ بعد الغروب أو قبله الذي لا قضاء عليه بلا كلام . وهذا خارج عن محلّ البحث .
وأمّا بناءً على الاشتراط كعدم الجنون ، أو لم يكن ناوياً للصوم قبل الإغماء كما لو اُغمي عليه من الليل واستمرّ إلى النهار ، أو كان ناوياً ولم تكن نيّته نافعة كما لو اُغمي عليه قبل الغروب من آخر شعبان واستمرّ إلى الغد حيث إنّ النيّة قبل شهر رمضان لا أثر لها جزماً ، وجامعه كلّ مورد حكم بعدم تحقّق الصوم من المغمى عليه إمّا لخلل في النيّة أو لاشتراط الصوم بعدم الإغماء . فإنّ هذا هو محلّ الكلام في وجوب القضاء .
فربّما يقال بالوجوب :
تارةً : من أجل اندراجه في موضوع المريض فيشمله كلّ ما دلّ على وجوب القضاء عليه من الكتاب والسنّة .
واُخرى : باستفادته ممّا دلّ على وجوب قضاء الصلوات الفائتة منه .
ــ[152]ــ
وهذان الوجهان لا يرجعان إلى محصّل وإن صدرا من مثل العلاّمة(1) على جلالته ومقامه ، لوضوح أنّ المغمى عليه يغاير عنوانه مع عنوان المريض عرفاً .
وعلى تقدير كونه منه فالروايات الخاصّة الآتية صريحة في عدم وجوب القضاء ، فتكون تخصيصاً في أدلّة المريض .
وأمّا قياس الصوم بالصلاة ففيه أوّلا : عدم ثبوت حكم في المقيس عليه ، فإنّ الصلاة أيضاً لا يجب قضاؤها على المغمى عليه كالصوم ، للنصوص الكثيرة المعتبرة الصريحة في ذلك ، ولأجلها يحمل ما دلّ على القضاء على الاستحباب جمعاً .
وثانياً : لو سُلّم فلا ملازمة بينهما بعد أهمّيّة الصلاة في الشريعة المقدّسة ، فلا موجب لقياس الصوم عليها .
وثالثاً : على تقدير الملازمة فتكفينا الروايات الخاصّة الناطقة بعدم القضاء في الصوم ، وهي كثيرة وجملة منها معتبرة :
منها : صحيحة أيّوب بن نوح ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أسأله عن المغمى عليه يوماً أو أكثر ، هل يقضي ما فاته أم لا ؟ فكتب (عليه السلام) : «لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة»(2) .
وصحيحة علي بن مهزيار ، قال : سألته عن المغمى عليه يوماً أو أكثر ، هل يقضى ما فاته من الصلاة أم لا ؟ فكتب (عليه السلام) : «لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة»(3) ، ونحوهما غيرهما .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لاحظ تذكرة الفقهاء 6 : 167 ـ 168 .
(2) الوسائل 10 : 226 / أبواب من يصح منه الصوم ب 24 ح 1 .
(3) الوسائل 8 : 262 / أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 18 .
ــ[153]ــ
نعم ، بإزائها روايتان :
إحداهما: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام): سأله عن المغمى عليه شهراً أو أربعين ليلة، قال: «فقال: إن شئت أخبرتك بما آمر به نفسي وولدي، أن تقضي كلّ ما فاتك»(1).
ولكنّها منصرفة عن الصوم، إذ لايكون أربعين يوماً ، فإن دلّت على وجوب القضاء فإنّما تدلّ عليه في الصلاة فحسب .
ثانيتهما : ما رواه الشيخ بإسناده عن حفص بن البختري عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : يقضي المغمى عليه ما فاته»(2) .
ولكن دلالتها إنّما هي بالإطلاق القابل للتقييد . على أنّ السند ضعيف ، لضعف طريق الشيخ إلى ابن البختري .
وكيفما كان، فلو فرضنا صحّة الروايتين وورودهما في خصوص الصوم لم يكن بدّ من حملهما على الاستحباب، لصراحة النصوص المتقدّمة في عدم الوجوب .
ثمّ إنّ من جملة النصوص الدالّة على عدم القضاء صحيحة علي بن مهزيار : أ نّه سأله ـ يعني : أبا الحسن الثالث (عليه السلام) ـ عن هذه المسألة ـ يعني : مسألة المغمى عليه ـ «فقال : لا يقضي الصوم ولا الصلاة ، وكلّما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر»(3) .
وها هنا بحث قد تقدّم الكلام حوله مستوفى في كتاب الصلاة(4) ، وهو أنّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 227 / أبواب من يصح منه الصوم ب 24 ح 4 .
(2) الوسائل 10 : 227 / أبواب من يصح منه الصوم ب 24 ح 5 ، التهذيب 4 : 243 / 716 .
(3) الوسائل 10 : 227 / أبواب من يصح منه الصوم ب 24 ح 6 .
(4) شرح العروة (كتاب الصلاة 5) : 33 ـ 36 .
|