ــ[185]ــ
[ 2534 ] مسألة 13 : إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لعذر واستمرّ إلى رمضان آخر : فإن كان العذر هو المرض سقط قضاؤه على الأصحّ (1) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وصحيحة أبي حمزة الثمالي ـ الثقة الجليل القدر الذي أدرك أربعة أو خمسة من الأئمّة (عليهم السلام) ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان ، هل يُقضى عنها ؟ «قال : أمّا الطمث والمرض فلا ، وأمّا السفر فنعم»(1) .
المؤيّدتان برواية منصور بن حازم : في الرجل يسافر في شهر رمضان فيموت «قال : يقضى عنه» إلخ(2) .
وهذه الأخيرة ضعيفة بمحمد بن الربيع ، فإنّه لم يوثّق ، فلا تصلح إلاّ للتأييد .
(1) بل هو المعروف والمشهور بين المتأخّرين ، بل القدماء أيضاً ، فإنّ مقتضى إطلاق الآية المباركة وكذا الروايات المتكاثرة وإن كان هو القضاء سواء استمرّ المرض إلى رمضان آخر أم لا ، إلاّ أ نّه لا بدّ من الخروج عنها ، للروايات الكثيرة الدالّة على سقوط القضاء حينئذ والانتقال إلى الفداء ، التي لم يستبعد صاحب الجواهر بلوغها حدّ التواتر(3) ، والروايات الواردة في المقام وإن كانت متعدّدة لكن دعوى التواتر فيها بعيدة .
وكيفما كان ، فمنها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) ، قال : سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتّى أدركه رمضان
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 330 / أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 4 .
(2) الوسائل 10 : 334 / أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 15 .
(3) الجواهر 17 : 24 ـ 25 .
ــ[186]ــ
آخر «فقالا : إن كان برئ ثمّ توانى قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه وتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على مسكين وعليه قضاؤه ، وإن كان لم يزل مريضاً حتّى أدركه رمضان آخر صام الذي أدركه وتصدّق عن الأوّل لكلّ يوم بمدّ على مسكين وليس عليه قضاؤه»(1) .
وصحيحة زرارة : في الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان ويخرج عنه وهو مريض ولا يصحّ حتّى يدركه شهر رمضان آخر «قال : يتصدّق عن الأوّل ويصوم الثاني» إلخ(2) ، ونحوهما غيرهما كصحيحة علي بن جعفر(3) وغيرهما .
وبهذه النصوص يخرج عن عموم الكتاب بناءً على ما هو الصحيح من جواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد ، وبناءً على كون هذه النصوص متواترة فلا إشكال ، لثبوت تخصيصه بالخبر المتواتر بلا كلام .
وبإزاء المشهور قولان آخران :
أحدهما : ما نُسب إلى ابن أبي عقيل وابن بابويه وغيرهمامن وجوب القضاء دون الكفّارة(4) .
وليس له مستند ظاهر سوى رواية أبي الصباح الكناني ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل عليه من شهر رمضان طائفة ثمّ أدركه شهر رمضـان قابل «قال : عليه أن يصوم وأن يطعم كلّ يوم مسكيناً ، فإن كان مريضاً فيما بين ذلك حتّى أدركه شهر رمضان قابل فليس عليه إلاّ الصيام إن صحّ ، وإن تتابع المرض عليه فلم يصحّ فعليه أن يطعم لكلّ يوم مسكيناً»(5) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ، (2) الوسائل 10 : 335 / أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 1 ، 2 .
(3) الوسائل 10 : 338 / أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 9 .
(4) الجواهر 17 : 25 .
(5) الوسائل 10 : 336 / أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 3 .
ــ[187]ــ
حيث قسّم (عليه السلام) المكلّف على ثلاثة أقسام : قسم يجب عليه القضاء والفداء وهو الذي ذكره أوّلا، وقسم يجب عليه القضاء خاصّة وهو الذي استمرّ به المرض إلى رمضان قابل ، وقسم يجب عليه الفداء فقط وهو الذي تتابع ـ أي استمرّ ـ به المرض سنين عديدة .
ففي القسم الثاني ـ الذي هو محلّ الكلام ـ حكم (عليه السلام) بالقضاء فقط .
وفيه أوّلا : أنّها ضعيفة السند بمحمد بن فضيل الراوي عن الكناني ، فإنّه ـ كما تقدّم مراراً ـ مشترك بين الأزدي الضعيف والظبّي الثقة ، وكلّ منهما معروف وله كتاب ويروي عن الكناني وفي طبقة واحدة ، وقد حاول الأردبيلي في جامعه لإثبات أنّ المراد به محمّد بن القاسم بن الفضيل الثقة(1) ، وقد أسند إلى جدّه وأقام على ذلك شواهد لا تفيد الظنّ فضلا عن العلم ، فإنّه أيضاً معروف كذينك الرجلين وفي طبقة واحدة ولا قرينة يُعبأ بها على إرادته بالخصوص .
وعلى الجملة : لا مدفع لاحتمال كون المراد به الأزدي ، وهذا وإن كان مذكوراً في أسناد كامل الزيارات ـ بل قد أثنى عليه المفيد في رسالته العدديّة(2) ـ إلاّ أ نّه ضعّفه الشيخ صريحاً(3) .
وثانياً : أنّها قاصرة الدلالة ، لتوقّفها على أن يكون المراد من قوله : «فإن كان مريضاً» إلخ : استمرار المرض بين رمضانين ، وليس كذلك ، بل ظاهره إرادة المرض فيما بين ذلك ، أي في بعض أيّام السنة .
وأمّا المرض المستمرّ المستوعب لما بين رمضانين فهو الذي اُشير إليه أخيراً
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جامع الرواة 2 : 177 .
(2) الرسالة العددية (ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9) : 44 .
(3) رجال الطوسي : 343 / 5124 .
ــ[188]ــ
بقوله (عليه السلام) : «وإن تتابع المرض عليه» إلخ، الذي هو مورد كلام المشهور، وقد حكم (عليه السلام) حينئذ بالكفّارة كما عليه المشهور .
وكذا اسـتدلّ صاحب المدارك بهذه الرواية لمذهب المشهور(1) ، فهي من أدلّتهم لا أنّها حجّة عليهم .
وكيفما كان ، فالعمدة ما عرفت من ضعف السند .
القول الثاني : ما نُسب إلى ابن الجنيد من وجوب القضاء والكفّارة معاً(2) .
وهذا لم يُعرف له أىّ مستند أصلا .
نعم ، يمكن أن يستدلّ له بموثّقة سماعة ، قال : سألته عن رجل أدركه رمضان وعليه رمضان قبل ذلك لم يصمه «فقال: يتصدّق بدل كلّ يوم من الرمضان الذي كان عليه بمدّ من طعام ، وليصم هذا الذي أدركه ، فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه ، فإنّي كنت مريضاً فمرّ علىّ ثلاث رمضانات لم أصح فيهنّ ثمّ أدركت رمضاناً آخر فتصدّقت بدل كلّ يوم ممّا مضى بمدّ من طعام ، ثمّ عافاني الله تعالى وصمتهن»(3) .
حيث جمع (عليه السلام) بين قضاء الماضي بعد الإفطار عن الحالي وبين الصدقة .
وقد حملها الشيخ (قدس سره) على استحباب القضاء(4) ، جمعاً بينها وبين صحيحة عبدالله بن سنان الظاهرة في الاستحباب «قال : من أفطر شـيئاً من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المدارك 6 : 213 ـ 214 .
(2) لاحظ الجواهر 17 : 26 .
(3) الوسائل 10 : 336 / أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 5 .
(4) التهذيب 4 : 252 ، الاستبصار 2 : 112 .
|