ما يجب فيه الصوم مخيّراً بينه وبين غيره - كفّارة الاعتكاف 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 12:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4909


ــ[240]ــ

   ومنها : ما يجب فيه الصوم مخيّراً بينه وبين غيره (1) ، وهي كفّارة الإفطار في شهر رمضان ، وكفّارة الاعتكاف ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من الجهالة بمكان ، إذ لم يذكر له في مجموع الروايات ما عدا هذه الرواية الواحدة المبحوث عنها في المقام ، ولأجله كانت الرواية ضعيفة ، غاية الأمر أنّ المشهور قد عملوا بها فتبتني المسألة على أنّ ضعف الخبر هل ينجبر بالعمل أو لا؟ وحيث إنّ الأظهر هو العدم ـ كما هو المعلوم من مسلكنا ـ كان الأوجه ما اختاره صاحب المدارك من إنكار الوجوب ، ولا يهمّنا توصيف صاحب الجواهر هذا المسلك بكونه ناشئاً من فساد الطريقة بعد ان ساعده الدليل القاطع حسبما أوضـحناه في الاُصول(1) ، فإنّ هذا لو كان من فساد الطريقة والحال هذه فنحن نلتزم به ولا نتحاشى عنه .

   وأمّا الذهاب إلى الاستحباب المصرّح به في كلام صاحب المدارك بعد إنكار الوجوب فهو مبني على القول بالتسامح في أدلّة السنن ، وحيث إنّا لا نقول به فالأظهر عدم ثبوت الاستحباب الشرعي أيضاً وإن كان الاحتياط ـ خروجاً عن مخالفة المشهور ، بل عن دعوى الإجماع المنقول ـ ممّا لا ينبغي تركه .

   وممّا ذكرنا يظهر الحال في كفّارة جزّ المرأة شعرها في المصاب ، التي ذكرها الماتن في القسم الآتي ـ أعني : ما يجب فيه الصوم مخيّراً بينه وبين غيره ـ فإنّ مستندها هي هذه الرواية ـ المتضمّنة للتخيير بين الخصال الثلاث ـ وقد عرفت حالها .

   (1) ذكر (قدس سره) لهذا القسم أيضاً ـ المحكوم بالتخيير في كفّارته بين الخصال الثلاث ـ موارد :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 2 : 201 ـ 202 .

 
 

ــ[241]ــ

   منها : كفّارة جزّ المرأة شعرها في المصاب التي أشرنا إليها آنفاً .

   ومنها : كفّارة الإفطار في شهر رمضان، وقد تقدّم الكلام حولها مستقصىً(1) ، وعرفت أنّ في بعض النصوص الأمر بالكفّارة مرتّبة لا مخيّرة ، المحمول على الاستحباب جمعاً .

   ومنها : كفّارة الاعتكاف ، أي الإفطار بالجماع في صوم الاعتكاف ، ومنه تعرف أنّ في العبارة مسامحة ظاهرة ، والأمر سهل بعد وضوح المراد . وفيها قولان ، فالمشهور على أنّها مخيّرة ، وقيل : إنّها مرتّبة ، ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار الواردة في المقام :

   ففي موثّقتين لسماعة ـ ولا يبعد كونهما رواية واحدة مرويّة بطريقين ـ أنّها مخيّرة ككفّارة شهر رمضان :

   إحداهما : ما رواه الصدوق عنه ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن معتكف واقع أهله «فقال : هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان»(2) .

   والاُخرى : ما رواه الشيخ بإسناده عنه عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن معتكف واقع أهله «قال : عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً : عتق رقبه ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً»(3) .

   وبإزاء ذلك صحيحتان دلّتا على أنّها مرتّبة كما في كفّارة الظهار :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 21 : 310 ـ 313 .

(2) الوسائل 10 : 547 /  كتاب الاعتكاف ب 6 ح 2 ، الفقيه 2 : 123 / 534 .

(3) الوسائل 10 : 547 /  كتاب الاعتكاف ب 6 ح 5 ، التهذيب 4 : 292 / 888 ، الاستبصار 2 : 130 / 425 .

ــ[242]ــ

   إحداهما : صحيحة زرارة ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المعتكف يجامع أهله «قال : إذا فعل فعليه ما على المظاهر»(1) .

   والاُخرى : صحيحة أبي ولاّد الحنّاط : عن امرأة كان زوجها غائباً فقدم وهي معتكفة بإذن زوجها ، فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها فتهيّأت لزوجها حتّى واقعها «فقال : إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تقصي ثلاثة أيّام ولم تكن اشترطت في اعتكافها فإن عليها ما على المظاهر»(2) .

   ثمّ إنّ موثّقة سماعة معتبرة بطريقيها :

   أمّا طريق الشيخ : فلأ نّه وإن رواها بإسناده عن علي بن الحسن بن فضّال ـ  وهو ضعيف بابن الزبير  ـ إلاّ أ نّنا صحّحنا أخيراً طريق الشيخ إليه بوجه مرّت الإشارة إليه في بعض الأبحاث السابقة ، وملخّصه : أنّ الكتاب الذي وصل إلى الشيخ بوساطة شيخه أحمد بن عبدون عن ابن الزبير عن ابن فضّال هو الذي وصل إلى النجاشي بعين هذا الطريق ، فالكتاب واحد لا محالة وقد وصل إليهما بوساطة شيخهما أحمد ابن عبدون ، وبما أنّ للنجاشي طريقاً آخر إلى هذا الكتاب بعينه وهو صحيح فيحكم بصحّة ما عند الشيخ أيضاً .

   وأمّا طريق الصدوق : فصحيح أيضاً وإن عبّر الأردبيلي عن طريقه إلى عبدالله بن المغيرة بالحسن من أجل إبراهيم بن هاشم(3) ، فإنّ هذا غفلة منه (قدس سره) ، لأنّ له إليه طرقاً ثلاثة : بعضها ما ذكره ، وفي البعض الآخر إبراهيم بن هاشم وأيّوب بن نوح معاً ، وأيّوب هذا ثقة بلا إشكال . نعم ، لو كان الطريق منحصراً في الأوّل، أو لم يكن أيّوب منضمّاً إلى إبراهيم لتمّ ما ذكره .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 546 /  كتاب الاعتكاف ب 6 ح 1 .

(2) الوسائل 10 : 548 /  كتاب الاعتكاف ب 6 ح 6 .

(3) جامع الرواة 1 : 511 .

ــ[243]ــ

   وكيفما كان ، فرواية سماعة موثّقة بلا إشكال ، وقد عارضتها صحيحتا زرارة وأبي ولاّد كما عرفت .

   وقد جمع المشهور بينهما بحمل الصحيحتين على الاستحباب .

   ويمكن الخدش فيه بأنّ الموثّقة غير صريحة في التخيير ، لجواز أن يكون المراد من قوله : «بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان» وكذا قوله : «عليه ما على الذي» إلخ : أنّهما متماثلان في ذات الكفّارة والفرد المستعمل في مقام التكفير ، وأمّا كيفيّة التكفير من كونه على سبيل الترتيب أو التخيير فغير صريحة فيها ، غايته أنّها ظاهرة بمقتضى الإطلاق في الثاني ، فيمكن رفع اليد عنه بصراحة الصحيحتين في أنّها كفّارة الظهار التي لا شك أنّها على سبيل الترتيب ، فتكون الصحيحتان مقيِّدتين لإطلاق الموثّقة ، وتكون نتيجة الجمع بعد ارتكاب التقييد أنّ الكفّارة هي كفّارة الظهار .

   ولكنّه يندفع بأنّ ارتكاب التقييد مبني على تقديم ظهور المقيّد على المطلق الذي هو من فروع تقديم ظهور القرينة على ذيها . حيث إنّ المقيّد بمثابة القرينة للمراد من المطلق عرفاً بحيث لو جمعا في كلام واحد لم يبق العرف متحيّراً ولا يرى بينهما تهافتاً ، كما لو قلنا في جملة واحده : اعتق رقبة ، واعتق رقبة مؤمنة ، فما هو قرينة حال الاتصال قرينة حال الانفصال ، غاية الأمر أنّ الأوّل مصادم للظهور ، والثاني مصادم للحجّيّة بعد انعقاد أصل الظهور ، فلأجل هذه النكتة يتقدّم ظهور المقيّد على المطلق حسبما فصّلنا القول حوله في الاُصول(1) .

   وهذا الضابط ـ كما ترى ـ غير منطبق على المقام ، إذ لو جمعنا بين الروايتين في الكلام وقلنا : إنّ عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان وعليه ما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 5 : 374 ـ 377 .

ــ[244]ــ

على المظاهر ، لكان الكلام متدافعاً وبقي العرف متحيّراً ، لتناقض الصدر مع الذيل من غير تعيين أحدهما في القرينيّة ، إذ كما يمكن أن يكون الثاني قرينة للأول بأن يراد به المماثلة في ذات الكفّارة دون الكيفيّة كما مرّ يمكن العكس بأن يكون الأوّل قرينة للمراد من الثاني وأنّه الاستحباب كما ذكره المشهور لا الوجوب .

   فالإنصاف أنّ الطائفتين متعارضتان ولا يمكن الجمع العرفي بينهما بوجه ، ومع ذلك فالأقوى ما ذكره المشهور من أنّها كفّارة الإفطار في شهر رمضان دون الظهار .

   إمّا لترجيح موثّقة سماعة على الصحيحتين ، نظراً إلى مخالفتها للعامّة ولو في الجملة ، حيث إنّهم اختلفوا في هذه المسألة .

   فعن جماعة منهم : إنكار الكفّارة رأساً فلا تترتّب على جماع المعتكف عدا الحرمة الثابتة بنصّ الآية، ولا ملازمة بين التحريم والتكفير كما هو ظاهر .

   وعن آخرين : ثبوتها ، وهم بين من يقول بأنّها كفّارة يمين ، ومن يقول بأنّها كفّارة ظهار . وأمّا أنّها كفّارة شهر رمضان فلم يذهب إليه أحد منهم ، ولأجله كانت الموثّقة أبعد منهم ، فكانت أقرب إلى الصواب .

   وإمّا لأنّه بعد التعارض والتساقط يرجع إلى الأصل العملي ، ومقتضاه البراءة عن التعيين ، فإنّ المقام من مصاديق الدوران بين التعيين والتخيير ، وقد اختُلف في هذه الكبرى على قولين حسبما بيّناه في الاُصول(1) .

   فمنهم من ذهب إلى التعيين ، نظراً إلى قاعدة الاشتغال ، إذ لا يحرز الخروج عن عهدة التكليف المعلوم بالإجمال إلاّ بالإتيان بما يحتمل تعيينه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 2 : 449 ـ 459 .

ــ[245]ــ

وكفّارة النذر((1)) (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ومنهم من ذهب إلى التخيير ـ وهو الصحيح ـ إذ لم يعلم تعلّق التكليف إلاّ بالجامع، وأمّا خصوصيّة الفرد المحتمل تعينه ـ كالعتق في المقام ـ فتعلّق التكليف به مشكوك من أصله ، وهي كلفة زائدة مجهولة ، فيدفع بأصالة البراءة إمّا عقلا وشرعاً كما هو الصحيح ، أو شرعاً فقط بناءً على ما سلكه صاحب الكفاية من إنكار جريان البراءة العقليّة في باب الأجزاء والشرائط(2) .

   فتحصّل: أنّ الأظهر ما عليه المشهور من أنّها كفّارة شهر رمضان ، فهي مخيّرة لامرتّبة كما في الظهار وإن كان الأفضل ذلك كما تقدّم في كفّارة شهر رمضان، للنصّ المحمول عليه، فلاحظ(3).

   (1) تقدّم الكلام حول هذه الكفّارة سابقاً عند البحث عن موجبات الكفّارة(4) .

   وملخّصه : أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة :

   فقيل ـ ولعلّه المشهور ـ  : إنّها كفّارة الإفطار في شهر رمضان .

   وذهب جمع ـ منهم المحقّق(5) ـ إلى أنّها كفّارة اليمين .

   وقيل بالتفصيل بين ما لو تعلّق النذر بالصوم وحنث فكفّارة شهر رمضان وإلاّ فكفّارة اليمـين ، استحسنه صاحب الوسائل بعد أن نقله عن جمع من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر أنّ كفّارته كفّارة اليمين .

(2) كفاية الاُصول : 368 ـ 369 .

(3) شرح العروة 21 : 314 .

(4) شرح العروة 21 : 327 ـ 333 .

(5) انظر الشرائع 1 : 220 .

ــ[246]ــ

الأصحاب ، جمعاً بين الأخبار(1) .

   ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار ، ففي جملة منها أنّها كفّارة اليمين ، كصحيحة الحلبي : «إن قلت : لله علىّ ، فكفّارة يمين»(2) ، ونحوها غيرها .

   وفي صحيح جميل بن درّاج عن عبد الملك بن عمرو : أنّها كفّارة رمضان ، قال : سألته عمّن جعل لله عليه أن لا يركب محرّماً سمّاه فركبه ، قال : لا ولا أعلمه إلاّ قال : «فليعتق رقبة ، أو ليصم شهرين متتابعين ، أو ليطعم ستّين مسكيناً»(3) .

   وأمّا صحيحة ابن مهزيار : رجل نذر أن يصوم يوماً فوقع ذلك اليوم على أهله ، ما عليه من الكفّارة ؟ فكتب إليه : «يصوم يوماً بدل يوم ، وتحرير رقبة مؤمنة»(4) .

   فظاهرها ـ وهو تعيّن العتق ـ مقطوع العدم ، إذ لم يقل به أحد من الأصحاب ، فلابدّ من تأويله بكونه عِدلا للواجب التخييري ، وحينئذ فكما يمكن أن يكون عدلا للتخيير في كفّارة رمضان يمكن أن يكون عدلا له في كفّارة اليمين ، لتساويهما من هذه الجهة ، فلا شهادة لهذه الصحيحة بشيء من القولين .

   والأقوى أنّها كفّارة اليمين، لسلامة نصوصها المستفيضة عمّا يصلح للمعارضة، فإنّ المعارض إنّما هو صحيح جميل كما عرفت ، وهي غير نقيّة السند . نعم ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 22 : 394 .

(2) الوسائل 22 : 392 /  أبواب الكفّارات ب 23 ح 1 .

(3) الوسائل 22 : 394 /  أبواب الكفّارات ب 23 ح 7 .

(4) الوسائل 22 : 392 /  أبواب الكفّارات ب 23 ح 2 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net