ــ[254]ــ
وكذا يجب التتابع في الثمانية عشر بدل الشهرين((1)) (1) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بحصول الكفّارة لكونها حاكمة وشارحة كما مرّ ، فما هو الموجب للإثمّ بعد أن أتى المكلّف بما هو الوظيفة المقرّرة في حقّه من الإتيان بالتتابع على هذه الكيفيّة بمقتضى دلالة الصحيحة ؟ !
وإن لم نعمل بها ، فهو وإن كان آثماً حينئذ كما ذكر إلاّ أنّ الكفّارة أيضاً لم تحصل والذمّة بعد لم تفرغ ، فلابدّ من الإعادة ، لعدم تحقّق المتابعة الموجب لعدم حصول الكفّارة على وجهها .
فالتفكيك بين الأمرين بالالتزام بالإثمّ وعدم الحاجة إلى الإعادة لم يُعرف له وجه أبداً ، بل إمّا لا إثمّ ولا إعادة ، أو أ نّه آثمّ وعمله باطل ، والصحيح هو الأول حسبما عرفت .
(1) على المشهور .
وناقش فيه غير واحد بأنّ اعتبار التتابع هنا خلاف إطلاق الدليل بعد أن لم يكن الأمر بالصوم بنفسه مقتضياً له ، ولذا قُيّدت نصوص الشهرين بالتتابع ، فلو كان هذا مأخوذاً في المفهوم لكان القيد توضيحيّاً ، وهو خلاف الأصل .
واُجيب عنه تارةً : بما أرسله المفيد في المقنعة ـ بعد تصريحه بالتتابع ـ من مجيء الآثار عنهم (عليهم السلام) بذلك(2) . ولكنّه لم تصل لدينا من تلك الآثار والأخبار ولا رواية واحدة صحيحة ولا ضعيفة ، إذ لم نعثر على أىّ خبر يدلّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) على الأحوط ، وقد تقدّم الإشكال في أصل وجوب هذا الصوم في كفّارة التخيير خاصّة .
(2) المقنعة : 345 ـ 346 .
ــ[255]ــ
على اعتبار التتابع في المقام ، ومن هنا قد يقوى في الظنّ أنّ هذه الدعوى منه (قدس سره) مبنيّة على الغفلة والاشتباه ، والمعصوم من عصمه الله .
ومع الغضّ عمّا ذُكر فغايته أنّها رواية مرسلة ولا اعتماد على المراسيل .
واُخرى : بما ذكره في الجواهر من أنّ المأمور به ليس مطلق الثمانية عشر ليطالب بالدليل على اعتبار التتابع ، بل ما كان جزء من الشهرين ، حيث يظهر من دليلها أنّ المراد الاقتصار على هذا المقدار بدلا عن الأصل ، فأسقط الزائد لدى العجز إرفاقاً وتخفيفاً على المكلّفين ، فتكون متتابعة لا محالة ، لاعتبارها إلى واحد وثلاثين يوماً، فتكون معتبرة في ثمانية عشر يوماً منها بطبيعة الحال(1).
ويندفع أولا : بابتنائه على كون الثمانية عشر بدلا عن صيام الشهرين ، وهو غير ثابت ، ومن الجائز كونه بدلا عن إطعام الستّين .
بل قد صرّح بذلك في صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام ، ولم يقدر على العتق ، ولم يقدر على الصدقة «قال : فليصم ثمانية عشر يوماً ، عن كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام»(2) .
حيث إنّ صيام الثلاثة معادل لإطعام العشرة في كفّارة اليمين ، فلا محالة يكون معادل إطعام الستّين صيام الثمانية عشر، فهو بدلٌ عن الإطعام لا الصيام .
وثانياً : مع التسليم فإنّما يتّجه ما ذكره (قدس سره) لو كان هذا العدد بدلا عن الثمانية عشر الواقعة في مبدأ الشهرين ، ومن الجائز كونه بدلا عمّا وقع في آخر الشهر الثاني ، أو وسطه ، أو ما تلفّق من الشهرين ، فإن جزء الشهرين
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لاحظ الجواهر 17 : 67 .
(2) الوسائل 1 : 381 / أبواب بقية الصوم الواجب ب 9 ح 1 .
ــ[256]ــ
بل هو الأحوط في صيام سائر الكفّارات (1) ، وإن كان في وجوبه فيها تأمّل وإشكال .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طبيعي الثمانية عشر القابل للانطباق على كلّ ذلك ، ومهما احتسـبنا الجزئيّة واعتبرناها كان ما عداها زائداً قد اُسقط إرفاقاً ، فلا يتعيّن احتساب العدد المزبور من الشهر الأوّل ليشمله دليل التتابع كما لا يخفى .
فتحصّل : أنّ الأظهر عدم اعتبار المتابعة في المقام ، لعدم الدليل عليه ، والأصل البراءة ، وإن كان الأحوط رعايتها ، حذراً عن مخالفة المشهور .
(1) كما هو المشهور أيضاً بين الأصحاب ، قال المحقّق (قدس سره) في الشرائع : إنّه يعتبر التتابع في جميع أقسام الصيام ما عدا موارد أربع : صوم النذر وأخويه من العهد واليمين فإنّه يتبع قصد الناذر في التتابع وعدمه ، وصوم قضاء شهر رمضان ، وصوم ثمانية عشر بدل البدنة الواجبة في كفّارة الصيد ، وصوم سبعة أيّام بدل الهدي دون الثلاثة المكمّلة للعشرة . ففي هذه الموارد المستثناة يجوز التفريق حتّى اختياراً ، وما عدا ذلك ممّا يجب فيه الصوم مدّة من ثلاثة أيّام أو ثمانية عشر أو شهرين ونحو ذلك يجب فيه التتابع(1) .
واستدلّ له في الجواهر بانصراف الإطلاق إلى التتابع ، فإنّه المنسبق عرفاً من الصوم مدّة من شهر أو سنة ونحوهما ، المؤيّد بفتوى الأصحاب بذلك ، وهذا نظير ما ذكروه في ثلاثة الحيض والاعتكاف وعشرة الاقامة من اعتبار الاتّصال والتوالي ، فإنّ المستند في الكلّ هو الانصراف المزبور .
وأيّده بما رواه الصدوق في العلل عن الفضل بن شاذان من تعليل التتابع في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشرائع 1 : 236 .
ــ[257]ــ
الشهرين بقوله: «وإنّما جعلت متتابعين لئلاّ يهون عليه الأداء فيستخفّ به، لأنّه إذا قضاه متفرّقاً هان عليه القضاء واستخفّ بالإيمان»(1) .
فإنّ موردها وإن كان كفّارة الإفطار في شهر رمضان إلاّ أ نّه يظهر من العلّة عموم الحكم لكلّ كفّارة وأنّها مبنيّة على التصعيب والتشديد . كي لا تهون عليه المخالفة ولا يستخفّ بها .
وقد أمضى (قدس سره) ما ذكره المحقّق واعترف به، حيث قال (قدس سره) أخيراً ما لفظه : وحينئذ بان أنّ الكلّيّة المزبورة في محلّها في المعظم أو الجميع(2) .
أقول : يقع الكـلام تارةً في أصل الكلّيّة ، واُخرى فيما ذكره من موارد الاستثناء .
أمّا دعوى الكلّيّة : فلا تمكن المساعدة على إطلاقها ، والانصراف المزبور بحيث يستند إلى حاقّ اللفظ لدى الإطلاق ممّا لم نتحقّقه .
نعم ، ربّما يستفاد التتابع من القرائن الخارجيّة أو الداخليّة ، وأمّا مع التجرّد عنها وملاحظة نفس الأمر المتعلّق بالصوم مدّة من الزمن من حيث هو ، فلا يكاد ينصرف إلى التوالي والتتابع بوجه .
وممّا يرشدك إلى ذلك ملاحظة الجمل الخبرية ، فإذا قلت : أقمنا في مشهد الرضا (عليه السلام) عشرة أيّام ، فهل ينصرف اللفظ إلى الإقامة المتوالية ، بحيث لو كنت قد خرجت خلالها إلى قرية وبتّ ثَمّة ليلة أو ليلتين وكان مجموع المكث في نفس البلد عشرة لم يسغ لك التعبير المزبور ؟ أو لو استأجرت داراً وسـكنت فيها سنة ثمّ خرجت وبعد شهرين ـ مثلا ـ اسـتأجرتها ثانياً سنة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 370 / أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 2 ح 1 ، علل الشرائع : 273 .
(2) راجع الجواهر 17 : 68 .
ــ[258]ــ
اُخرى وسكنت فيها ثمّ أخبرت أنّي سكنت الدار الفلانيّة سنتين ، أفهل ينصرف اللفظ إلى المتتابعتين بحيث يكون الإخبار المزبور على خلاف منصرف الكلام ؟ ولا ينبغي التأمّل في عدم الفرق في ذلك بين الجمل الخبريّة والإنشائيّة .
وعلى الجملة : فدعوى الانصراف عريّة عن الشاهد يدفعها إطلاق الكلام ، ولا شهادة في فتوى الأصحاب كما لا يخفى .
كما لا شهادة في الموارد التي ذكرها ، ضرورة أنّ التتابع فيها مسـتفاد من القرائن الخارجيّة أو من نفس أدلّتها .
أمّا ثلاثة الحيض : فللتصريح في دليله بأن أقلّ الحيض ثلاثة وأكثره عشرة ، فإنّ مثل هذا التعبير الوارد في مقام التحديد ظاهر في إرادة الاتّصال والاستمرار كما لا يخفى .
وأوضح حالا ثلاثة الاعتكاف ، للزوم المكث في المسجد وبطلانه بالخروج لا لعذر قبل استكمال الثلاثة ، وهذا بنفسه ـ كما ترى ـ يستلزم التتابع والتوالي .
وكذا الحال في عشرة الإقامة ، لوضوح أنّ لكلّ سفر حكماً يخصّه ، وهو موضوع مستقلّ بحياله . فالمراد بقاطعيّة الإقامة للسفر أو لحكمه كونها كذلك بالنسبة إلى هذا السفر الخاصّ وحينما دخل البلدة ، كما يكشف عنه قوله (عليه السلام) : «أنا دخلت بلدة وأزمعت المقام عشرة أيّام» إلخ(1) ، لا هو مع السفر اللاحق . وهذا بنفسه يستدعي الاتّصال والاستمرار ، إذ لو سافر أثناء العشرة فخرج ثمّ دخل فهذا سفر جديد له حكم مستقلّ مغاير لسابقه .
وعلى الجملة : لا بدّ من قصر النظر على كلّ سفر بخصوصه وملاحظته
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لاحظ الوسائل 8 : 499 / أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 4 .
ــ[259]ــ
بنفسه ، فإن أقام فيه في مكان عشرة أيّام انقلب القصر إلى التمام ، وإلاّ بقي على قصره ، وهذا يستلزم التتابع بطبيعة الحال ، وكذا الحال في المتردّد ثلاثين يوماً كما يكشف عنه قوله (عليه السلام) : «غداً أخرج أو بعد غد»(1) .
وأمّا الاستشهاد برواية العلل ففيه أوّلا : أنّ موردها كفّارة الإفطار في شهر رمضان ، ولعلّ لهذا الشهر خصوصيّة استدعت مزيد الاهتمام بشأنه كما لا يبعد ، نظراً إلى أنّ الصوم في شهر رمضان ممّا بني عليه الإسلام ، فهو من دعائم الدين وأركانه كما في الحديث(2) ، ولأجله كانت كفّارته مبنيّة على التصعيب والتشديد، فلا يقاس به غيره ، فلا وجه للتعدّي إلى صيام سائر الكفّارات . وغاية ما هناك أن يتعدّى إلى خصوص صوم الثمانية عشر يوماً بدل الشهرين من كفّارة الإفطار في شهر رمضان المخيّرة ، على كلام فيه قد تقدّم ، وحاصله : منع البدليّة عن الشهرين ، بل هو بدل عن الجامع بين الخاصل ـ أعني العتق والصيام ، والإطعام لدى العجز عنه ـ فإنّه الواجب لا الفرد بخصوصه ، أو بدل عن خصوص الإطعام كما تضمّنه النصّ حسبما مرّ . وعلى أىّ حال ، فليس هو بدلا عن الشهرين هنا ، وإنّما يكون بدلا عنهما في موردين فقط :
أحدهما : كفّارة الظهار لدى العجز عن العتق وعن الإطعام وانتهاء النوبة بمقتضى الترتيب إلى الصيام .
والآخر : كفّارة الجمع في قتل العمد ، فإنّه لو عجز عن صيام الشهرين في هذين الموردين يجب عليه صوم ثمانية عشر بدلا عن ذلك .
وكيفما كان ، فالتعدّي عن مورد الرواية لا مقتضي له بوجه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 500 / أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 9 .
(2) الكافي 2 : 18 / 1 و 8 .
ــ[260]ــ
وثانياً : أنّها ضعيفة السند ، لضعف طريق الصدوق إلى الفضل بن شاذان ، فإنّ له إليه طريقين كلاهما ضعيف ، أحدهما بعبد الواحد بن عبدوس وابن قتيبة، والآخر بجعفر بن علي بن شاذان .
فتحصّل لحدّ الآن : أنّ ما ادّعاه (قدس سره) من اعتبار التتابع لا دليل عليه ، والإطلاقات تدفعه ، بل قد قام الدليل على العدم ، وهو صحيح عبدالله ابن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : كلّ صوم يفرق إلاّ ثلاثة أيّام في كفّارة اليمين»(1) .
فكلّ مورد ثبت فيه اعتبار التتابع يخصَّص ، وفي ما عداه يُتمسّك بعموم العامّ ، بل لا يبعد أن لا تكون ناظرة إلى مثل التتابع في الشهرين المنصوص عليه في الكتاب والسنّة .
وكيفما كان ، فلا ضير في العمل بعموم الصحيحة بعد قوّة السند ووضوح الدلالة ، ولا وجه لما صنعه في الجواهر من الحمل على إرادة التفرقة على بعض الوجوه مثل فرض العذر ونحوه(2) ، فإنّه تصرّف في ظاهر اللفظ بلا موجب ومن غير قرينة تقتضيه كما لا يخفى .
وممّا ذكرنا تعرف اعتبار التوالي في ثلاثة أيّام في كفّارة اليمين ، للتصريح به في هذه الصحيحة وغيرها ، كصحيح الحلبي : «صيام ثلاثة أيّام في كفّارة اليمين متتابعات ولا تفصل بينهنّ»(3) .
وصحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه ، قال : سألته عن كفّارة صوم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 382 / أبواب بقية الصوم الواجب ب 10 ح 1 .
(2) الجواهر 17 : 74 ـ 77 .
(3) الوسائل 10 : 383 / أبواب بقية الصوم الواجب ب 10 ح 4 .
|