الثالث من موارد الاستثناء : صوم الثمانية عشر بدل البدنة ، أو التسعة بدل البقرة في جزاء الصيد .
ولا يخفى أن هذا الاستثناء عجيب ، إذ لم يرد في المقام ولا رواية واحدة ضعيفة تدلّ على المتابعة أو على عدمها ، فليس في البين عدا إطلاق الأمر بالصوم في هذه المدّة ، فإن تمّ الانصراف المدّعى في المستثنى منه المبني عليه اشتراط التتابع هناك ـ كما أسلفناك عن صاحب الجواهر ـ فلماذا لا تتمّ هذه الدعوى في المقام ، وما الموجب للتمسّك بالإطلاق في هذا المورد بخصوصه كي يستثنى عن تلك الضابطة الكلّيّة المدّعاة في كلام المحقّق كما مرّ ؟ ! وإن لم يتمّ ـ كما هو الحقّ على ما سـبق(2) ـ فلماذا ادّعى هناك وشـيّد عليها بنيان تلك القاعدة والضابطة المزعومة ؟!
وعلى الجملة : لم نجد أىّ فارق بين المقام وبين سائر أقسام الصيام كي يدّعى
ــــــــــــــــ (2) راجع في ذلك كلّه ص 256 وما تلاها .
ــ[270]ــ
وجوب التتابع فيها ويستثنى عنه هذا المورد ، بل المناط فيهما واحد إطلاقاً أو انصرافاً حسبما عرفت .
الرابع : صوم السبعة أيّام بدل الهدي .
وهذا الاستثناء أعجب ، وذلك لورود النصّ الصحيح الصريح في المتابعة ، السليم عمّا يصلح للمعارضة ، إذ لم يرد هنا ما يدلّ على جواز التفريق كي يتمّ الاستثناء ، عدا رواية إسحاق بن عمّار الضعيفة السند بمحمّد بن أسلم ، قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) : إنِّي قدمت الكوفة ولم أصم السـبعة الأيّام حتّى فزعت في حاجة إلى بغداد «قال : صمها ببغـداد» قلت : اُفرّقها ؟ «قال : نعم»(1) .
وأمّا ما دلّ على وجوب المتابعة فروايات وفيها الصحيح :
منها: خبر الحسين بن زيد ـ وفي الجواهر : يزيد، بدل زيد(2) . وهو غلط منه أو من النسّاخ ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : السبعة الأيّام والثلاثة الأيّام في الحجّ لا تفرّق ، إنّما هي بمنزلة الثلاثة الأيّام في اليمين»(3) .
وهي ضعيفة بالحسين بن زيد ، فإنّه لم يوثّق .
ومنها : ما رواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن أحمد العلوي ، عن العمركي ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) ، قال : سألته عن صوم ثلاثة أيّام في الحجّ والسبعة ، أيصومها متوالية أو يفرّق بينها ؟ «قال : يصوم الثلاثة لا يفرّق بينها ، والسبعة لا يفرّق بينها ، ولا يجمع السبعة والثلاثة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 14 : 200 / أبواب الذبح ب 55 ح 1 .
(2) جواهر الكلام 19 : 187 ، وفيه زيد .
(3) الوسائل 10 : 382 / أبواب بقية الصوم الواجب ب 10 ح 2 .
ــ[271]ــ
جميعاً»(1) .
وهذه الرواية وإن وقع الكلام في سندها من أجل العلوي الواقع في الطريق إلاّ أنّ الأظهر أنّها معتبرة ، إذ يستفاد حسن الرجل من عبارة النجاشي كما تقدّم قريباً ، فتذكّر(2) .
ومع الغضّ عن ذلك وتسليم ضعفها فتكفينا الرواية الثالثة التي هي نفس هذه الرواية بعين ألفاظها ولكن بطريق آخر صحيح قطعاً ، وهو ما رواه صاحب الوسائل عن كتاب علي بن جعفر مباشرةً ، كما نبّه عليه في الوسائل في باب 55 من الذبح ، وكأنّ صاحب الجواهر لم يلاحظ ذاك الباب واقتصر على ملاحظة أبواب الصوم ، ولأجله ناقش في سند الرواية من أجل العلوي .
وعلى أىّ تقدير ، فلا ينبغي التأمّل في وجوب المتابعة في السبعة ، استناداً إلى هذه الصحيحة الصريحة في ذلك بعد سلامتها عمّا يصلح للمعارضة ، لضعف الخبر المزبور كما عرفت .
هذا كلّه على مسلك المشهور من ضعف رواية إسحاق بن عمّار ، لوقوع محمّد بن أسلم في سندها ، فإنّه لم يرد فيه توثيق ولا مدح في كتب الرجال .
وأمّا بناءً على ما اخترناه من ثبوت وثاقته(3) لوقوعه في إسناد تفسير علي ابن إبراهيم وكامل الزيارات فهي معارضة للصحيحة ، والجمع العرفي يقتضي الحكم بجواز التفريق واستحباب المتابعة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 383 / أبواب بقية الصوم الواجب ب 10 ح 5 ، التهذيب 4 : 315 / 957 ، الاستبصار 2 : 281 / 999 .
(2) في ص 248 .
(3) كما في المعجم 15 : 91 الطبعة القديمة ولكن فيما بعد استظهر عدم وثاقته كما في المعجم الطبعة الجديدة 16 : 87 .
|