ــ[295]ــ
والسفر الاضطراري دون الاختياري (1) ـ لم يجب استئنافه ، بل يبني على ما مضى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلاّ أنّها قاصرة الدلالة على المطلوب إلاّ بالإطلاق ، إذ العارض المفروض في السؤال مطلق من حيث الاضطرار والاختيار ، فكما أ نّه يصدق مع العذر الذي يكون ممّا غلب الله عليه ، كذلك يصدق مع عروض الضرورة العرفيّة المقتضية للإفطار اختياراً، كما لو دعت الحاجة إلى السفر لأجل زفاف أو استقبال مسافر، أو معالجة ، أو تجارة ونحو ذلك .
ومقتضى الجمع بينها وبين التعليل في صحيحة ابن خالد المتقدّمة ارتكاب التقييد ، فتحمل هذه على العارض الاختياري . إذن تكون هذه الرواية من أدلّة التفصيل في العارض الاختياري بين بلوغ النصف وعدمه في صوم الشهر المشروط فيه التتابع ، الذي يقع الكلام حوله في المسألة الآتية إن شاء الله تعالى ، وأجنبيّة عن الإفطار لعذر الذي هو محلّ الكلام .
(1) وقع الخلاف في السفر الواقع أثناء الصوم المشروط فيه التتابع من حيث القطع وعدمه على أقوال ثلاثة :
فقد ذهب في المستند إلى أنّ السفر قاطع للتتابع من غير فرق بين الاختياري والاضطراري، بل استظهر الإجماع عليه(1) ، واختاره في محكّي الوسيلة والسرائر وظاهر الخلاف(2) ، نظراً إلى استناده حتّى الاضطراري منه إلى فعل العبد ، فلا يكون ممّا غلب الله عليه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المستند للنراقي 10 : 535 .
(2) الوسيلة : 146 ، السرائر 1 : 414 ، الخلاف 4 : 554 ـ 555 .
ــ[296]ــ
وبإزاء ذلك ما قوّاه في الجواهر من عدم القطع مطلقاً ، استناداً إلى أ نّه بعد السفر حتّى الاختياري محـبوسٌ عن الصوم ، مقهورٌ من قبل الله تعالى على الإفطار(1) .
وذهب المحقّق في المعتبر وتبعه جمع ـ منهم الماتن (قدس سره) ـ إلى التفصيل بين السفر الاختياري فيقطع دون الاضطراري (2).
أقول : مبنى النزاع هو الاختلاف في تفسير المراد ممّا غلب الله المذكور في التعليل الوارد في ذيل صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة .
فصاحب المستند يفسّره بما لا يكون لإرادة العبد مدخل في تحقّق السبب الموجب للإفطار مثل المرض والحيض ونحوهما ، أمّا السفر فهو فعل إرادي يفعله المكلّف باختياره وإن كان الباعث عليه هو الاضطرار والضرورة الملحّة ، فهو إذن ليس ممّا غلب الله عليه في شيء ، بل هو بنفسه عامد في ترك التتابع ، فلا تشمله الصحيحة ، وعلى تقدير الشمول فهو معارض بإطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي : «وإن صام شهراً ثمّ عرض له شيء فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئاً فلم يتابع أعاد الصوم كلّه»(3) ، فإنّ العارض يشمل السفر أيضاً ، وبعد التساقط يرجع إلى عمومات أدلّة التتابع .
وصاحب الجواهر يفسّره بما إذا كان الإفطار المخلّ بالتتابع ممّا غلب الله وألزم عليه بحيث يكون هو الذي حبسه ومنعه عن الصـوم ، سواء أكان السبب المؤدّي للإفطار المزبور اختياريّاً للمكلّف أم اضطراريّاً، فهو (قدس سره) يقصر النظر على المسبَّب ـ أعني : الإفطار ـ ويجعله مركز لغلبة الله في قبال الإفطار
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 17 : 76 .
(2) المعتبر 2 : 723 .
(3) الوسائل 10 : 373 / أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 9 .
ــ[297]ــ
الذي يفعله المكلّف من تلقاء نفسه ، كما أنّ نظر صاحب المستند مقصور على السبب فقط ، الموجب للإفطار حسبما عرفت .
والصحيح لزوم الجمع بين النظرين وملاحظة كلا الأمرين ، الذي نتيجته اختيار حدّ وسط بين القولين ، معتدل بين جانبي الإفراط والتفريط ، وهو الذي اختاره في المتن تبعاً للمحقّق .
إذ لا وجه لقصر النظر على المسبَّب وإلغاء السبب ، ضرورة أنّ الإفطار بعد اختيار السفر وإن كان ممّا ألزم عليه الشارع ، إلاّ أنّ هذا المقدار لا يكفي في جعله ممّا غلب الله بعد أن كانت تلك المقهوريّة الشرعيّة مستندة إلى اختيار المكلّف ، فإنّه هو الذي أوقع نفسه في هذه الورطة باختيار مقدّمتها ـ وهو السفر ـ من غير ضرورة تقتضيه ، فمجرّد الحبس التشريعي غير كاف في صدق الغلبة بعد أن كان مستنداً ومسبّباً عن الاختيار التكويني ، فلا يكون الإخلال بالمتابعة حينئذ إلاّ من قبل المكلّف نفسه باختياره ما يؤدّي إليه .
كما لا وجه لقصر النظر على السبب ، فإنّ السفر وإن كان فعلا اختياريّاً للعبد ، إلاّ أ نّه إذا كان مسبوقاً بالاضطرار أو بالإكراه ـ أي كان الباعث عليه الإلزام من قبل العقل أو الشرع بحيث لا يسعه التخلّف عنه ـ فهو لا جرم مقهور عليه في إرادته لا مفرّ منها ولا مخلص عنها ، ومثله مصداق لغلبة الله بطبيعة الحال .
أترى أنّ الصائم لو شاهد غريقاً يمكنه استنقاذه المتوقّف على الارتماس ، وهو حينئذ ملزم من قبل الشارع بهذا الارتماس مقهورٌ عليه ، لا يكون ذلك ممّا غلب الله عليه ؟ كلاّ ، بل هو من أظهر مصاديق هذا العنوان في نظر العرف وإن كان الارتماس فعلا اختياريّاً له .
وعلى الجملة : فالتعليل ينطبق على السفر أيضاً فيما إذا كان اضطراريّاً كما
|