ــ[300]ــ
[ 2556 ] مسألة 7 : كلّ من وجب عليه شهران متتابعان من كفّارة معيّنة أو مخيّرة إذا صام شهراً ويوماً متتابعاً يجوز له التفريق في البقيّة ولو اختياراً لا لعذر (1) ، وكذا لو كان من نذر أو عهد لم يشترط فيه تتابع الأيّام جميعها ولم يكن المنساق منه ذلك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من إمكان التتابع ، فمثله لا يكون قادحاً ، فيصوم نذراً ، ثمّ يصوم بدله يوماً آخر إلى أن تكمل الكفّارة .
لكن هذا فيما لو تعلّق نذره بعنوان خاصّ بأن يصوم يوم الخميس بعنوان النذر ، وأمّا لو كان متعلّقه مطلقاً غير معنون بأىّ عنوان ، فنذر أن يكون هذا اليوم صائماً ولو بعنوان آخر من قضاء أو إجارة أو كفّارة ونحو ذلك في قبال أن يكون مفطراً ، فالظاهر أنّ هذا لا يوجب التخلّل من أصله ، بل يحسب من الكفّارة أيضاً ، لعدم منافاته مع النذر بوجه .
ومنه يظهر الحال في نذر صوم الدهر ، فلا يتّجه الانتقال إلى سائر الخصال حتى في هذا الفرض ، لما عرفت من عدم المنافاة ، فيقع امتثالا لكلٍّ من النذر والكفّارة بعنوانين حسبما عرفت .
(1) كما سبق التعرّض له في المسألة الاُولى وقلنا : إنّ عمدة المستند فيه صحيحة الحلبي المتضمّنة لتفسير التتابع في الشهرين وشرحه وأنّ المراد به متى أطلق ضمّ جزء من الشهر الثاني إلى الأوّل فلا يضرّ التفريق بعدئذ اختياراً(1) ، الحاكمة على جميع الأدلّة الأوليّة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 373 / أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 9 .
ــ[301]ــ
ولولاها لأشكل إثبات الحكم على سبيل العموم بحيث يشمل صيام الشهرين في الكفّارة المعيّنة والمخيّرة ، لاختصاص مورد النصوص بالأول ، فإنّ صحيحة منصور بن حازم موردها الظهار الذي يجب فيه صيام الشهرين معيّناً ، فقد روى عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه قال في رجل صام في ظهار شعبان ثمّ أدركه شهر رمضان «قال : يصوم شهر رمضان ويستأنف الصوم ، فإن هو صام في الظهار فزاد في النصف يوماً قضى بقيّته»(1) .
وكذلك الحال في موثّقة سماعة ، قال : سألته عن الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين ، أيفرّق بين الأيّام ؟ «فقال : إذا صام أكثر من شهر فوصله ثمّ عرض له أمر فأفطر فلا بأس ، فإن كان أقلّ من شهر أو شهراً فعليه أن يعيد الصيام»(2) .
فإنّها أيضاً ناظرة إلى الكفّارة التعيينيّة من ظهار أو قتل ونحوهما ، إذ هي التي يصحّ أن يعبّر عنها بما تضمّنه الموثّق من قوله : عن الرجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين . . . إلخ ، الظاهر في الوجوب التعييني .
أمّا في المخيّرة فلا يصحّ ذلك ، لأنّ الواجب حينئذ إنّما هو الجامع بين الخصال الثلاث لا خصوص صيام الشهرين .
ومن هنا مرّ أ نّه لدى العجز عنه لا ينتقل إلى صوم الثمانية عشر الذي هو بدل عنه كما ينتقل إليه في الكفارة المعيّنة ، لاختصاص البدليّة بمورد وجوب المبدل منه ، ولا وجوب لصيام الشهرين في المخيّرة .
ومنه يظهر الحال في بقيّة النصوص المتضمّنة لمثل هذا التعبير .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 375 / أبواب بقية الصوم الواجب ب 4 ح 1 .
(2) الوسائل 10 : 372 / أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 5 .
ــ[302]ــ
وعلى الجملة : فالنصوص غير وافية لإثبات الحكم في الكفّارة المخيّرة لولا التشبّث بذيل الصحيحة المتقدّمة التي هي حاكمة كما عرفت على جميع الأدلّة التي اعتُبر فيها تتابع الشهرين ، وأنّ المراد به في اصطلاح الشرع في كلّ مورد اُخذ موضوعاً لحكم من الأحكام هو التتابع بين عنواني الشهرين المتحصّل من ضمّ جزء من الشهر الثاني إلى تمام الأول ، لا بين أجزاء الشهرين بأسرها .
ومنه يظهر الحال فيما لو نذر صوم شهرين متتابعين قاصداً به ما هو المفهوم الواقعي من هذا اللفظ في اصطلاح الشرع ، فإنّه يكتفي فيه أيضاً بالتتابع في شهر ويوم بمقتضى حكومة صحيحة الحلبي كما عرفت .
وأمّا لو اشترط الناذر تتابع الأيّام جميعها بأن نذر صوم ستّين يوماً متّصلا أو صوم شهرين مع توالي الأيّام بأسرها ولا سيّما لو عيّن الشهرين كرجب وشعبان ـ مثلا ـ فلا ينبغي التأمّل حينئذ في عدم الاكتفاء ولزوم الوفاء على حسب نذره ، فإنّ مورد الحكومة المزبورة ما إذا كان موضوع الحكم هذا العنوان الخاصّ ـ أعني : شهرين متتابعين ـ لا ما يستلزمه من سائر العناوين كصوم الستّين ونحو ذلك ، جموداً في الحكم المخالف لمقتضى القاعدة على مقدار قيام الدليل .
والحاصل : أنّ غاية ما يسعنا إنّما هو إلحاق النذر بمورد الصحيحة ـ أعني : الكفّارة ـ لكن مع المحافظة على العنوان المذكور فيها، قضاءً للحكومة كما عرفت. وأمّا التعدّي إلى عنوان آخر وإن كان ملازماً له فيحتاج إلى الدليل ، وحيث لا دليل فالمتّبع إطلاق دليل وجوب الوفاء بالنذر .
فما صنعه في المتن من التقييد بعدم الاشتراط هو الصحيح .
ــ[303]ــ
وألحق المشهور بالشهرين الشهر المنذور فيه التتابع (1) فقالوا : إذا تابع في خمسة عشر يوماً منه يجوز له التفريق في البقيّة اختياراً وهو مشكل ، فلا يترك الاحتياط فيه بالاستئناف مع تخلّل الإفطار عمداً وإن بقي منه يوم ، كما لا إشكال في عدم جواز التفريق اختياراً مع تجاوز النصف في سائر أقسام الصوم المتتابع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وهو الصحيح من غير اعتبار مجاوزة النصف هنا ، لصحيح موسى بن بكر ، إمّا عن الفضيل أو بدونه حسب اختلاف طريقي الكليني والشيخ ـ كما تقدّم ـ عن الصادق (عليه السلام) وروايته أيضاً عن الفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) : في رجل جعل عليه صوم شهر فصام منه خمسة عشر يوماً ثمّ عرض له أمر «فقال : إن كان صام خمسة عشر يوماً فله أن يقضي ما بقي ، وإن كان أقلّ من خمسة عشر يوماً لم يجزه حتّى يصوم شهراً تامّاً»(1) .
وقد عرفت فيما تقدّم أنّ عروض الأمر يعمّ السفر الاختياري واشباهه(2) .
ولا وجه للنقاش في سندها ـ كما عن المدارك(3) ـ ليجاب بانجبار الضعف بالعمل ، فإن موسى بن بكر وإن لم يوثّق صريحاً في كتب الرجال لكنّه مذكور في إسـناد تفسـير علي بن إبراهيم كما تقدّم ، فالرواية معتـبرة وقد أفتى بها المشهور ، فلا مانع من الفتوى على طبقها . فاستشكال الماتن في غير محلّه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 376 / أبواب بقية الصوم الواجب ب 5 ح 1 ، الكافي 4 : 139 / 6 ، التهذيب 4 : 285 / 863 و 864 .
(2) في ص 295 ـ 297 .
(3) المدارك 6 : 252 .
ــ[304]ــ
ثمّ إنّه لا إشكال في عدم جواز التفريق الاختياري مع تجاوز النصف في سائر أقسام الصوم المشروط فيه التتابع كما نبّه عليه في المتن ، لعدم الدليل على الجواز في غير ما مرّ ، فيرجع إلى ما تقتضيه القواعد من الاستئناف ، رعايةً لشرطيّة التتابع .
نعم ، حكى المحقق في الشرائع عن بعض وهو الشيخ ، وابن سعيد ، والعلاّمة في غير المنتهى كما نصّ عليه في الجواهر(1) : أ نّه الحق بالشهر المنذور في كفاية المتابعة في النصف من وجب عليه صوم شهر في كفّارة قتل الخطأ أو الظهار لكونه مملوكاً ، حيث إنّ كفّارته نصف كفّارة الحرّ ، مستدلاًّ عليه بوجوه حكاها عن المختلف في الجواهر ، التي منها : أنّ ذلك لا يزيد على النذر المتتابع فيثبت الحكم في الأضعف بطريق أولى . ثمّ قال المحقّق : وفيه تردّد .
واعترض عليه في الجواهر بأنّ الأولى الجزم بالعدم دون التردّد ، لضعف تلك الوجوه ومنع الأولويّة ، ولا بدّ من الاقتصار في الحكم المخالف لمقتضى القواعد على المقدار المتيقّن وهو النذر الذي هو مورد النصّ .
أقول : ينبغي التفصيل بين الظهار وغيره ، فلا يحكم بالإلحاق فيما عداه ، لما ذكره (قدس سره) من عدم الدليل على التعدّي ، ولزوم الاقتصار على المقدار المتيقّن .
أمّا في الظهار فلا مانع من الإلحـاق ، فإنّ نصـوص هذا الباب وإن كان أكثرها وارداً في الحرّ لتضمّنها صوم الشهرين المتتابعين ، إلاّ أنّ بعضها مطلق يشمل العبد أيضاً الذي كفّارته شهر واحد ، وهي صحيحة منصور بن حازم ـ في حديث ـ قال في رجل صام في ظهار فزاد في النصف يوماً «قضى بقيّته»(2) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 17 : 86 .
(2) الوسائل 10 : 372 / أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 4 .
ــ[305]ــ
فإنّ قوله (عليه السلام) في النصف يعمّ النصف من الشهرين كما في الحرّ ، ومن الشهر الواحد كما في العبد ، فلا قصور في شمولها له كالحرّ بمقتضى الإطلاق وإن كان صدرها وارداً في الحرّ . فإنّ ذلك لا يقدح في التمسّك بإطلاق الذيل كما لا يخفى .
وهي صحيحة سنداً كما عرفت ، ولا يقدح اشتماله على محمّد بن إسماعيل المردّد بين الثقة وغيره ، لوجوده بعين هذا السند ـ أعني : محمّد ابن إسماعيل عن الفضل بن شاذان ـ في كامل الزيارات ، فالرجل موثّق على كلّ تقدير ، وتعبير صاحب الجواهر عنها ـ في غير هذا المقام(1) ـ بالخبر لا يكشف عن الضعف ، لعدم التزامه (قدس سره) بهذا الاصطلاح .
وعلى الجملة : فلا يبعد الالتزام بهذا الحكم ـ أعني : الاكتفاء بالتتابع في نصف الشهر وزيادة يوم ـ في صوم الشهر في كفّارة الظهار من العبد ، لصحّة الرواية سنداً ، وكذا دلالةً ، فإنّها وإن روى تمامها في الوسائل وفيها : «فإن هو صام» إلخ(2) ، فيكون صدرها وارداً في الحرّ ، إلاّ أنّ مرجع الضمير هو طبيعي الرجل لا خصوص من حكم عليه بحكم الحرّ .
وإن شئت قلت : المتفاهم من قوله (عليه السلام) : «فإن هو صام في الظهار فزاد في النصف» إلخ : أنّ الاعتبار في باب الظهار بتجاوز النصف ، فهو المناط في التتابع من غير خصوصيّة للحرّ أو العبد ، فتشمل بإطلاقها تجاوز النصف من الشهرين أو الشهر الواحد . فلا مانع من التفريق الاختياري بعدئذ .
ولم أرَ مَن تعرّض لذلك، بل مقتضى حصر الاستثناء عن التفريق الاختياري
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 17 : 79 .
(2) الوسائل 10 : 375 / أبواب بقية الصوم الواجب ب 4 ح 1 .
ــ[306]ــ
[ 2557 ] مسألة 8 : إذا بطل التتابع في الأثناء لا يكشف عن بطلان الأيّام السابقة (1) ، فهي صحيحة وإن لم تكن امتثالا للأمر الوجوبي ولا الندبي((1)) ، لكونها محبوبة في حدّ نفسها من حيث إنّها صوم . وكذلك الحال في الصلاة إذا بطلت في الأثناء ، فإنّ الأذكار والقراءة صحيحة في حدّ نفسها من حيث محبوبيّتها لذاتها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في كلام المحقّق في الشرائع في المواضع الثلاثة(2) ـ أعني : الشهرين المتتابعين ، والشهر المنذور، وثلاثة الهدي ـ وإمضائه من صاحب الجواهر(3) أنّهما لايسوّغان التفريق فيما ذكرناه . ولا وجه له بعد مساعدة الدليل حسبما عرفت .
(1) من شرع في الصوم المشروط فيه التتابع فصام أيّاماً ثمّ بطل تتابعه إمّا لعذر من الإعذار أو بدا له في الإفطار بناءً على ما عرفت من جواز الأبطال وتبديل الامتثال ، فهل يكشف ذلك عن بطلان الأيّام السـابقة ، نظراً إلى أنّ ما قصد لم يقع ، وما وقع لم يقصد ، ولا عبادة إلاّ عن قصد وإن ترتّب عليها الثواب من جهة الانقياد ، أو أنّها محكومة بالصحّة لكونها محبوبة في حدّ نفسها وإن لم تكن امتثالا للأمر الوجوبي ولا الندبي لعدم تعلّق القصد بشيء منهما ، كما هو الحال في الصلاة إذا بطلت في الأثناء ، فإنّ القراءة والذكر محكومة بالصحّة ، إذ الأوّل قرآن تستحبّ تلاوته ، وذكر الله حسن على كلّ حال ؟
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الظاهر ثبوت الأمر الندبي له ، نظراً إلى أنّ الصوم في نفسه مأمور به بأمر ندبي عبادي ، وأمّا الأمر الناشئ من قبل الكفّارة أو نحوها فهو توصلّى ، فالمكلّف في مفروض المقام إنّما لم يمتثل الأمر التوصلّى وأمّا الأمر الندبي العبادي فقد امتثله .
(2) الشرائع 1 : 236 ـ 237 .
(3) الجواهر 17 : 79 ـ 83 .
ــ[307]ــ
اختار السيّد الماتن (قدس سره) الثاني ، وهو الصحيح .
والوجه فيه : ما تكرّرت الإشارة إليه في مواضيع عديدة من مطاوي هذا الشرح ، وتعرّضنا له في الاُصول في بحث مقدّمة الواجب(1) ، حيث قلنا : إنّ الأمر الغيري بناءً على وجوب المقدّمة توصلّى لا يتوقّف سـقوطه على تعلّق القصد به كما هو الشأن في جميع الأوامر الغيريّة .
نعم ، لو تعلّق بما هو عبادة في نفسه ـ كالطهارات الثلاث ـ وجب الإتيان بها على جهة العبادة ، وإلاّ بطلت ، لا لدخلها في الأمر ، بل لعدم حصول المتعلّق ، فإنّه بنفسه عبادي حسب الفرض ، فلابدّ من قصد الأمر النفسي المتعلّق بها ، وأمّا الأمر الغيري المقدّمي فهو توصلّى كما عرفت لا دخل له في تحقّق العبادة ، ولذا تتحقّق حتّى مع فقده وانتفائه ، كما لو توضّأ للصلاة ولم يصلّ ، فإنّ هذا الوضوء غير موصوف بالوجوب الغيري بناءً على ما هو الصحيح ـ تبعاً لصاحب الفصول(2) ـ من اختصاص الوجوب بالمقدّمة الموصـلة وأنّها ما لم تتعقّب بالإيصال الخارجي لم تكد تتّصف بالوجوب المقدّمي ، ومع ذلك لا شكّ في كونه محكوماً بالصحّة ، وليس إلاّ من أجل كونه عبادة في نفسـه ، ففساد الأمر الغيري وبطلانه لا يستدعي فساد متعلّقه إذا كان عبادة في حدّ نفسـه ، لأنّ عباديّته لم تنشأ من قبل هذا الأمر لتتبعه في الفساد ، بل هي ثابتة من ناحية أمرها النفسي كما عرفت . والأمر الغيري يدعو إلى ما هو عبادة في نفسه .
ومن هذا القبيل : النذر المتعلّق بالعبادة كصلاة الليل ، فإنّ العباديّة لم تنشأ من ناحية الأمر النذري لأ نّه توصلّى ، بل هي مأخوذة في نفس المتعلّق ، فلو صلّى بغير القربة لم يفِ ، لا لأنّ الأمر عبادي ، بل لعدم حصول متعلّق النذر في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محاضرات في اُصول الفقه 2 : 396 ـ 403 .
(2) الفصول الغروية للاصفهاني : 86 .
ــ[308]ــ
حدّ نفسه .
وكذا الحال في العبادات الواقعة مورداً للإجارة ـ كالحجّ الاستئجاري ـ أو الحلف ، أو العهد ، أو الشرط في ضمن العقد ، أو أمر الوالد أو السيد ونحو ذلك من العناوين الثانويّة ، فإنّ الأمر الجائي من قبلها بأجمعها توصلّى ، وملاك العباديّة إنّما هو الأمر الثابت للمتعلّقات بعناوينها الأولويّة . فلو فُرض في مورد فساد الإجارة ، أو بطلان الشرط ، أو عدم انعقاد الحلف ونحو ذلك ، وقد أتى بالعبادة خارجاً ، فهي محكومة بالصحّة لا محالة وإن لم يكن مصداقاً للعنوان الثانوي ، لما عرفت من أنّ مناط العباديّة شيء ، ومورد البطلان شيء آخر ، ولا يسري الفساد إلى ذاك المناط أبداً .
والأمر بالكفّارة فيما نحن فيه من هذا القبيل ، ضرورة أنّ الأمر بالتكفير توصلّى لا تعبّدي ، فلا يعتبر في سقوطه قصد التقرّب ، وإنّما العباديّة معتبرة في نفس المتعلّق من الصوم والعتق ـ لقوله (عليه السلام) : «لا عتق إلاّ ما قُصد به الله»(1) ـ دون الإطعام ، فلو أطعم بعنوان الكفّارة كفى وإن لم يقصد به القربة . وهذا أقوى شاهد على أنّ الأمر الناشئ من قبل الكفّارة توصلّى في حدّ نفسه ، وإلاّ لما اختلفت الخصال الثلاث فيما ذكر كما لا يخفى .
وعليه، فصوم الشهرين الواقع متعلّقاً للأمر بالكفّارة عبادي، لكن لا من ناحية هذا الأمر الوجوبي الثابت بالعنوان الثانوي، بل من أجل الأمر الاستحبابي المتعلّق بنفس الصـوم بعنوانه الأوّلي ، فإنّ الصوم في كلّ يوم ما عدا الأيّام المحرّمة له أمر اسـتحبابي مستقلّ ، وإنّما نشأ هذا الجمع والارتباط ـ أعني : عنوان الشهرين ـ وكذا التتابع من ناحية الأمر بالتكفير الذي هو توصلّى كما عرفت .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر الوسائل 23 : 14 / كتاب العتق ب 4 ح 1 ، 2 .
ــ[309]ــ
فلو صام يوماً أو أيّاماً ثمّ قطع إمّا اختياراً أو لعجز أو موت فبطل التتابع ، لم يكد يؤثّر ذلك في بطلان ما وقع ، فإنّ ملاك عباديّته الأمر الاستحبابي النفسي المتعلّق به بالعنوان الأوّلي لا التوصلّى الثابت بالعنوان الثانوي ، وقد تحقّق على وجهه ولا ينقلب الشيء عمّا وقع عليه ، فلا مناص من الحكم بالصحّة ، فإذا كان هناك أثر للصوم الصحيح يترتّب وإن لم يحسب من الكفّارة كما ذكره في المتن ، والله سبحانه أعلم .
|