ــ[319]ــ
ومنها : صوم الضيف بدون إذن مضيفه((1)) (1) ، والأحوط تركه مع نهيه ، بل الأحوط تركه مع عدم إذنه أيضاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتطرّق بطبيعة الحال ولا مدفع له ، وهو بمجرّده كاف في عدم الجزم بصحّة السند .
بل أنّ هذا الاحتمال قريب جدّاً ، بل هو المظنون ، بل المطمأنّ به ، إذ لو كانت مذكورة في كتاب عبدالله بن سنان فلماذا أهملها في التهذيب والاستبصار مع عنوانه (قدس سره) فيهما : صوم يوم عاشوراء ، ونقله سائر الروايات الواردة في الباب وبنائه (قدس سره) على نقل ما في ذلك الكتاب وغيره من الكتب ؟! فيكشف هذا عن أنّ روايته هذه عنه عن غير كتابه كما ذكرناه . وحيث إنّ طريقـه إليه غير معلوم فالرواية في حكم المرسل ، فهي أيضاً ضعيفة السـند كالروايات الثلاث المتقدّمة .
فصحّ ما ادّعيناه من أنّ الروايات الناهية كلّها ضعيفة السند ، فتكون الآمرة سليمة عن المعارض ، فلم تثبت كراهة صوم يوم عاشوراء فضلا عن الحرمة التي اختارها في الحدائق ، بل هي جائزة ندباً ولا سيّما حزناً حسبما عرفت بما لا مزيد عليه .
(1) عدّ (قدس سره) من جملة الصيام المكروه بالمعنى المناسب للعبادة دون الكراهة المصطلحة المشتملة على نوع من المبغوضيّة والمرجوحيّة حسبما هو المحرّر في محلّه : صوم الضيف بدون إذن المضيف ، بل ذكر (قدس سره) أنّ الأحوط تركه ولا سيّما مع النهي .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا في صوم التطوّع ، كما هو الحال في صوم الولد بدون إذن والده .
ــ[320]ــ
ومنها : صوم الولد بدون إذن والده، بل الأحوط تركه خصوصاً مع النهي، بل يحرم إذا كان إيذاءً له من حيث شفقته عليه ، والظاهر جريان الحكم في ولد الولد بالنسبة إلى الجدّ ، والأولى مراعاة إذن الوالدة ، ومع كونه إيذاءً لها يحرم كما في الوالد .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنقول : الأقوال في المسألة حسبما ذكرها في الجواهر(1) ثلاثة :
فالمعروف والمشهور الكراهة مطلقاً .
وذهب جماعة ـ كالشـيخين والمحقّق في المعتبر وابن إدريس في السرائر والعلاّمة في التبصرة(2) وغيرهم ـ إلى عدم الجواز، فلا يصحّ الصوم بدون الإذن .
واحتمل في الجواهر تنزيل كلامهم على صورة النهي ليتّحد مع القول الثالث الذي اختاره المحقّق في الشرائع من التفصيل بين عدم الإذن فيكره ، وبين النهي فلا يصحّ ولا ينعقد(3) .
والأقوى ما عليه المشهور، كما يظهر من ملاحظة الروايات الواردة في المقام :
فمنها : ما رواه الصدوق بإسناده عن الفضيل بن يسار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ وفي بعض النسخ أبي جعفر (عليه السلام) ـ «قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من أهل دينه حتى يرحل عنهم ، ولا ينبغي للضيف أن يصوم إلاّ بإذنهم ، لئلاّ يعملوا له الشيء فيفسد عليهم ، ولا ينبغي لهم أن يصوموا إلاّ بإذن الضيف ، لئلاّ يحشمهم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 17 : 118 .
(2) المقنعة : 367 ، النهاية : 170 ، المعتبر 2 : 712 ، السرائر 1 : 420 ، التبصرة : 56 .
(3) الشرائع 1 : 241 .
ــ[321]ــ
فيشتهي الطعام فيتركه لهم»(1) .
وهذه الرواية صحيحة السند ، لصحّة طريق الصدوق إلى الفضيل وإن ناقش فيه الأردبيلي من أجل علي بن الحسين السعدآبادي(2) ، إذ أنّ هذا الرجل وإن لم يوثّق صريحاً في كتب الرجال لكنّه من مشايخ ابن قولويه الذين هم القدر المتيقّن من عبارة التوثيق التي ذكرها في مقدّمة كتابه ـ كامل الزيارات ـ وإن استظهرنا منها التعميم لكلّ من وقع في إسناد هذا الكتاب ، سواء من يروي عنه بلا واسطة ـ كمشايخه ـ أم معها . وكيفما كان ، فلا ينبغي التأمّل في وثاقة الرجل .
وكان الأحرى عليه (قدس سره) أن يناقش في الطريق من أجل محمّد بن موسى بن المتوكّل ، الذي لم يرد فيه أىّ توثيق يعتمد عليه في كتب الرجال ، غير أنّنا بنينا على وثاقته ، نظراً إلى أنّ ابن طاووس يروي حديثاً يشتمل سنده عليه ، ثمّ يقول (قدس سره) : وجميع رواته ثقات اتّفاقاً (3) . ونحن وإن لم نعوّل على توثيق المتأخّرين إلاّ أنّ هذا التعبير من مثل ابن طاووس ـ الذي كلّ عبارات المدح دون شأنه ـ يورث الاطمئنان بأنّ في جملة المتّفقين بعض القدماء الذين نعتمد على توثيقهم ولا أقلّ من شخص أو شخصين ، وهذا المقدار كاف في التوثيق .
إذن لا ينبغي التأمّل في صحّة السند .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 528 / أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب 9 ح 1 ، الفقيه 2 : 99/ 444 ، علل الشرائع : 384 / 1 .
(2) جامع الرواة 1 : 572 .
(3) لاحظ فلاح السائل: 284/ 175 و470 / 320 ، لاحظ معجم رجال الحديث 18 : 299 / 11878 .
ــ[322]ــ
وأمّا من حيث الدلالة فهي ظاهرة في الكراهـة ، إمّا لأجل ظهور كلمـة : «لا ينبغي» في ذلك كما هو المشهور ـ وإن لم نلتزم به ـ أو لقرينتـين في نفس الرواية تقتضيان ذلك :
إحداهما : التعليل بقوله : «لئلاّ يعمـلوا» إلخ ، الذي يؤذن بوضوح بابتناء الحكم على التنزيه ، لاندفاع فساد الطعام إمّا بالتصدّق أو بالتوسعة على الأهل أو الجيران أو الادّخار في محلّ يؤمن من الفساد ونحو ذلك ، فالمراد عدم بلوغ المضيف مقصده من إكرام الضيف فيفسد عليه غرضه ، وهذا يناسب الكراهة والتنزيه كما هو ظاهر .
ثانيتهما : التذييل بقوله (عليه السلام) : «ولا ينبغي لهم أن يصوموا إلاّ بإذن الضيف» المتضمّن لحكم عكس المسـألة ، إذ لم يقل أحد هنا بالحرمة ، بل لم يتعرّضوا للكراهة أيضاً رغم دلالة الصحيحة عليها ، فيكشـف ذلك بمقتضى اتّحاد السياق عن أنّ الحكم في الصدر أيضاً مبني على الكراهة .
ومنها : ما رواه الصدوق أيضاً بإسناده عن نشيط بن صالح ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : من فقه الضيف أن لا يصوم تطوّعاً إلاّ بإذن صاحبه ، ومن طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوّعاً إلاّ بإذنه وأمره، ومن صلاح العبد وطاعته ونصيحته لمولاه أن لا يصوم تطوّعاً إلاّ بإذن مولاه وأمره ، ومن برّ الولد بأبويه أن لا يصوم تطوّعاً إلاّ بإذن أبويه وأمرهما ، وإلاّ كان الضيف جاهلا ، وكانت المرأة عاصية ، وكان العبد فاسقاً ، وكان الولد عاقّاً»(1) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 530 / أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب 10 ح 2 ، الفقيه 2 : 99 / 445 .
ــ[323]ــ
وهذه الرواية صحيحة السند أيضاً على الأقوى ، فإن طريق الصدوق إلى نشيط بن صالح وإن لم يكن مذكوراً في مشيخة الفقيه ، فالرواية في حكم المرسل لجهالة الطريق ، إلاّ أنّ هذه الرواية بعينها مع اختلاف يسير غير ضائر أوردها في العلل عن نشيط مسنداً بإسناد صحيح(1) ، إذ ليس فيه من يغمز فيه ما عدا أحمد بن هلال ، الذي رفضه كثير من الأصحاب وطعنوا في دينه ، لأنّه كان يتوقّع الوكالة فلمّا خرج التوقيع باسم أبي جعفر محمّد بن عثمان وكيل الناحية المقدّسة توقّف فيه ورجع عن التشيّع إلى النصب ، بل قيل : إنّه لم يُسمَع شيعي رجع إلى النصب ما عداه ، وقد وهم من تخيّل أ نّه توقّف على أبي جعفر الجواد (عليه السلام) ، إذ لم يُعهد الوقوف عليه (عليه السلام) من أحد ، بل المراد بأبي جعفر هو محمّد بن عثمان وكيل الناحية كما سمعت .
وكيفما كان ، فلم يعملوا برواياته ، وقد فصّل الشيخ (قدس سره) بين ما رواه حال الاستقامة وما رواه بعدها(2) .
والذي تحصّل لدينا بعد التدبّر في حاله : أنّ الرجل فاسد العقيدة بلا إشكال ، إلاّ أنّ ذلك لا يقدح في العمل برواياته ، ولا يوجب سقوطها عن الحجّيّة بعد أن كان المناط فيها وثاقة الراويى عندنا لا عدالته وعقيدته، وتظهر وثاقة الرجل من عبارة النجاشي حيث قال في ترجمته: إنّه صالح الرواية(3)، فإنّها تكشف عن وثاقته في نفسه كما لا يخفى .
إذن فالرواية محكومة بالصحّة سنداً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 530 / أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب 10 ح 3 ، علل الشرائع : 385 / 4 .
(2) لاحظ كتاب الغيبة : 399 .
(3) رجال النجاشي : 83 / 199 .
ــ[324]ــ
وأمّا من حيث الدلالة : فالمتحصّل من سياقها المبالغة في تحقّق ما اشتملت عليه من الأوصاف ، فلسانها يفرغ عن الكراهة ، وإلاّ فالجمود على ظاهرها غير قابل للتصديق ، للقطع بعدم عصيان المرأة ولا فسق العبد ولا عقوق الولد بمجرّد عدم الإذن ، ولم يقل بذلك أحد فيما نعلم . ومن هنا حـملها المحقّق على صورة النهي ليتحقّق العصيان والفسوق والعقوق . فيراد من جهل الضيف مع نهي المضيف : عدم تفقّهه بما يجب عليه شرعاً من رعاية حقّه حينئذ ، ولأجله ذهب إلى التفصيل بين النهي وعدم الإذن كما عرفت .
ولكنّه كما ترى ، إذ لا يتعيّن الحمل على صورة النهي ، ومن الجائز أن يراد من عصيان المرأة وفسق العبد ما إذا كان الصوم منافياً لحقّ الزوج أو السيّد ، فإنّه يحرم حينئذ حتّى مع عدم النهي . ويراد أيضاً من العقوق ما إذا تأذّى الوالد من صوم الولد ، لحرمته حينئذ وإن لم ينه عنه .
فالتفصيل المزبور ساقط ، بل المنسبق من الصحيحة كما عرفت هي المبالغة المساوقة للكراهة .
فالصوم مع عدم الإذن مكروه ما لم يستلزم التحريم بعنوان آخر من تضييع الحقّ أو التأذّي حسبما عرفت .
ثم إنّ مورد الكراهة هو صوم التطوّع كما قيّدت به هذه الصحيحة فبناء على ما ذكرناه في الاُصول ـ وإن كان على خلاف المشهور ـ من دلالة الوصف على المفهوم لا بالمعنى المصطلح ، بل بمعنى الدلالة على عدم كون موضوع الحكم هو الطبيعي الجامع ، وإلاّ كان التقييد من اللغو الظاهر(1) ، فيكشف التقييد في هذه الصحيحة عن عدم تعلّق الحكم بالطبيعي على سريانه ، غير أ نّه يعارضها في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محاضرات في اُصول الفقه 5 : 133 ـ 134 .
ــ[325]ــ
ذلك الصحيحة الاُولى الدالّة على أنّ الموضوع هو الطبيعي، ونتيجة ذلك الاقتصار بعد التعارض على المقدار المتيقّن المتّـفق عليه الطرفان وهو صوم التطوّع ، فيرجع فيما عداه من سائر أقسام الصيام إلى إطلاق أدلّتها السليمة عمّا يدلّ على كراهتها ، فالأظهر اختصاص الحكم بصوم التطوّع كما نبّهنا عليه في التعليقة ، فتدبّر جيّداً .
والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ الأصحّ كراهة صوم التطوّع من الضيف بدون إذن المضيف والولد بدون إذن الوالد ، وكذا الزوجة والعبد بدون إذن الزوج والسيّد ، من غير فرق بين النهي وعدمه ، كلّ ذلك للإطلاق في صحيحة هشام المتقدّمة(1) ، المحمولة على ذلك بعد امتناع الأخذ بظاهرها من تحقّق العقوق والفسوق والعصيان لدى عدم الإذن ، كما صرّح بذلك الصدوق في العلل حيث قال (قدس سره) بعد نقل الرواية ما مضـمونه : إنّ ظاهرها مقطوع البطلان(2) ، وهو كذلك ، إذ لم يقل أحد بوجوب الاستئذان في جميع المباحات فضلا عن المستحبّات كالتطوّع أو التنفّل عن الوالد أو السيّد أو الزوج ، بحيث لو صلّى الولد صلاة الليل ـ مثلا ـ بغير إذن والده كان عاقّاً فاسقاً ، بل قد ذكرنا في محلّه جواز ذلك حتّى مع نهيه فضلا عن اشتراط الإذن ، إلاّ أن يستوجب ذلك إيذاء الوالد أو الوالدة ، ومعه يحرم حتّى بدون النهي ، فالاعتبار فيهما بالإيذاء ، كما أنّ المدار في العبد والزوجة بالتنافي مع حقّ السيِّد أو الزوج . فحمل الصحيحة على صورة النهي الذي هو مستند تفصيل المحقّق في الشرائع ساقط جدّاً حسبما عرفت .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 322 .
(2) علل الشرايع : 385 / 4 .
|