ــ[396]ــ
[ 2564 ] مسألة 5 : يجوز قطع الاعتكاف المندوب في اليومين الأوّلين (1) ، ومع تمامهما يجب الثالث ، وأمّا المنذور : فإن كان معيّناً فلا يجوز قطعه مطلقاً ، وإلاّ فكالمندوب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فصّل (قدس سره) في الاعتكاف المندوب بين اليومين الأولين فيجوز القطع ورفع اليد ، وبين اليوم الثالث فلا يجوز بل يجب المضي ، وألحق (قدس سره) به المنذور إن كان مطلقاً ، دون المعيّن ، فإنّه لايجوز قطعه مطلقاً حذراً من مخالفة النذر. وقد ذهب إلى هذا التفصيل جماعة من الأصحاب.
وهناك قولان آخران :
أحدهما : ما نُسب إلى الشيخ والحلبي وابن زهرة من عدم جواز القطع مطلقاً (1) .
وبإزائه القول الآخر المنسوب إلى السيّد والحلّي والعلاّمة من الجواز مطلقاً حتّى في اليوم الأخير(2).
ويستدلّ للقول الأوّل أعني : عدم الجواز مطلقاً ـ تارةً : بما دلّ على حرمة إبطال العمل ، كقوله تعالى : (وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) (3) .
والجواب عنه ما أشار إليه شيخنا الأنصاري (قدس سره) من أنّ الآية المباركة اجنبيّة عمّا نحن فيه من رفع اليد أثناء العمل ، بل هي ناظرة إلى حكم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المبسوط 1 : 289 ، الكافي في الفقه : 186 ، الغنية 2 : 147 .
(2) الناصريات (الحجري) : 243 ، الناصريات (مركز البحوث والدراساة العلمية) : 300 .
(3) سورة محمّد (صلّى الله عليه وآله) 47 : 33 .
ــ[397]ــ
ما بعد الفراغ عن العمل ، كماقد تقتضـيه هيئة باب الإفعال ، فإنّ الإبطال يستدعي فرض وجود عمل صحيح مفروغ عنه ليعرضه هذا الوصف ، فمفادها حرمة الإتيان بعد العمل بما يوجب إبطاله، أي زوال أثره وحبط ثوابه، فيتّحد مفادها مع قوله تعالى: (لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَا لاَْذَى)(1)، فلا دلالة فيها بوجه على لزوم إتمام العمل وعدم جواز قطعه(2).
على أنّ ذلك موجب لتخصيص الأكثر المستهجن ، لجواز القطع في جميع المستحبّات ما عدا الحجّ المندوب وفي جملة من الواجبات كقضاء شهر رمضان الموسّع والنذر المطلق ونحوهما .
واُخرى ـ وهي أوجه من الاُولى ـ : بما دلّ على وجوب الكفّارة لو جامع خلال الثلاثة ، فإنّها تدلّ بالالتزام على حرمة القطع ، إذ لا معنى للتكفير عن أمر مباح .
ويدفعه أوّلا : أنّ الكفّارة وإن كانت ثابتة كما تقدّم وسيأتي إن شاء الله(3) ، إلاّ أنّها لا تستلزم الحرمة بوجه كما في كفّارة التأخير إلى أن ضاق الوقت عن قضاء شهر رمضان بحلول السنة الجديدة ، فإنّه جائز على الأقوى وإن وجب الفداء ، وكما في التكفير عن جملة من تروك الإحرام فيما لو اضطرّ إلى ارتكابها .
وثانياً : سلّمنا الملازمة إلاّ أنّ غايتها التلازم بين الكفّارة وبين حرمة حصّة خاصّة من الإبطال والقطع ـ أعني : الإبطال بموجب الكفّارة ـ وهو الجماع لا مطلق الإبطال ولو بشيء آخر ، كالخروج عن المسجد عمداً لا لحاجة ، إذ لا مقتضي للملازمة بين وجوب التكفير وبين حرمة طبيعي القطع على إطلاقه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البقرة 2 : 264 .
(2) فرائد الاُصول 2 : 490 ـ 491 .
(3) تقدّم في ص 241 ، وسيأتي في ص 477 .
ــ[398]ــ
وسريانه كما هو أوضح من أن يخفى .
ويُستدلّ للقول الآخر بأنّ انقلاب النفل إلى الفرض على خلاف القاعدة ، فيرجع إلى أصالة البراءة عن الوجوب في تمام الثلاثة من غير فرق بين الأخير والأولين .
وفيه : أنّ هذا وجيه لولا قيام الدليل على التفصيل ، والأصل حجّة حيث لا دليل على الخلاف ، ومعه لا تصل النوبة إليه .
وقد دلّت صحيحة ابن مسلم صريحاً على الوجوب في اليوم الثالث ، فقد روى عن أبي جعفر (عليه السلام) : «قال : إذا اعتكف يوماً ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ الاعتكاف ، وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتّى تمضي ثلاثة أيّام»(1) .
والمراد بالاشتراط : التعيين على نفسه بنذر وشبهه ، لا كالاشتراط عند نيّة الإحرام في الحجّ كما لا يخفى ، وإلاّ لم تتّجه الشرطيّة الاُولى ، وذلك لجواز الخروج ، سواء اشترط ـ بذاك المعنى ـ أم لا .
وكيفما كان ، فهذه الرواية صحيحة السند ، واضحة الدلالة ، وقد أفتى بمضمونها جماعة من الأصحاب ، فليست بمهجورة ، ومعها لا تصل النوبة إلى الرجوع إلى أصالة البراءة ، فلا مناص من الأخذ بها .
ومن ذلك كلّه يظهر لك صحّة التفصيل المذكور في المتن .
ثمّ إنّ هذه الرواية رواها في الكافي بإسناده عن ابن محبوب ، عن أبي أيّوب ، ورواها الشيخ بإسناده عن الحسن ، عن أبي أيّوب ، وهما ـ أي ابن محبوب
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 543 / أبواب الاعتكاف ب 4 ح 1 ، الكافي 4 : 177 / 3 ، التهذيب 4 : 289 / 879 ، الاستبصار 2 : 129 / 421 .
|