حكم ما لو نذر اعتكاف خمسة أيّام - وجوب قضاء الاعتكاف المنذور لو تركه بسبب وبغيره 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 12:الصوم   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3897


ــ[419]ــ

   [ 2575 ] مسألة 16 : لو نذر اعتكاف خمسة أيّام وجب أن يضمّ إليها سادساً ، سواء تابع أو فرّق بين الثلاثتين(1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) أمّا مع التفريق فظاهر ، لوجوب ضمّ الثالث إلى اليومين بعد الثلاثة ، إذ لا اعتكاف أقلّ من الثلاثة .

   وكذا مع التتابع والإتيان بالمجموع في اعتكاف واحد ، لما تقدّم عند التكلّم حول الشرط الخامس من صحيحة أبي عبيدة المصرّحة بأنّه «إن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتّى يتمّ ثلاثة أيّام اُخر»(1) .

   وعن الأردبيلي : عدم وجوب ضمّ السادس في صورة المتابعة ، نظراً إلى اختصاص دليل الضمّ ـ وهو الصحيح المتقدّم ـ بالمندوب ، فلا يعمّ المنذور ، مع إمكان التفرقة بأنّ في المندوب قد تحقّق الاعتكاف في أصل الشرع بالثلاثة الاُول وليس ثَمّة ما يدلّ على اتّصال الزائد وهو اليومان ، بل هما بمثابة اعتكاف جديد ، فلا جرم دعت الحاجة إلى التكميل ، إذ لا اعتكاف أقلّ من الثلاثة . وهذا بخلاف المنذور ، فإنّ الخمسة حينئذ اعتكاف واحد عن أمر وملاك واحد وهو النذر ، فلا نقص ليحتاج إلى التتميم ، ولا بأس بالزيادة على الثلاثة(2) .

   واعترض عليه غير واحد بأنّ الصحيحة وإن كانت مختصّة بالمندوب إلاّ أنّ المنذور ليس حقيقة اُخرى غيره ، بل هما فردان من طبيعة واحدة ، فإذا ثبت حكم لأحدهما ثبت للآخر بطبيعة الحال ، لاشتراكهما في الاحكام وعدم احتمال التفرقة فيها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 544 /  أبواب الاعتكاف ب 4 ح 3 .

(2) مجمع الفائدة والبرهان 5 : 371 ـ 372 .

ــ[420]ــ

   وهذا ـ كما ترى قابل للمناقشة ، إذ لقائل أن يقول : إنّ الحكم إذا كان خاصّاً بمورد ومتعلّقاً بفرد فكيف يسوغ لنا التعدّي إلى الفرد الآخر وإن اتّحدا في الطبيعة ؟ !

   نعم ، لو كان الحكم متعلّقاً بالطبيعة عمّ جميع الأفراد كما لو ورد : لا اعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام ، دون ما كان خاصّاً بمورد ووارداً في فرد بخصوصه كما في المقام .

   والصحيح فساد المطلب من أصله ، وأنّ الصحيحة غير مختصّة بالمندوب ـ  لا أ نّه يسلم الاختصاص ويجاب بما لا يسلم عن النقاش  ـ إذ لا موجب لتوهّم الاختصاص عدا التعبير بقوله (عليه السلام) : «فهو يوم الرابع بالخيار» ، نظراً إلى عدم الخيار بين القطع والاسترسال في الاعتكاف الواجب ، ولزوم المضىّ فيه إلى أن يفرغ ، فيكشف ذلك عن إرادة المندوب .

   ولكنّك خبير بأنّ هذا لازم أعمّ ، لثبوت التخيير في الواجب الموسّع أيضاً كالمندوب ، فيجوز في كلّ منهما رفع اليد في اليوم الرابع والخامس كاليومـين الأوّلين ، فلا شهادة في هذا التعبير على إرادة المندوب بوجه .

   نعم ، لا خيار في الواجب المعيّن بنذر ونحوه ، كما لو نذر أن يعتكف من أوّل رجب من هذه السنة إلى اليوم الخامس ، فإنّه يجب عليه الإتمام ولا خيار في شيء من الأيّام ، ولكن لا يحتمل الفرق بين الواجب الموسّع والمعيّن من هذه الجهة قطعاً ، لعدم القول بالفصل ، إذ لا قائل بالفرق بينهما وإن قيل بالفرق بين الواجب والمستحبّ كما عرفت .

   فالصحيح أنّ الصحيحة بنفسها وافية لإثبات الحكم في كلّ من المندوب والمنذور، لكونه معلّقاً فيها على طبيعي الاعتكاف الشامل لجميع الأفراد .

 
 

ــ[421]ــ

   [ 2576 ] مسألة 17 : لو نذر زماناً معيّناً شهراً أو غيره وتركه نسياناً أو عصياناً أو اضطراراً وجب قضاؤه((1)) (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   نعم ، هي قاصرة عن الشمول للواجب المعيّن ، لكنّه ملحق ، للقطع بعدم الفصل حسبما عرفت .

   (1) العمدة في المقام إنّما هو الإجماع الذي ادّعاه جمع من الأعلام ، ومنهم من لا يعتني بالشهرات والإجماعات المنقولة كصاحب المدارك ، حيث صرّح بأنّه مقطوع به في كلام الأصحاب(2) ، ولا يبعد تحقّقه ، بل هو الظاهر ، فهو المستند في المسألة ، ولولاه لكان الحكم في غاية الإشكال ، لضعف سائر ما يستدلّ له .

   فإنّ ما يتوهّم الاسـتدلال به من النصوص روايات ثلاث ، ثنتان منها مرسلتان :

   أحدهما النبوي المرسل : «اقض ما فات كما فات»(3) .

   والاُخرى المرسل عنهم (عليهم السلام) : «من فاتته فريضة فليقضها»(4) .

   ولم يلتزم الاصحاب بمضمونها من وجوب القضاء لكلّ فريضة فائتة ليدّعى الانجبار بالعمل على تقدير تسليم كبرى الانجبار ، فإنّ من نذر قراءة القرآن أو الدعاء أو زيارة الحسين (عليه السلام) ـ مثلا ـ في وقت معيّن ففاتته لعذر أو لغير عذر لم يلتزم أحد بوجوب قضائها ، والقضاء في الصوم المنذور المعيّن محلّ خلاف وإن كان عليه الأكثر ، للنصّ الخاصّ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على الأحوط .

(2) المدارك 6 : 337 .

(3) تقدّم في ص 312 .

(4) التهذيب 3 : 164 / 353 .

ــ[422]ــ

   وبالجملة : فلم يعهـد من أحد منهم الالتزام بالقضـاء فيما عدا الصوم والاعتكاف المنذورين . على أنّ لفظ الفريضة المذكور في المرسلة منصرف إلى ما ثبت وجـوبه في أصل الشرع وبحسب الجعل الأولي ، ولا يكاد يشـمل ما التزم به الناذر على نفسه ، فالرواية على تقدير صحّتها منصرفة عن المقام قطعاً .

   والثالثة : صحيحة زرارة ، قال : قلت له : رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر «قال : يقضي ما فاته كما فاته ، إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها» إلخ(1) .

   وهي ـ كما ترى ـ واضحة الدلالة بقرينة الصدر والذيل ، على أنّ المراد بالمماثلة في قوله (عليه السلام) : «يقضي ما فاته كما فاته» التماثل من حيث القصر والتمام وأنّ العبرة في قضائهما برعاية حال الفوت لا حال الأداء ، فلا دلالة فيها على وجوب قضاء نفس الصلاة من غير هذه الناحية فضلا عن الدلالة على وجوب قضاء مطلق الفريضة الفائتة ليستدلّ بها على المقام ، فالروايات قاصرة إمّا سنداً أو دلالةً .

   وربّما يستدلّ بوجهين آخرين :

   أحدهما : الاستفادة ممّا دلّ على وجوب قضاء الصوم المنذور المعيّن لدى فوته لعذر أو لغيره ، كصحيحة ابن مهزيار الواردة في النذر كما تكرّرت الإشارة إليه ، فإنّها ترشدنا إلى ثبوته في الاعتكاف أيضاً ، لمكان اشتماله على الصوم .

   وفيه ما لا يخفى من وضوح الفرق المانع من صحّة القياس ، فإنّ الصوم بنفسه متعلّق للنذر في الأول ، وأمّا في الثاني فهو شرط في صحّة شيء آخر تعلّق به النذر وهو الاعتكاف ، فوجوبه في الأوّل للنذر ، وفي الثاني للشرط ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 268 /  أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 1 .

ــ[423]ــ

وثبوت القضاء في أحدهما لا يستلزم الثبوت في الآخر بوجه .

   فلو فرضنا أنّ أحداً سقط عنه الأمر بقضاء الاعتكاف المنذور لعجز ونحوه ممّا لا يرجى زواله ، فهل يحتمل وجوب قضاء الصوم عليه استناداً إلى تلك الصحيحة الدالّة على وجوب قضاء الصوم المنذور ؟!

   ثانيهما : ما ذكره ـ كسـابقه ـ في الجواهر من أ نّه قد ثبت القضاء لدى عروض ما يمنع عن إتمام الاعتكاف من حيض أو مرض وغيرهما ممّا قد اشتملت عليه النصوص والفتاوى ، فيكشف ذلك عن ثبوته عند فوت الاعتكاف بأىّ نحو كان ، لعدم القول بالفصل(1) .

   ويندفع بمنع ثبوت الحكم في المقيس عليه لو اُريد به القضاء بالمعنى المصطلح ـ أعني : الإتيان خارج الوقت ـ الذي هو المبحوث عنه في المقام ، لقصور النصوص عن إثبات ذلك ، بل مفادها الإعادة والاستئناف كما صرّح بها في بعضها ، فإنّها ناظرة إلى أنّ من كان معتكفاً على النهج الشائع المتعارف من الاعتكاف الندبي أو الوجوبي بالوجوب الموسّع لنذر وشبهه لو عرضـه الحيض أو المرض ونحوهما ممّا يمنع عن الإتمام فلا جرم يبطل هذا الاعتكاف ، فيرفع اليد عنه ويأتي بفرد آخر بإعادة ذلك الاعتكاف واستئنافه .

   وليست ناظرة إلى القضاء الاصطلاحي ، للزوم حمل النصوص حينئذ على الواجب المعيّن بنذر ونحوه كي يتصوّر فيه الفوت ويتّصف بالقضاء ، ولا ريب أنّه فرد نادر جدّاً لا يمكن حمل المطلقات عليه ، سيّما وأنّ مقتضى القاعدة حينئذ بطلان النذر ، لكشف العجز الطارئ عن عدم القدرة على الامتثال ، المستلزم لانحلال النذر بطبيعة الحال .

   فالمراد هو الاعادة لا محالة وإن عبّر بلفظ القضاء في بعضها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 17 : 189 .

ــ[424]ــ

   ولنعم ما صنع في الوسائل حيث عنون الباب الحادي عشر بقوله : باب وجوب إعادة الاعتكاف إن كان واجباً(1) .

   إذن لم يثبت القضاء من أصله ليدّعى شموله للمقام بعدم القول بالفصل .

   فتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ المستند الوحيد في المسألة إنّما هو الإجماع، فإن تمّ كما هو الأظهر حسبما مرّ ، وإلاّ فالمسألة غير خالية عن الاشكال .

   هذا ، ولا بأس بالإشارة إلى النصوص الدالّة على وجوب قضاء الاعتكاف إذا فات بمرض أو حيض ، وهي ثلاثة وكلّها معتبرة :

   أحدها : صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «قال : إذا مرض المعتكف أو طمثت المرأة المعتكفة فإنّه يأتي بيته ثمّ يعيد إذا برئ ويصوم»(2) .

   فإنّ الأمر بالاعادة لم يكن مولويّاً ليراد به وجوب القضاء . وإنّما هو إرشاد إلى الفساد كما مرّ مراراً ، وأنّ الاعتكاف المأتىّ به قد بطل بعروض الطمث أو المرض المانعين عن الصوم المشروط به الاعتكاف ، فلا مناص من الاستئناف وجوباً إن كان ما شرع فيه واجباً ، وندباً إن كان مستحبّاً ، حسب اختلاف الموارد .

   وعلى التقديرين فهو إعادة لما سبق ، وليس من القضاء المصطلح لتوقّفه على فرض عروض المطث أو المرض في الاعتكاف الواجب المعيّن بنذر وشبهه كي يفوت بخروج الوقت ، ولا ريب في أ نّه فرض نادر جدّاً ، فكيف يمكن حمل المطلق عليه ؟!

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 554 .

(2) الوسائل 10 : 554 /  أبواب الاعتكاف ب 11 ح 1 .

ــ[425]ــ

   فإن قلت : الممنوع حمل المطلق على الفرد النادر لا شمول الإطلاق له ، فأىّ مانع من أن يراد المعنى الجامع بين الأداء والقضاء ؟

   قلت : القضاء متقوّم بالفوت ، والأداء بعدمه ، ولا جامع بين المتناقضين ، فلا يمكن إرادتهما من دليل واحد ، مضافاً إلى بُعده عن الفهم العرفي جدّاً كما لا يخفى .

   إذن فالصحيحة غير ناظرة إلى القضاء بوجه .

   الثانية : صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في المعتكفة إذا طمثت «قال : ترجع إلى بيتها ، فإذا طهرت رجعت فقضت ما عليها»(1) .

   والتقريب كما سبق وإن تضمّنت التعبير بالقضاء فإنّه بمعناه اللغوي ـ أي مطلق الإتيان ، كما استُعمل فيه كثيراً في الكتاب والسنّة ـ دون الاصطلاحي ، وإلاّ كان الأحرى أن يقول هكذا : فقضت ما فاتها ، بدل قوله (عليه السلام) : «فقضت ما عليها» ، فإنّ هذا التعبير ظاهر في أنّها تأتي بما عليها فعلا لا ما فاتها قبلا كما لا يخفى ، فهذا التعبير مؤكّد لما استظهرناه من ارادة الاستئناف ومطلق الإعادة دون القضاء .

   الثالثة : موثّقة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «قال : وأىّ امرأة كانت معتكفة ثمّ حرمت عليها الصلاة فخرجت من المسجد فطهرت فليس ينبغي لزوجها أن يجامعها حتّى تعود إلى المسجد وتقضي اعتكافها»(2) .

   وقد ظهر الحال فيها ممّا مرّ .

   على أنّ مضمونها غير قابل للتصديق ، لظهورها في أنّها تقضي من حيث ما قطعت ، لأ نّها باقية بعدُ على اعتكافها الأول ، وذلك لتضمّنها منع الزوج ـ إمّا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 554 /  أبواب الاعتكاف ب 11 ح 3 .

(2) الوسائل 2 : 368 /  أبواب الحيض ب 51 ح 2 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net