ــ[464]ــ
[ 2599 ] مسألة 40 : يجوز له أن يشترط حين النيّة الرجوع متى شاء (1) في اليوم الثالث ، سواء علّق الرجوع على عروض عارض أو لا ، بل يشترط الرجوع متى شاء حتّى بلا سبب عارض .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا الحكم في الجملة ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف ، وقد دلّت عليه الروايات المتظافرة .
وإنّما الإشكال في مقامين :
أحدهما : هل يختصّ الحكم باليومين الأولين ، أو أ نّه يعمّ الثالث أيضاً فله أن يفسخ فيه ؟
فيه كلام ، فقد نُسب إلى الشيخ في المبسوط منعه فيه ، نظراً إلى وجوبه حينئذ وعدم جواز رفع اليد عنه ، ومثله لا يقع مورداً للشرط(1) .
ولكنّه كما ترى ، فإنّ عمدة المستند في وجوب اليوم الثالث إنّما هي صحيحة محمّد بن مسلم(2) ، وهي في نفسها مقيّدة بعدم الاشتراط ، قال (عليه السلام) : «وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ» إلخ . وأمّا اليومان الأوّلان فله الفسخ بدون الشرط إلاّ أن يكون قد اشترط الاستمرار كما اُشير إليه في هذه الصحيحة . ومنه تعرف أنّ فائدة الشرط لا تظهر إلاّ في اليوم الثالث .
نعم ، لا يبعد ظهورها فيما لو شرع في الاعتكاف متردّداً في الإتمام ، حيث لا يسوغ له ذلك فيه ولا في غيره من العبادات إلاّ بعنوان الرجاء ، كما لا يجوز
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المبسوط 1 : 289 .
(2) الوسائل 10 : 543 / أبواب الاعتكاف ب 4 ح 1 .
ــ[465]ــ
الائتمام مع التردّد في الإتمام وإن ساغ له الانفراد لو بدا له ، وأمّا في المقام فيجوز مع الشرط حتّى عن نيّة جزميّة .
وكيفما كان ، فما ذكره الشيخ من التخصيص بالأولين والمنع عن الثالث لم يعلم وجهه أبداً .
ثانيهما : هل يختصّ اشتراط الرجوع بصورة وجود العذر ، أو له أن يشترط الرجوع متى شاء حتّى بلا سبب عارض ؟
نُسب الأوّل إلى جماعة ، ولكنّه أيضاً لا وجه له .
بل الظاهر جواز الاشتراط مطلقاً ، كما دلّت عليه صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة ، حيث إنّ مفهومها جواز الرجوع مع الشرط ، وهو مطلق من حيث العذر وعدمه .
نعم ، استُدلّ للاختصاص بالعذر بروايتين :
إحداهما : صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ : «قال : وينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم»(1) .
ومعلومٌ أنّ المحرم يشترط الإحلال مع العذر وأنّه يتحلّل عندما حبسه الله .
الثانية : موثّقة عمر بن يزيد ـ وقد تقدّم غير مرّة صحّة طريق الشيخ إلى ابن فضّال ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «قال : واشترط على ربّك في اعتكافك كما تشترط في إحرامك أن يحلّك من اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علّة تنزل بك من أمر الله تعالى»(2) .
وهي أوضح دلالةً من الاُولى في الاختصاص بالعذر .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 552 / أبواب الاعتكاف ب 9 ح 1 .
(2) الوسائل 10 : 553 / أبواب الاعتكاف ب 9 ح 2 .
ــ[466]ــ
ولا يجوز له اشتراط جواز المنافيات كالجماع ونحوه مع بقاء الاعتكاف على حاله (1) .
ويعتبر أن يكون الشرط المذكور حال النيّة (2) ، فلا اعتبار بالشرط قبلها أو بعد الشروع فيه وإن كان قبل الدخول في اليوم الثالث .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولكن شيئاً منهما لا يستوجب تقييداً في إطلاق صحيحة ابن مسلم المتقدّمة ، إذ هما في مقام الأمر الاستحبابي بهذا الشرط ، وأنّه يستحبّ أن يشترط هكذا كما يقتضيه التعبير بـ «ينبغي» في الاُولى والأمر بالشرط في الثانية ، فليكن المستحبّ كذلك . وأمّا الصحيحة فهي في مقام بيان الجواز وعدمه ، وأنّه في اليوم الثالث إن لم يشترط لم يجز الخروج وإلاّ جاز ، ولا تنافي بين الحكمين أبداً ، لعدم ورودهما في موضع واحد ، فغايته أن يكون موضوع الحكم الاستحبابي هو العذر ، فلو تركه ترك أمراً مستحبّاً ، وأمّا أصل الجواز الذي تنظر إليه الصحيحة فهو مطلق من حيث العذر وعدمه .
(1) لعدم الدليل على نفوذ مثل هذا الشرط بعد أن كان مقتضى الإطلاقات حرمة المنافيّات شرط أو لم يشترط ، والمتيقّن من النفوذ هو اشتراط الفسخ فيرفع اليد عن المطلقات بهذا المقدار كما مرّ ، ويرجع في شرط جواز المنافي إلى أصالة عدم النفوذ .
(2) كما هو الحال في الاشتراط في باب الإحرام ، فإنّ وقته وقت النيّة على ما نطقت به النصوص ، ومن المعلوم اتّحاد المقامين في كيفيّة الاشتراط كما دلّت عليه الروايات أيضاً .
مضافاً إلى أنّ هذا هو مقتضى مفهوم نفس الشرط ، فإنّه على ما ذكرناه في
|